أسباب العزلة في بيئة العمل وتأثيراتها على المدى الطويل
حتى قبل انتشار جائحة كوفيد-19 كانت أسباب العزلة في مكان العمل متنوعة وكثيرة. يمكن لهذه الأسباب أن تؤثر على تواصل الموظفين فيما بينهم ومع إدارة المؤسسة، وقد تنعكس تأثيراتها على الأداء والإنتاجية بشكل عام.
ما هي التأثيرات الناجمة عن الشعور بالعزلة في بيئة العمل؟
هناك العديد من التأثيرات التي تنجم عن الشعور بالوحدة والعزلة في بيئة العمل، ومن أهمها:
التأثير على العلاقات الشخصية
يؤدي الشعور بالوحدة في مكان العمل إلى الانسحاب والعزلة الاجتماعية. عندما يشعر الناس بالوحدة، فإنهم يبدأون في الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية، ويتوقفون عن التواصل والتفاعل مع زملائهم، كما يمكن أن يتوقفوا عن المشاركة في الأنشطة التي تنطوي على العمل في مجموعات. نتيجة لذلك يتوقف الموظفون الآخرون أيضًا عن إشراكهم في الأنشطة وعمليات صنع القرار، ما يخل بالعلاقات بين موظفي الشركة ويمكن أن يسبب نزاعات داخلية.
تدهور الصحة النفسية
أشارت الأبحاث إلى أن الشعور بالوحدة أحد الأسباب الرئيسية للأمراض النفسية. أظهرت الدراسات أن 46% من الموظفين يعانون من شكل واحد من أشكال التوتر، حيث يمكن لمشاعر العزلة هذه أن تسبب الاكتئاب والقلق، وفي بعض الحالات يمكن أن تؤدي إلى الانتحار أو إيذاء النفس.
غالبًا ما تجعل الوحدة الناس يشعرون بالاختلاف عن المحيطين بهم. ويشعرون أنه لا أحد يفهمهم أو أنهم غير محبوبين، أو لا أحد يهتم بهم. تؤدي الوحدة إلى الشعور بالشك الذاتي وانعدام الثقة بالنفس. ونتيجة لذلك فإنهم يعزلون أنفسهم عن الآخرين مما يتسبب بالمزيد من الأفكار والمشاعر السلبية.
تأثيرات سلبية على الصحة الجسدية
عندما يشعر الناس أنهم لا يملكون صداقات أو ليس لديهم أي شخص يلجؤون إليه وخاصة في بيئة العمل، فإنهم يلجؤون إلى أشياء أخرى كالتدخين وقضاء الوقت على الهواتف الذكية. كما أن الشعور بالوحدة يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، حيث وجدت دراسة أُجريت عام 2016 على عدد كبير من البالغين أن الوحدة والعزلة تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب وحدوث الجلطات بنسبة 29%.
تقلل من مشاركة الموظفين الفعالة
يؤدي الشعور بالوحدة في مكان العمل إلى الشعور بالانفصال عن العمل وزملاء العمل. نظرًا لأن الموظفين يشعرون أنهم يفتقرون إلى الاتصال المطلوب مع زملائهم، فإنهم يصبحون منفصلين عن الشركة ونجاحها. يقلل عدم الانتماء من التزام الموظفين تجاه المؤسسة، ونادرًا ما يشارك الموظفون في أعمال المؤسسة وعمليات صنع القرار المهمة.
نقص الإنتاجية وانخفاض معدل الأرباح
يمكن للوحدة في مكان العمل أن تجعل الموظفين يشعرون بالوحدة وعدم الانتماء ولا يشعرون بأي ارتباط بعمل الشركة وتنظيمها، ويصبح دافعهم للعمل والأداء منخفضًا جدًا أيضًا. إن إحساسهم بالانتماء إلى المؤسسة ضعيف للغاية، ويشعرون أنه ليس لديهم أي هدف في العمل، وبالتالي يمكن أن يقودهم هذا إلى اتخاذ قرار بمغادرة الشركة، ما ينعكس على أرباح الشركة.
انخفاض الأداء الوظيفي
عندما يشعر الموظفون بالوحدة في العمل، فقد يفقدون اهتمامهم وانتماءهم، ويفتقرون إلى الارتباط والتعلق بمن حولهم، ولا يشعرون بالحافز للعمل ولا يجدون أي متعة من عملهم، بالإضافة إلى شعورهم المستمر بالإرهاق. سيؤدي كل هذا في النهاية إلى انخفاض الأداء والإنتاجية.
يقلل من تطوير المهارات
إن للوحدة آثار ضارة ليس فقط على الصحة النفسية والجسدية ولكن على التطور المهني أيضًا. وجدت دراسة أجريت عام 2019 على أكثر من 11000 شخص أن الرجال والنساء الذين يعانون من عزلة اجتماعية، عانوا من تدني في وظيفة الذاكرة في غضون عامين من الاستطلاع. وبالتالي يمكن للوحدة والعزلة أن تؤثر بشكل غير مباشر على أداء الموظف، وسيكون الارتقاء بالمهارات أقل فعالية عندما يشعر الناس بالتوتر والعزلة عن بقية أقرانهم في العمل.
كيف يمكنك المساعدة في منع العزلة وتأثيراتها السلبية في مكان العمل؟
فيما يلي بعض الخطوات التي يجب البحث عنها في بيئة العمل ومحاولة تعزيزها، وبعض الاقتراحات لتحسين التواصل مع الموظفين في مكان العمل:
هل البيئة المادية للعمل تشجع على التفاعل؟
يمكن لتصميم المبنى الذي يعمل فيه الناس أن يزيد من مشاعر العزلة والوحدة، كأن يعمل الموظفون في غرف منفصلة ومتباعدة. تعمل الشركات الناجحة على تصميم بيئة عمل منتجة، تشجع التفاعلات الهادفة في مكان العمل. ويمكن بدورها أن تعزز الإنتاجية والسعادة وأرباح الشركة.
