الاندماج الوظيفي، الارتباط الوظيفي، الانغماس الوظيفي … لا يهم المسمى، بل المهم أن هذا المصطلح أصبح شائعاً في عالم الأعمال اليوم. وهو يعني مستوى الالتزام والمشاركة الذي يتمتع به الموظف تجاه عمله وزملائه في المنظمة. فالموظفون المندمجون يعدون أكثر إنتاجية وابتكارًا ويسهمون في ثقافة عمل إيجابية، بينما الموظفون غير المندمجين أقل إنتاجية ويمكن أن يؤثروا سلبًا على المنظمة. سنتحدث أكثر عن أهمية الاندماج الوظيفي وكيف يمكن للمنظمات قياسه ومن ثم تحسينه لتحقيق أداء عالٍ يساهم في انجاح الفرد و المنظمة.

أهمية الاندماج الوظيفي:

أظهرت الأبحاث أن الاندماج الوظيفي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأداء المؤسسي. كما أن معظم الدلائل التي صاحبت تلك الأبحاث على مدى الخمسين عامًا الماضية، أظهرت بأن فقط اولئك الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الاندماج يمكنهم مساعدة مؤسساتهم على تحقيق الأهداف من خلال ارتفاع مستويات الأداء وزيادة الإنتاجية وبالتالي ارتفاع الارباح. وحسب تقرير مركز الأبحاث والدراسات الأمريكي الشهير “جالوب”، فإن 65% من الموظفين في الولايات المتحدة لا يتمتعون بمستوى عال من الاندماج في مؤسساتهم. ويعزو التقرير الصادر مطلع العام الماضي أن السبب وراء ذلك هو عدم شعور بعض الموظفين بوجود معنى في عملهم الذي يقومون به، فيما لا يرى البعض الاخر أي أمل في مستقبلهم الوظيفي لدى تلك المنظمة. يجدر الإشارة إلى أن نفس التقرير كشف عن نسبة متدنية من الاندماج لدى الموظفين في الشرق الاوسط وشمال افريقيا حيث وصلت إلى 15% وعبّر ثُلُث المشاركين بالاستطلاع عن احتمالية مغادرتهم لوظائفهم خلال الاثني عشر شهرًا القادمة.

وعلى الرغم من أن الاندماج الوظيفي والرضا الوظيفي عنصران مختلفان من ناحية المعنى إلا أن الدراسات اكدت بأن الموظف ذو الاندماج العالي، يزداد لديه الرضا الوظيفي كذلك. على سبيل المثال، فإن 9 من أصل 10 موظفين من جيل الشباب، أبدو استعدادهم للتضحية بجزء من رواتبهم في حال توافقت قيمهم مع المنظمة التي يعملون بها. أخيراً، يعد الاندماج الوظيفي أمرًا في غاية الاهمية لرفاهية الموظفين. فالموظفون الملتزمون أكثر احترامًا لتوازن الحياة العملية والشخصية، ويتمتعون بصحة نفسية وجسدية أفضل. بالمقابل، الموظف الغير مندمج يُلاحظ عليه كثرة السلوك السلبي، كالتأخير والتغيب وأيضا انخفاض الروح المعنوية، مما يمكن أن يؤثر على زملائه و المنظمة. 

5 عوامل لتحديد الموظفين ذو الاندماج العالي عن سواهم

أحد الطرق المتّبعة التي تقوم بها المنظمات لمعرفة حالة الاندماج لدى الموظفين، هي قياس 5 عوامل مهمة لكي تتضح مكامن الخلل. 

أولًا: نيّة البقاء

وهذا يعني احتمالية بقاء الموظف مع المنظمة في العامين المقبلين. فالموظف الذي يتم تقديره أو ترقيته بعد جهوده المثمرة، قد يشعر بمزيد من الالتزام تجاه تلك المنظمة وسيعلم أن هناك فرصاً لمزيد من النمو والتطوير. وبالتالي ستتولد لديه نية البقاء لأكثر من عامين مما سيساهم في استقراره الوظيفي و شعوره بالاندماج.

ثانيًا: الانخراط في العمل

وينعكس من خلال الحالة النفسية والعاطفية للموظف عند العمل على إنجاز مهامه. فالموظف الذي يشعر بالاندماج سيقوم بأداء واجبات وظيفته ويستثمر نفسه عاطفيًا ونفسيًا في عمله، فيشعر بإحساس شخصي بالملكية والمسؤولية مع نتائج مشاريعه. بالإضافة إلى شعوره أيضًا بأن عمله وإنجازه بمثابة جزء مفيد وذو معنى من حياته.

ثالثًا: الجهد التقديري

مستوى الجهد الذي يضعه الموظف طوعاً عند القيام بعمله. فالموظف المندمج يُعرف عنه أن استباقي ويبادر بشكل مستمر على المساهمة في الارتقاء بالمنظمة وتقديم جهد استثنائي يتلائم مع ما يُقدّم له.

