“ينتابني شعور غريب لا أدرك سببه عندما أتواجد في هذا المكان أو ذاك. من الصعب شرح ذلك! لكنني أشعر أن شيئًا ما مفقود في حياتي، كأنني أبحث عن شيء لا أستطيع أن أضع إصبعي عليه. ما الذي أفعله هنا، وكأنني وحدي غريب رغم الزحام من حولي”.
← انضم الآن الي برنامج: التعامل مع الرهاب الاجتماعى
إن كنت تطرح مثل تلك التساؤلات، ولا تجد لها جوابًا، فربما تواجه شعورًا بعدم الانتماء لما هو حولك، كأن تشعر بالانفصال عما يحيط بك، وكأنك تعيش في عالم مختلف عن أي شخص آخر. الشعور بعدم الانتماء و الانفصال عما حولك، هو تجربة صعبة ومربكة تعيق سير حياتك اليومي، وقد تمنعك من تجربة الكثير من الأشياء، فما هو شعور عدم الانتماء هذا؟ وما أسبابه؟ وكيف يمكنك أن تتعامل مع هكذا شعور في حياتك؟
في البداية تأكّد أنك لست وحدك من يختبر هذا الشعور، فالشعور بالانفصال والغربة عن المحيط شعور شائع، قد يكون مزعجًا، لكن عند التعرف على أسبابه وكيفية التعامل معه ستزداد ثقتك بنفسك على مواجهة هذا الشعور والمضي قدما في حياتك. وهذا ما سنبحثه في هذا المقال.
ما المقصود بعدم الشعور بالانتماء؟
يشير عدم الانتماء إلى حالة من الشعور بالانفصال عن النفس أو العزلة عن مجموعة أو مجتمع، أو حتى انقطاع الصلة بمن ربطتك بهم علاقات وثيقة سابقًا، ما يؤدي غالبًا إلى الشعور بالاستبعاد أو الاغتراب، يمكن أن يكون سببه عوامل مختلفة مثل: الاختلافات الثقافية أو المعتقدات الشخصية أو الوضع الاجتماعي، ويمكن أن يؤدي إلى الشعور بالوحدة وانعدام الأمن والعداء وتدني احترام الذات.
أسباب الشعور بعدم الانتماء
كثيرًا ما تكون وسط مجموعة من الأشخاص وتحدث نفسك: ” أشعر أنني لا أنتمي إلى أي مكان، ومن الصعب أن أجد مكاني في العالم”، لهذا الشعور بالغربة وعدم الانتماء أسباب عديدة نذكر منها:
- اختلاف شخصيتك عن المنتشر والمألوف
عندما تمتلك أفكار ووجهات نظر مختلفة عما هو مألوف في محيطك، فتتعرّض للانتقاد من قبل أصدقائك وعائلتك أو زملائك في العمل وحتى على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يشعرون أنه يجب عليك رؤية العالم بالطريقة نفسها التي يرونها.
- التعبير عن النفس بطريقة غير واضحة
“أحيانًا أتساءل عما إذا كان أي شخص يفهمني حقًا، أو إذا كان مقدرًا لي أن أشعر وكأنني غريب إلى الأبد”. عندما لا تعبّر عن أعمق أفكارك أو شغفك بطريقة واضحة للأشخاص من حولك، تشعر أنهم لا يستطيعون فهمك، وبالتالي سيتولد لديك شعور بعدم الانتماء، والنصف الآخر من التواصل هو الاستماع الفعلي لما يقوله الآخرون وفهم ما يقصدونه من معنى؛ لأن خلاف ذلك سيقودك إلى ضعف التواصل وسوء الفهم.
- التعرض لصدمة أو تجربة سابقة
التعرض للصدمات القاسية يخلق حالة عدم يقين وعدم ثقة بينك وبين كل ما حولك، وفي حال إهمال تلك المشاعر وعدم الحصول على الدعم في الوقت المناسب، قد تؤدي شيئًا فشيئًا إلى الانسحاب وشعور بعدم الانتماء.
- التمييز على أساس الهوية
التمييز حسب العرق أو الجنس والتهميش ضمن العمل أو العائلة لاعتبارات ثقافية يكون سببًا في الشعور بعدم الانتماء لما حولك.
- صعوبة التكيف مع التغيير ومع البيئة الجديدة
عندما تسافر للدراسة أو العمل في بلد آخر، قد تواجه شعورًا بعدم الانتماء؛ بسبب صعوبة التكيف مع المجتمع وثقافته، فقد يكون تفكيرك منفتحًا بالنسبة لمجتمع يغلب عليه الطابع المنغلق أو العكس.
