تشمل علاقتنا مع الآخرين الكثير من الأفعال والتصرفات الجيدة واللطيفة تعبيرًا عن المحبة والمودة التي نملكها في داخلنا تجاههم، ولكن للأسف، في بعض الأحيان قد لا نحصل في المقابل على التقدير والاهتمام الذي نتوقعه، وهو الأمر الذي يترك في داخلنا شعورًا بالخيبة والألم، والذي قد يتحول مع التكرار إلى مشاعر من الغضب والانزعاج تساهم في تفجير الخلافات في المستقبل.

 لماذا لا نحصل على الاهتمام والتقدير الكافي من الآخرين؟

إن حل أي مشكلة يبدأ من فهم الأسباب والعوامل التي تؤهب لها، وفي هذا السياق يكون الصبر والتسامح والانفتاح على التواصل مع الطرف الآخر من أهم الصفات التي يجب التحلي بها، ومن المهم عدم التسرع في إلقاء اللوم والتقصير على الآخرين أو حتى إلقاء اللوم والتأنيب على أنفسنا، لأن ذلك يبدأ من مشاعر الغضب والحزن ولا يساهم في الوصول إلى حالة من التفاهم والانسجام.

أهم الأسباب التي تمنعك من الحصول على الاهتمام والتقدير الكافي

تفضيل الآخرين على نفسك دائمًا: من الجميل والرائع حقًا التضحية وبذل أكبر الجهود لخدمة من تحب والاهتمام بهم، ولكنه من غير الصحي تعويد الآخرين على التضحية والعطاء المستمر منك، ومنح رغباتهم وحاجاتهم الأولوية على نفسك مرارًا وتكرارًا، وعدم امتلاك حدود شخصية واضحة ومحددة.

أظهرت دراسة (Coe.2018) نشرت في مجلة علم النفس العائلي أن الحدود الشخصية الواضحة تساعد على تعزيز التواصل بين أفراد العائلة الواحدة، وتعطي الفرصة لكل منهم للتعبير عن الحاجات والرغبات التي يملكها، ثم الوصول إلى حل وسط فيما بينهم لتحقيق حاجات الجميع مع تقدير حاجات وجهد الأطراف الأخرى.

من جهة أخرى، تؤكد الدراسة على أن امتلاك حدود شخصية غير صحية وهشة تقلل من تقدير الآخرين للجهد الذي تبذله في سبيل تحقيق رغباتهم، ويترك هذا الأمر في داخلك مشاعر من الغضب والانزعاج من دون وعي الأطراف المقابلة لما تختبره من معاناة، وتقلل من تلبية الآخرين لطلباتك والاهتمام بك، لظنهم أنك لست بحاجة لشيء.

عدم تقدير الآخرين: يحتاجك الآخرون للتعبير عن اهتمامك وتقديرك لهم، مثلما تحتاجهم أنت للتعبير عن اهتمامهم وتقديرهم لجهودك ومشاعرك. قد تظن مخطئًا أنك لست بحاجة لتعبر بصورة مستمرة عن امتنانك وتقديرك لجهد الطرف المقابل، أو أنك قد قمت حقًا بالتعبير أكثر من مرة في السابق عن اهتمامك وفخرك وامتنانك، وأن الطرف المقابل يعرف ما تشعر به من دون الحاجة لقول هذا في كل مرة، لكن للأسف، هذا الاعتقاد خاطئ تمامًا.

أشارت دراسة (Kumar,2018) إلى أن تعبير كل طرف عن امتنانه وتقديره لجهد وعمل الطرف الآخر يساعد على تحقيق السلام والاطمئنان النفسي عند كل من المتكلم والمتلقي للاهتمام، وأن التعبير القليل أو النادر عند أحد الأطراف سيقلل من رغبة الطرف الآخر في تعبيره عن اهتمامه وتقديره لجهد الطرف المقابل، وتؤكد الدراسة على ضرورة التعبير عن هذا الاهتمام بصورة مستمرة ودائمة، مهما كان ما تقوله، وانتبه إلى عدم الوقوع في خطأ الاعتقاد أن الطرف المقابل لن يهتم أو يتأثر فيما تقول، أو أن تعبيرك المستمر سيبدو بصورة سيئة وغير جميلة، فالأمر معاكس تمامًا للواقع، ويجب عليك تقدير جهود الآخرين باستمرار حتى يقدروا هم جهودك دائمًا.

قد يملك الآخرون أسلوبهم الخاص لإظهار الاهتمام: لعلك تعبر عن اهتمامك وامتنانك بالكلام والشكر، وهذا أسلوب جيد وواضح، لكن من المهم الانتباه إلى عدم ضرورة تقييد الجميع بنفس أسلوبك.