رابعًا: التفاخر بالمنظمة

أحد العوامل المهمة التي تقيس مدى اندماج الموظف، هو شعوره بالفخر للعمل هنا. قد يتجلى هذا الشعور من خلال ولاء الموظف لعمله والمنظمة، واستعداده للتحدث بإيجابية عن الشركة أمام الآخرين. وايضا من خلال بذل جهود للحفاظ على مستوى عالٍ من العمل ينعكس إيجابًا على سمعة الشركة بشكل عام.

أخيرًا: التوصية بالانضمام للمنظمة

وهذا يعني مدى استعداد الموظف لترشيح جهة عمله لمن هم خارج المنظمة وتشجيعهم على الانضمام إليها. قد يرى هذا الموظف مؤسسته كمكان مرغوب فيه للعمل بسبب وجود ثقافة عمل رائعة، وفرص للنمو، بالإضافة لبيئة عمل داعمة.

تجربة شركة الفنادق العالمية ماريوت

أدركت فنادق ماريوت أهمية اندماج الموظفين في تقديم خدمة استثنائية للعميل. وبعد قياس نسبة الاندماج لدى موظفي ماريوت، أظهرت البيانات مستويات متدنية وتم ربطه بقصور في بعض الجوانب المهمة خصوصا لدى موظفي الخطوط الأمامية. مما دعى الشركة إلى وضع منهجية شاملة لرفع مستوى الاندماج لدى موظفيها و بالتالي تطوير خدمات العملاء. فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي استخدمتها ماريوت لرفع نسبة اندماج الموظفين:

التغذية الراجعة للموظف: 

تجري ماريوت استبيانات دورية تمكنهم من الحصول على آراء الموظفين بشكل عشوائي. حيث يتم استخدام تلك الآراء و الملاحظات لتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين، بالإضافة إلى التعرف على المجالات التي تقوم الشركة بأدائها بشكل جيد.

التطوير الوظيفي: 

تُقدم ماريوت للموظفين فرصة التدريب والتطوير الوظيفي. حيث استحدثت الشركة برامج تطويرية إلزامية لمساعد الموظفين على اكتساب مهارات ومعارف جديدة من شأنها تعزيز الاندماج.

تقدير الموظفين: 

تكرم شركة ماريوت موظفيها وتكافئهم على أعمالهم وإنجازاتهم. أحد الاستراتيجيات التي اتبعتها الشركة لتعزيز الاندماج لدى موظفيها كانت إنشاء برنامج يسمى “روح الخدمة” والذي يحتفي بالموظفين الذين يقدمون خدمات فائقة ومميزة للعملاء.

التواصل: 

تركز ماريوت بشدة على تقوية روابط الاتصال بين الموظفين، وتحديداً بين الإدارات العليا و من دونهم. وحرصت الشركة على تفعيل مجموعة متنوعة من قنوات الاتصال الرسمية والغير رسمية واتاحتها لجميع العاملين بدون استثناء. أيضا حرصت ماريوت على تنظيم أوقات الاجتماع وتقنينها و وضع روزنامة ربع سنوية لضمان عدم حصول اجتماعات غير مجدولة من شأنها ارباك الموظف. والأهم من ذلك قامت الشركة بتشجيع موظفيها على مشاركة تجاربهم في تطبيق قيم ماريوت ومن ثم تحفيزهم على ذلك.

التوازن بين العمل والحياة: 

أحد التوصيات الهامة التي تحصلت عليها ماريوت من قبل مستشاري علم النفس التنظيمي المشرفين على هذه التجربة، هي التوعية بأهمية التوازن بين العمل والحياة الشخصية. حيث شددت التوصيات على منح جداول عمل مرنة وإجازة مدفوعة الأجر غير الاجازات الرسمية السنوية حيث يتم منحها تقديرياً من قبل المدراء المباشرين.

بعد فترة من تطبيق هذه المنهجية، شاركت ماريوت نتائجها المذهلة. حيث صنفت الشركة لعدة مرات كواحدة من أفضل بيئات العمل، وشهدت ارتفاع في رضا الموظفين وإنتاجيتهم بنسبة 11%، وانخفضت نسبة مغادرة الموظفين إلى 28%. علاوة على ذلك، تمكنت الشركة من تقديم خدمة عملاء استثنائية وشهد الأرقام انخفاض مستوى مشاكل العملاء بنسبة 16%، مما ساهم في نجاحها في قطاع الضيافة.

في النهاية، فإن الاندماج الوظيفي هو عملية متعددة الأبعاد ولا يمكن تحقيقها بسهولة، ومن المهم أن تعمل المنظمات على تطبيق العوامل الخمسة المذكورة آنفا او جلب مستشارين وخبراء لدراسة مستويات الاندماج الوظيفي وتحديد مكامن الخلل. وعندما يتم تحقيق الاندماج الوظيفي بشكل جيد، فحتماً سيتم الحصول على نتائج مذهلة كالتي حصلت مع ماريوت وغيرها من المنظمات كزيادة الإنتاجية وتحسين جودة العمل وتقليل نسبة الاستقالات والتنقل بين المنظمات، مما يؤدي في النهاية إلى نجاح أفضل للمنظمة ومنسوبيها.