كيف أتعامل مع الخوف المفرط؟
يعتبر الشعور ببعض الخوف أمرًا طبيعيًا عند الإنسان، فالخوف شعور غريزي يحميك من الأذى، ويتيح لك إمكانية التعرف على المخاطر واتخاذ القرارات الأكثر أمانًا، لكن إذا كنت تشعر بأنك تخاف من أشياء ليست خطيرة في الواقع، ويمنعك هذا الخوف المفرط من أداء نشاطاتك اليومية والتقدم في حياتك المهنية، أو يخلق لك مشاكل كبيرة في علاقاتك الاجتماعية، فقد تساعدك الطرق التالية على مواجهة خوفك، وتعلم كيفية التعامل بشكل أفضل معه والتغلب عليه في النهاية.
تقييم المخاطر
قد يشعر الإنسان بالخوف أحيانًا لمجرد عدم معرفته الكثير عن الأشياء التي يتعامل معها، قد تخاف على سبيل المثال من الطائرات لأنك سمعت عن الكثير من الحوادث الجوية التي أدت إلى الوفيات والإصابات، لكنك إذا نظرت إلى الإحصائيات، سوف تعلم أن احتمال حدوث الوفاة على متن رحلة طيران تجارية تقدر بواحد من كل 70 مليون.
أما الأمور الأبسط مثل الخوف من التحدث أمام الجمهور، يمكنك تجاوزها من خلال قراءة بعض التجارب الناجحة للآخرين في التحدث إلى العامة، أو معرفة المزيد عن استراتيجيات التحدث الناجحة، لمساعدتك على الشعور بمزيد من الثقة والراحة.
وضع خطة عمل فعالة
إن اتخاذ خطوات صغيرة متلاحقة، هو المفتاح الأهم في مواجهة المخاوف، يمكن أن يكون ذلك مخاطرة، وقد يسبب نتائج عكسية، لكن من المهم جدًا الاستمرار في التقدم، لأن التغيير لن يأتي من تلقاء نفسه.
أفضل طريقة لوضع خطة عمل هي بناء تسلسل هرمي يتكون من مراحل صغيرة، وفيما يلي مثال على كيفية مواجهة شخص ما للخوف من التحدث أمام الجمهور، باستخدام شكل من أشكال العلاج بالتعرض خطوة بخطوة:
- قف أمام المرآة وألقي خطابًا لمدة دقيقتين.
- سجل نفسك وأنت تلقي الخطاب وشاهده مرة أخرى.
- تدرب على الحديث أمام شريك.
- تدرب على الحديث أمام الشريك وأحد أفراد الأسرة.
- تدرب على الحديث أمام شريك وأحد أفراد الأسرة وصديق واحد.
- تدرب على الحديث أمام شريك وأحد أفراد الأسرة واثنين من الأصدقاء.
- ألقي الخطاب خلال اجتماع في العمل.
قد يكون العلاج بمساعدة الواقع الافتراضي في بعض الحالات خيارًا فعالًا للعلاج بالتعرض، حيث أظهرت هذه التقنية نتائج واعدة في علاج اضطراب ما بعد الصدمة وبعض حالات الرهاب.
أظهرت دراسة حديثة (Rimer, 2021)، أجريت على عدد من الأطباء والأشخاص العاديين الذين يخافون من الأماكن المرتفعة، فائدة العلاج بالتعرض بمساعدة الواقع الافتراضي في تقليل الانزعاج والقلق من المرتفعات، كما أصبحت أراء الأطباء تجاه استخدام هذه التقنية أكثر إيجابية بعد تجربتها لأنفسهم، لأنها حسنت من إمكانية وخيارات العلاج للحالات المختلفة.
طلب المساعدة عند اللزوم
إذا كانت مخاوفك تؤثر على حياتك بشكل كبير، ولم تنجح في مواجهتها بمفردك، أو كان الخوف مرتبطًا بحالة صحية معينة، مثل: اضطراب الأكل أو اضطراب القلق الاجتماعي أو اضطراب ما بعد الصدمة، يمكنك طلب المساعدة من طبيبك أو معالجك النفسي.
يمكن أن يساعدك العلاج السلوكي المعرفي في التغلب على مخاوفك بشكل تدريجي، حيث يعتبر معظم المتخصصين بالصحة النفسية، مؤهلين لعلاج مجموعة كبيرة من المخاوف وأنواع الرهاب التي تتراوح بين الخوف من التحدث أمام الجمهور إلى رهاب العناكب.
قد يتضمن العلاج النفسي الحديث عن الشيء الذي تخاف منه، وممارسة استراتيجيات الاسترخاء، والتعامل مع القلق وأنت تواجه مخاوفك بشكل مباشر، ويمكن للمعالج أن يساعدك على السير بوتيرة مريحة وصحية في رحلتك العلاجية.
قد يشمل علاج الخوف المفرط ما يلي:
- العلاج بالتقبل والالتزام: تتضمن هذه الطريقة تقبّل المخاوف وجعلها أقل تهديدًا وأقل تأثيرًا على حياتك.