- إمضاء وقت طويل على الإنترنت
توصلت دراسة ( TRAŞ, Öztemel, et al. 2019) إلى أن تمضية ساعات طويلة على الإنترنت بشكل عام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، يؤدي لشعورك بالعزلة والابتعاد وبالتالي عدم الانتماء، ومن هذا المنطلق لا بد من البحث عن طرق للتعامل مع الشعور بعدم الانتماء لما حولك في سبيل الوصول إلى حياة صحية ومنتجة.
كيف أتعامل مع شعوري بعدم الانتماء لما حولي؟
في البداية، إنّ معرفة سبب شعورك بعدم الانتماء لما حولك يساهم في اختيار الطرق المناسبة للتعامل مع هذا الشعور، وفيما يلي مجموعة من الطرق لتساعدك على مواجهة هذا الشعور:
- كن أنت
كخطوة أولى عليك أن تتقبّل نفسك وتحتضن اختلافك، ولا تحاول أن تتصرف عكس شخصيتك. ليس من الضروري أن نكون نُسخًا متشابهة عن بعضنا البعض، بل إن الاختلاف والتعددية أمران أساسيان في الحياة، فعليك أن تنظر لاختلافك على أنه نقطة قوتك وليس العكس، وتأكد أنك عندما تكون أنت وتتقبّل نفسك كما هي، ستجد من الأسهل عليك مواجهة شعورك بعدم الانتماء لما حولك؛ لأنك حينئذٍ ستدرك قيمة نفسك جيدًا، وسيكون تقديرك لذاتك عاليًا مُستمدًا من داخلك، وليس ممن حولك، وعندها سترتاح قليلًا من عبء الشعور بعدم الانتماء.
- تحدّ نفسك واخرج من منطقة الراحة
في بعض الأحيان، قد يكون جلّ ما تحتاجه هو القليل من المخاطرة لكي تخرج من منطقة الراحة التي وضعتها لنفسك، لكي تجرّب شيئًا جديدًا، وتتحدى نفسك في أماكن لا تشعر فيها بالراحة والأمان، فقد يكون ذلك خير مساعد لك على مواجهة شعورك بعدم الانتماء كما ورد في دراسة (Prazere, 2017).
- ابحث عن أشخاص لديهم وجهات نظر واهتمامات مماثلة
من الممكن أن يكون محيطك الاجتماعي فقيرًا من ناحية التنوّع والتعددية، فلا تجد من يقاسمك ويشاركك اهتماماتك وأفكارك، لذا من المفيد أن تبحث عن مجموعات أو أنشطة أو مواقع، حيث يمكنك مقابلة أشخاص يرون العالم بعيونك، لكي تشاركهم وجهات نظرك وأحلامك. كما أن التطوّع في بعض المنظمات أو الجمعيات الخيرية قد يكون فرصة لك للالتقاء بأشخاص يساعدونك على تعزيز شعورك بالانتماء.
- اصقل مهارات الاتصال الخاصة بك
هنالك الكثير من الأفكار تدور في رأسك لكنك لا تدري كيف توصلها بالشكل الصحيح، أو لا تلقى التشجيع المناسب من قبل الآخرين للتحدث، لذا تُفضل الانسحاب والاحتفاظ بأفكارك لنفسك، ومع مرور الوقت، يظهر لديك شعور بعدم الانتماء لما حولك، والحل الأمثل لذلك هو أن تدرب نفسك على مهارات التواصل والاتصال التي تعد أساسية في عالمنا اليوم، فعندما تعبّر عن نفسك بشكل واضح ستجد من يتقاسم معك أفكارك، ما يساعدك على التخلص من شعورك بعدم الانتماء.
تذكّر أن هذه مهارة تحتاج أن تصقلها بالممارسة، فالقدرة على إيصال ما تفكر وتشعر به بوضوح تساعدك على قطع شوط طويل نحو الشعور بالتفهُّم، وهذا ما تناوله كتاب (2020,Speelman)، عندما قدّم فهمًا عميقًا لقيمة الثقافة وأهمية المجتمع والحاجة الأساسية للتواصل، وقدّم أيضًا استراتيجيات ونصائح عملية تساعدك على التواصل بشكل أفضل مع الآخرين، وعلى بناء خطة استراتيجية لإشراك الآخرين في عالمك، وكل ذلك يساعدك على تعزيز شعورك بالانتماء.