 يُعبِّر مختلف الأشخاص عن امتنانهم وتقديرهم واهتمامهم بطرق وأساليب مختلفة، حيث يميل البعض إلى تقديم المساعدة في عمل آخر من تلقاء أنفسهم، بينما يفضل البعض العناق والمصافحة والابتسام والمديح، وقد يعبر زميل في العمل أو صديق عن امتنانه بدعوتك إلى الغداء أو شراء هدية لك. 

تذكر دائمًا جميع التصرفات الجميلة واللطيفة التي قام بها الأشخاص من أجلك في الماضي، وتذكر أن كل شخص يعبر عن اهتمامه بأسلوبه الخاص، وهذا أمر طبيعي.

عدم التعبير عن حاجاتك ورغباتك بوضوح وبساطة: من الطبيعي أن تشعر في بعض الأحيان بالخجل والتردد إذا أردت التعبير عما تشعر به من قلة الاهتمام، وعن حاجتك للمزيد من التقدير والمحبة من الآخرين المقربين منك. 

قد تشعر بأن ذلك يجعل صورتك ضعيفة، أو أن الطرف المقابل غير مرتاح ولا تريد إرهاقه بمشاعرك العابرة، لكن هذا غير صحيح، والآخرون الذين يحبونك ويهتمون لأمرك يعنيهم كثيرًا أن يعلموا ما الذي تشعر به وتحتاجه، يمكنك اختيار وقت مناسب لإخبارهم في حال كانوا منشغلين، أو يمكنك إعلامهم بأن تعبيرك عن مشاعرك أمر مربك بالنسبة لك حتى يعملوا على تقدير جهدك أكثر، لكن المهم ألّا تبقى صامتًا.

ما هي سلبيات عدم الحصول على الاهتمام والتقدير الكافي؟

يؤثر عدم الحصول على الاهتمام والتقدير الكافي بشكل سلبي على كل من الجانب النفسي والشخصي، وعلى العلاقات العاطفية بين الطرفين وقوتها وعمقها، وتتضمن أهم التأثيرات السلبية:

• يترك عدم حصولك على التقدير والاهتمام الكافي شعورًا بالغضب تجاه الطرف الآخر، وقد يؤثر على ثقتك بنفسك وتقديرك لذاتك، لإحساسك بضياع الجهد والعمل الذي تبذله من أجل الآخرين، وهو الأمر الذي يظهر في المستقبل على شكل خلافات بين الطرفين، قد تؤدي لتضرر العلاقة، وربما انهيارها بشكل كامل.
• يؤهب عدم الحصول على التقدير والاهتمام للإصابة بالقلق والتوتر من تحديات الحياة والعمل، وكل ذلك بسبب شعورك بالعزلة والوحدة، وأن جهودك غير مؤثرة أو مهمة، وهذا ما أكدته دراسة (Jayamaha.2017) هدفت للبحث عن تأثيرات العزلة الاجتماعية على الصحة النفسية.
• يؤدي أيضًا لتقليل ثقتك بنفسك واندفاعك في الحياة نحو تحديات جديدة وتحقيق النجاحات، وقد يكون من نتائجه الانكفاء على النفس والتوقف عن تطوير الذات.
• قد يساهم في حدوث الإرهاق والإنهاك الجسدي والنفسي، بينما ينخفض الحماس والاندفاع تجاه العمل عند أشخاص آخرين لعدم تقدير جهودهم بصورة كافية، مما يضر في مصالح العمل والموظف في آن واحد.

يحتاج الجميع مهما كانت إنجازاتهم صغيرة أو بسيطة إلى الشعور بأنهم مرئيون ومفضلون عند الأشخاص الذين يحبونهم، فالاهتمام والتقدير من أهم ركائز الثقة بالنفس، والحفاظ على العلاقة العاطفية القوية مع الشريك، والإخلاص في العمل وتحقيق النجاح.

 ابدأ بتقديم الاهتمام للآخرين حتى تحصل عليه، ولا تتردد في إخبار من تحبهم ماذا تحتاج منهم، واطلب المساعدة من المختصين عند اللزوم.

المصادر:

Coe, J. L., Davies, P. T., & Sturge-Apple, M. L. (2018). Family cohesion and enmeshment moderate associations between maternal relationship instability and children’s externalizing problems. Journal of Family Psychology, 32(3), 289–298. https://doi.org/10.1037/fam0000346

Kumar, A., & Epley, N. (2018). Undervaluing Gratitude: Expressers Misunderstand the Consequences of Showing Appreciation. Psychological Science, 29(9), 1423–1435. https://doi.org/10.1177/0956797618772506 Jayamaha, S. D., Girme, Y. U., & Overall, N. C. (2017). When attachment anxiety impedes support provision: The role of feeling unvalued and unappreciated. Journal of Family Psychology, 31(2), 181–191. https://doi.org/10.1037/fam0000222