كيف نبحث عن المعنى في قلب المعاناة؟
غالبًا ما يعتقد الناس أن العثور على معنى للأمور التي تحدث في حياتهم مشابه لإيجاد السعادة من قلب المشاكل والتحديات التي تواجههم، وعلى الرغم من أنهم ليسوا مخطئين بالمطلق، لكن هناك ما هو أكثر من أن تكون سعيدًا وخاليًا من الهموم، حيث يساعدك هذا المعنى على تحقيق أهدافك وطموحاتك.
كيف يساعدك البحث عن المعنى في تحقيق أهدافك؟
يشير البحث عن المعنى في الحياة إلى تمتع الشخص بدافع قوي لإيجاد معنى ما يحدث في حياته، أي أن يكون قادرًا على فهم طبيعة وجوده الشخصي، وشعوره بأنه مهم وهادف؛ لذلك تبدو لك الحياة ذات مغزى عندما يمكنك الإجابة بشكل صحيح على تساؤلاتك الشخصية عن حياتك، مثل: من تكون، ولماذا أنت موجود، وما هو مهم بالنسبة لك، وماذا يفترض أن تفعل في حياتك، وبالتالي يمكن أن يكون الشعور بأن حياة الشخص مهمة أو مفهومة أو هادفة ضروريًا للحفاظ على صحته النفسية.
إن العثور على المعنى من قلب التحديات التي تخوضها، يجعلك تراجع حياتك وكيف تشعر بها في الوقت الحالي، وماذا تريد أن تفعل بالمستقبل، ومدى تفاعلك مع ما يقدمه المحيط من حولك؛ لذلك حتى تعيش حياة ذات مغزى، فأنت بحاجة إلى وضع خطة واضحة لتحقيق أهدافك وطموحاتك.
يمكن أن يؤدي فهم نفسك بشكل كامل إلى تحقيق أهداف كبيرة، كما تؤدي زيادة وعيك الذاتي، إلى إثبات نقاط قوتك والاعتماد عليها في تحقيق ما تطمح إليه.
تساعدك هذه العوامل في المستقبل على تحديد أهداف جديدة لتعليم المهارات أو تطوير قدراتك، وتحقيق هذه الأهداف خلال فترة قصيرة بسبب التركيز والعمل الجاد، وبالتالي يفيد الاعتماد على هذه العقلية في تحسين العديد من مجالات حياتك.
أين تكمن أهمية البحث عن المعنى في قلب المعاناة؟
يشكّل إيجاد المعنى في الحياة دافعًا نفسيًا مهمًا، يساهم في تعزيز الحالة العامة للشخص، فهو مرتبط بتحسين نوعية علاقاته الاجتماعية وعمله وحياته بشكل عام، بالإضافة إلى تخفيف التوتر والضغط النفسي.
البحث عن المعنى يحفز الناس على الرغبة في زيادة المعرفة الدينية أو التطوع ومساعدة الآخرين، كما يحاول الأشخاص الذين يشعرون أنهم قد وصلوا إلى فهم ذاتهم بشكل جيد، أن يحصلوا على فهم أعمق لهذا المعنى، أو محاولة التكيف مع تغير حياتهم بشكل كبير بسبب إنجاب الأطفال، أو البحث عن تحديات جديدة، فعلى سبيل المثال: قد يستمد الرياضي الناجح المعنى من المنافسات الرياضية، ثم ينظر إلى العائلة أو الأصدقاء أو العبادة أو مساعدة المحتاجين كمصادر جديدة لمعنى ما يحدث في حياته، بعد أن تعرض لإصابة أنهت مسيرته الرياضية.
كما يبدو الشخص الذي لم يفهم بعد المعنى من حياته، أقل سعادة وأكثر قلقًا واكتئابًا، حتى يبدأ بالانفتاح والتفكير في تجاربه السابقة وطرح التساؤلات حول طبيعة ما يفكر به؛ لذلك سوف تكون أكثر سعادة عندما تبحث عن معنى للمواقف التي تمر بها يوميًا.
يختلف الناس في درجة رغبتهم بالبحث عن المعنى في حياتهم والطريقة التي يعتمدون عليها في إيجاده. طور علماء النفس في السنوات الأخيرة عدة استبيانات لقياس هذه الاختلافات، حيث أظهرت دراسة (Steger, 2006) فعالية استبيان مكوّن من 10 أسئلة في تحديد مدى وصول الشخص للمعنى في المشاكل التي يعاني منها، وأشارت النتائج إلى تحقيق المشاركين الذين سجلوا درجات عالية في هذا المقياس وعي ذاتي أكبر وفهم أفضل لمغزى حياتهم، على مدى فترة طويلة من الزمن.