على الشركات أن تعزز التفاعلات الاجتماعية بين الموظفين حتى لا يشعر أحد بالوحدة. يمكن أن تستخدم الشركات الأدوات الرقمية للمساعدة في تعزيز التفاعل بطرق حديثة. فمثلًا يمكن أن تساعد الدردشة ومكالمات الفيديو والبث المباشر على التفاعل لجمع الأشخاص معًا عندما لا تستطيع البيئة المادية تحقيق ذلك.
هل هناك فجوة عمرية كبيرة بين الأفراد داخل الشركة؟
يمكن أن يؤدي عدم التوازن بين مستوى الأعمار إلى العزلة في مكان العمل. في الشركات التي توجد بها مجموعات مختلفة من الفئات العمرية، يمكن أن يشعر الناس فيها بالعزلة وعدم الترحيب في المواقف المهنية أو الاجتماعية. قد يشعرون أنه ليس لديهم من يتحدثون إليه وغير قادرين على التواصل مع الآخرين.
هل تقوم بإشراك الموظفين الجدد في العمل؟
عندما يبدأ الفرد العمل في شركة جديدة، من الجيد أن يشعر أن الشركة تبذل جهدًا لدمجه في بيئة العمل، والتعرف على جميع أقسام الشركة وتعريفه بباقي الموظفين ومهمة كل منهم.
فإذا كان هناك موظفين جدد في مكتبك، فعليك مد يد الترحيب والمساعدة وتشجيع بقية الفريق على القيام بذلك أيضًا.
كيف يمكن مكافحة العزلة في مكان العمل؟
يمكن لمدراء العمل التقليل من مشاعر الوحدة والعزلة عن طريق:
المساعدة في دمج الموظفين حتى يكون هناك شعور بالدعم والصداقة المتبادلة بينهم
ساعد الموظفين الجدد على التعرف على بيئة العمل من البداية. قد يشعر الموظفون الجدد بالخوف من التحدث إلى قادتهم وأقرانهم في البداية، وقد يشعرون أيضًا بعدم الارتياح في بيئة عملهم الجديدة. يمكن أن يساعد تعريفهم بثقافة عمل الشركة على جعلهم مرتاحين والتكيف مع محيطهم.
التشجيع على العمل الجماعي
يمكّن العمل في مجموعات الموظفين من التفاعل والتواصل. يتعرفون على بعضهم البعض أكثر خارج عملهم أيضًا، ويمكن لأنشطة العمل الجماعي أيضًا أن تمنح الموظفين الفرصة لتكوين صداقات في العمل.
تناول الغداء معًا
ربما تكون وجبات الطعام الجماعية هي أفضل طريقة لمكافحة الشعور بالوحدة والعزلة في مكان العمل. إنها طريقة رائعة للموظفين الذين يعملون معًا للتفاعل والترابط، فقد يشعرون بالراحة ويتواصلون بحرية مع أقرانهم ومدرائهم.
تشجيع النقاش والتواصل
نادرًا ما يتحدث الموظفون عن الشعور بالوحدة، والسبب الرئيسي لذلك هو عدم ثقتهم في زملائهم ومدرائهم، حيث أفادت الأبحاث أن 13% من الموظفين لا يميلون للحديث عن ذلك، لأنهم يشعرون أن ذلك سيضر حياتهم المهنية. يخافون من الإحراج ومن اعتبارهم ضعفاء، أو التعرض للتنمر.
لذلك يجب على المدير أن يشجع الموظفين على التحدث، وإخبارهم أن مكتبه مكان آمن حيث يمكنهم القدوم ومشاركة مشاكلهم. إن الاستماع أمر مهم، وعليك أن تظهر لهم أنك تهتم بصدق وأن “أبوابك ستكون مفتوحة دائمًا” لهم.
تشجيع التواصل على أرض الواقع
إن السبب الرئيسي لارتفاع الشعور بالوحدة في مكان العمل هو زيادة التفاعل بين الموظفين من خلال المنصات الافتراضية. يمكن للموظفين الآن الاتصال بمجرد كبسة زر، ولكن لا يوجد تفاعل حقيقي بينهم.
لذلك يجب عليك تشجيع الموظفين على زيادة التفاعل بينهم عن طريق مطالبتهم بعدم إحضار هواتفهم إلى الاجتماعات أو الذهاب فعليًا إلى مكاتب بعضهم البعض والسؤال عن أحوالهم، وما إلى ذلك.
المشاركة في القرارات الهامة
يمكن أن يؤدي عدم القدرة على المساهمة في قرارات الشركة أيضًا إلى الشعور بالوحدة، عندما يشعر الموظفون أن وجودهم لا يحدث فرقًا في الشركة وليس لديهم أي هدف، فقد يشعرون بالعزلة.
لمكافحة هذا الشعور يمكن إشراكهم في عمليات صنع القرار التي تنطوي على الخروج بأفكار جديدة، وأن تستمع إلى آرائهم وتجعلهم يشعرون بأنهم جزء من الشركة.
إعطاء الأولوية للتعلم والتدريب
يمكن أن ينبع الشعور بعدم الكفاءة أيضًا من عدم القدرة على المساهمة بشكل كافٍ في أهداف الشركة، فقد يجد الشخص الذي يفتقر إلى المهارات المطلوبة أنه غير واثق بنفسه وغير قادر على الانخراط في مجموعات العمل، وبالتالي فإن توفير فرص التدريب والتطوير المناسبة هي وسيلة قوية للتغلب على الوحدة.