- اهتمّ بنفسك
الاعتناء بنفسك أمر ضروري عند مواجهة شعورك بعدم الانتماء، فأنت في هذه الحالة تحتاج إلى أن تهتم بنفسك وتخصص وقت للأنشطة التي تستمتع بها، مثل: التمارين أو القراءة أو قضاء الوقت في الطبيعة. يمكن أن يساعد إعطاء الأولوية للرعاية الذاتية في تقليل التوتر وتحسين الحالة المزاجية بشكل عام، وبالتالي تزداد ثقتك بقدرتك على مواجهة أي تحدٍّ أو شعور تتعرّض له.
- اسمح لنفسك بالنمو والتطور مع الحياة
كن مرنًا واحتضن التغييرات التي تواجهك في الحياة وتحرّك معها بدلًا من محاربتها، فالتغيير سيأتي سواء أردنا ذلك أم لا، تأكّد أن الحياة تستمر، وتمرّ السنين ويتغير الناس أحيانًا للأفضل وأحيانًا للأسوأ. لا يمثّل الأصدقاء وأفراد العائلة دائمًا حضورًا ثابتًا في حياتك، والخبر السار هو أن هناك الكثير من الأشخاص في العالم سيقدّمون الكثير لحياتك، كما تفعل أنت في حياتهم، عليك فقط الاستمرار في التحرك نحوهم.
- اطلب المساعدة
الشعور بعدم الانتماء لما حولك هو تجربة صعبة لما يصاحبه من شعور بالوحدة والعزلة وربما الاكتئاب على حسب ما توصّلت إليه دراسة (Janine M. Dutcher, et al. 2022)؛ إذ ذكرت أن الشعور بعدم الانتماء يؤدي إلى مستويات مرتفعة من الاكتئاب لدى بعض الأشخاص، ولا يجب أن تواجه ذلك بمفردك على الإطلاق، بل عبّر عن مشاعرك مهما كانت ولا تحتفظ بها بداخلك، إذ يمكنك التواصل مع الأصدقاء ومجموعات الدعم أو الاختصاصيين.
في ختام حديثنا، لا بُد من القول إنه على الرغم من صعوبة الشعور بعدم الانتماء لما حولك إلا أنّه تجربة شائعة يمكن أن تؤدي إلى ظهور المشاعر السلبية، وخاصة في عالمنا اليوم الذي يضع أمامك مزيدًا من التحديات بشكلٍ شبه يومي، ولكن مع اتباع استراتيجيات التعامل الصحيح مع هذا الشعور يمكنك أن تتغلّب على آثاره السلبية.
وتذكّر دائما أنك مختلف وفريد وهذه نقطة قوة، وليست ضعفًا؛ فما يجعل الحديقة رائعة هو تنوّع واختلاف الورود فيها، ومن المهم بمكان أن تدرك أن الشعور بعدم الانتماء أحيانًا يكون له أثر إيجابي، فقد يكون تحذيرًا لك أنك في مكان لا يناسبك ولا يلبي قدراتك واحتياجاتك وأنه حان الوقت للمضي قُدمًا نحو حياة جديدة ومرضية لك.
من الجدير بالذكر أيضًا، أنك لا يجب أن تعاني وحدك، فطلب المساعدة والدعم أمر هام في التعامل مع شعور عدم الانتماء، فقد يكون ما تحتاج إليه هو من يفهمك ويقف بجانبك فقط، ويمكنك دومًا التواصل مع اختصاصي تطبيق لبيه؛ للحصول على المزيد من المعلومات والدعم المناسبين لك.
المراجع
1- TRAŞ, Z., Öztemel, K., & BALTACI, U. “Role of Problematic Internet Use, Sense of Belonging and Social Appearance Anxiety in Facebook Use Intensity of University Students”. International Education Studies (IES), 12(8). July 2019, DOI:10.5539/ies.v12n8p1.
2- Dutcher, et al. “Lack of belonging predicts depressive symptomatology in college students”. Psychological science, 33(7), 1048-1067. Volume 33, Issue 7. June 2022, Doi: https://doi.org/10.1177/09567976211073135.
3- Laura Prazeres. “Challenging the comfort zone: self-discovery, everyday practices and international student mobility to the Global South”. Mobilities, 12(6), 908-923. Nov 2016, Doi: https://doi.org/10.1080/17450101.2016.1225863. 4- Speelman, R. (2020). Culture, Community, Communication: Fostering a Sense of Belonging. Amazon Digital Services LLC – KDP Print US.
المقالات المقترحه:
← اقرأ ايضاً: 7 نصائح لبناء علاقات صحية مع من حولنا
← اقرأ ايضاً: لماذا أتجنب التعامل مع الآخرين؟
← اقرأ ايضاً: خطوات للتغلب على الرهاب الاجتماعي
أشهر المختصين:
← احجز جلستك الآن: فتون السريحي