كيف تبحث عن المعنى في حياتك؟
توجد عدة طرق تساعدك على استخراج المعنى والفائدة من كل المواقف الصعبة التي تتعرض لها:
1- حاول أن تشعر بأهمية وجودك
تظهر الأبحاث أن الشعور بأنك قد أحدثت تأثيرًا إيجابيًا على الآخرين، يساهم دائمًا بترسيخ الاعتقاد بأن حياتك ذات معنى، وغالبًا ما ترتبط الأهمية الوجودية بالشعور بأنك مهم للآخرين، من مساعدة المحتاجين وتقديم الدعم الاجتماعي لهم، إلى كونك صديقًا يثق به الآخرون، لكن يتعلق الشعور بأن حياتك مهمة بأكثر من مجرد تأثير أفعالك على الآخرين، بل عندما تكون تصرفاتك أو تجاربك التي تعيشها مهمة لذاتك.
يرتبط هذا الجانب من الأهمية بفكرة الطبيب النفسي فيكتور فرانكل عن إيجاد الجمال والمعنى في الحياة من خلال التجارب الواقعية، كما تتمثل إحدى طرق إدراك المزيد من الأهمية في حياتك في البحث المستمر عن تجارب ذات جوهر مفيد، مثل: التواصل مع الطبيعة أو الأشخاص الذين تستطيع معهم التعبير عن نفسك بحرية.
بالإضافة إلى ذلك تساهم العديد من الطرق المعرفية أو العاطفية، مثل: ممارسة تمارين اليقظة الذهنية، أو النظر إلى الجوانب الإيجابية لكل موقف، أو تعلم تقييم تجاربك بتفاؤل أكبر، في اكتشاف أهمية وجودك من تجارب حياتك بشكل أكبر.
تحلل دراسة (Martela, 2015) نتائج أربع دراسات تم إجراؤها على أكثر من 800 شخص، وتظهر النتائج أهمية كل من الشعور بالاستقلالية المادية والنفسية والرغبة بالعطاء وممارسة النشاطات الخيرية التي تساهم في بناء المجتمع في تحسين الحالة العامة لهؤلاء الأشخاص وزيادة درجة الرضا عن حياتهم.
2- انسجم مع حياتك اليومية
يتضمن هذا الانسجام شعورك اليومي بأن حياتك طبيعية، حيث لا يتطلب فهم الحياة حلاً للقضايا التي تمر بها، ويعتبر السبب المحتمل لعدم تفكيرنا في المعنى كثيرًا، أننا لا نشعر ببساطة بقيمة النعم التي نعيشها ونفكر بها على أنها أمور بديهية، لكن تشكل حياتنا جزءًا لا يتجزأ من عالم طبيعي يتميز بالانتظام، مثل: شروق الشمس وغروبها، يوفر هذا الانتظام في الحياة الإيقاع الذي يدعم الشعور بأن حياتك ذات مغزى مهما تعرضت لمواقف صعبة.
3- حدد أهدافًا واضحة واعمل على تحقيقها
يساعدنا الشعور بالهدف في الحفاظ على ما يدفعنا للاستمرار، على الرغم من ضغوط ومشاكل الحياة اليومية، حيث يميل الأشخاص الهادفون إلى أن يكونوا أكثر رضا عن حياتهم ويعيشون لفترات أطول.
قد تكون بعض أسباب السعي وراء أهدافك أفضل من غيرها، فمن غير المحتمل أن يتمتع الشخص الذي يشعر أنه يجب أن يؤدي واجباته لأن مديره طلب منه القيام بذلك، بالحافز لتحقيق الهدف أثناء أداء هذا العمل، ويختلف هذا الأمر حسب طبيعة كل شخص، حيث يتطوع الناس في الأعمال الخيرية على سبيل المثال لأسباب مختلفة، لكن الشخص الذي يفعل ذلك لأنه يشعر أن ما يقوم به يتوافق مع قيمه الداخلية لمساعدة الآخرين المحتاجين، يستمد إحساسًا إيجابيًا بالغرض من هذه التجربة.
تقدم لك منصة لبيه مجموعة من خدمات الصحة النفسية، تحت إشراف أفضل الأطباء والمعالجين النفسيين، وذلك من خلال تحميل تطبيق لبيه مجانًا الأن، وحجز موعد استشارة نفسية عبر الإنترنت، أو الانضمام للبرامج العلاجية والمزيد من الخدمات الأخرى بأفضل جودة وأقل الأسعار.
المراجع
1- Are you feeling lost? Here’s how to find your meaning in life (betterup.com), BetterUP Platform, Retrieved 24/09/2023.
2- Search for Meaning in Life (psychology.iresearchnet.com), iResearch Network, Retrieved 24/09/2023.
3- Three Ways to See Meaning in Your Life (greatergood.berkeley.edu), The Greater Good Science Center, Retrieved 24/09/2023.
4- Steger, Michael & Frazier, Patricia & Oishi, Shigehiro & Kaler, Matthew. (2006).” The Meaning in Life Questionnaire: Assessing the Presence of and Search for Meaning in Life.” Journal of Counseling Psychology. 53. 10.1037/0022-0167.53.1.80.
5- Martela F, Ryan RM. “The Benefits of Benevolence: Basic Psychological Needs, Beneficence, and the Enhancement of Well-Being.” J Pers. 2016 Dec;84(6):750-764. doi: 10.1111/jopy.12215. Epub 2015 Sep 9. PMID: 26249135.