- العلاج بالتعرض: المبدأ الأساسي للعلاج بالتعرض هو أنك سوف تتعامل مع المواقف التي كنت تتجنبها بشكل أكثر راحة، من خلال الممارسة والخبرة.
- التحليل النفسي: يهدف التحليل النفسي إلى علاج الخوف أو الرهاب من خلال معرفة الأسباب الأصلية وحلها.
ما الفرق بين تجنب المخاوف ومواجهتها؟
يمكن أن يجعلك تجنب المواقف التي تخشى منها تشعر بتحسن لفترة قصيرة، لكن قد يتسبب في زيادة مستوى القلق على المدى الطويل. عندما تتجنب مخاوفك، فإنك تعلّم نفسك أنه لا يمكنك التعامل معها، وعلى العكس من ذلك، تساعد مواجهة مخاوفك بالتدريج، بجرعات صغيرة لا تضغط عليك بشكل كبير، في تقليل درجة القلق والخوف أو جعلك معتادًا عليه.
تقدم دراسة (Khalaf.2018) ملخصًا جيدًا عن تأثير التعرض للخوف بشكل متكرر على الدماغ، حيث قام الباحثون بوضع مجموعة من القوارض في صندوق صغير وعرضوها لصدمة خفيفة ثم أخرجوها، وعلى مدى فترة طويلة، أعاد الباحثون الفئران إلى الصندوق لكن من دون صدمات، لم تتحرك الفئران في البداية من الخوف، ولكن مع التعرض المتكرر للصندوق، وعدم وجود صدمات إضافية، عادت إلى حركتها الطبيعية في النهاية.
على الرغم من أن أبحاث الحيوانات لا تنطبق بشكل مباشر على البشر، لكن الفكرة في مواجهة المخاوف تهدف إلى تحقيق نتيجة مماثلة، حيث يمكن أن يساعد التعرض المتكرر للحدث الذي تسبب في الصدمة على تهدئة الشعور بالخوف، على سبيل المثال: غالبًا ما يكون علاج الخوف المفرط من شيء ما، هو العلاج بالتعرض الذي يتم إجراؤه عبر التعرض بشكل بطيء ومتكرر للجسم الذي يخاف الفرد منه، في بيئة خاضعة للرقابة.
قد يبدأ الشخص الذي يخاف من ركوب الطائرة جلسة العلاج بالتعرض بقراءة قصة عن تحطم طائرة، ويعمل تدريجيًا على الذهاب إلى المطار دون ركوب الطائرة، ثم الصعود على متن طائرة دون الإقلاع، ثم أخيرًا القيام برحلة قصيرة، ينخفض مستوى الخوف والقلق مع التعرض المتكرر للأحداث التي تسببت في حدوث الصدمة، في مكان آمن (مثل عيادة المعالج النفسي).
ما هو الفرق بين الخوف والرهاب؟
إذا كنت تنوي مواجهة خوفك والتغلب عليه، من المهم أن تميز بين الخوف الطبيعي والرهاب، إذ إن الاختلاف الرئيسي بين الخوف والرهاب حسب علماء النفس، هو قوة الاستجابة للخوف وتأثيره على حياة الشخص، حيث يولد كل من الخوف والرهاب استجابة عاطفية معينة، لكن الرهاب يسبب قلقًا شديدًا لا يتناسب مع مخاطر الموقف، لدرجة أنه يتعارض مع قدرة الشخص على العمل والعيش بشكل طبيعي.
من الممكن أن يجعلك الخوف من ركوب الطائرة مثلًا تشعر بالقلق بشأن رحلة قادمة، أو تفكر في وسيلة بديلة للسفر، أما إذا كنت تعاني من رهاب الطيران، فقد يؤثر ذلك على حياتك اليومية، بما في ذلك:
- قضاء فترة طويلة من الوقت كل يوم في القلق بشأن الطيران.
- تجنب المطارات.
- الشعور بالقلق عندما تحلق الطائرات في سماء المنطقة.
- حدوث استجابة جسدية هامة مثل التعرق أو الرجفان أو البكاء.
قد يتضمن تدبير الرهاب مواجهة الخوف على شكل علاج موجه، لكن قد يشمل أيضًا أدوية نفسية أو علاجات بديلة أخرى.
إن أفضل طريقة للتغلب على الخوف هي مواجهته بشكل مباشر، ولكن من المهم أن تفعل ذلك بطريقة صحية تساعدك على تجاوز الخوف دون آثار سلبية.
يمكنك التواصل مع معالجك النفسي عبر تطبيق لبيه لمساعدتك خلال المواقف والأشياء التي تخاف منها، والتأكد من العمل أولاً على أنماط التفكير التي تبقيك عالقًا في هذه المخاوف، عندما تواجه صعوبة في التغلب عليها بمفردك.
الدراسات:
Khalaf O, Resch S, Dixsaut L, Gorden V, Glauser L, Gräff J. Reactivation of recall-induced neurons contributes to remote fear memory attenuation. Science. 2018 Jun 15;360(6394):1239-1242.
Rimer E, Husby LV and Solem S (2021) Virtual Reality Exposure Therapy for Fear of Heights: Clinicians’ Attitudes Become More Positive After Trying VRET. Front. Psychol. 12:671871