يحتاج كل إنسان إلى النوم لساعات كافية يوميًّا لشحن طاقته وإراحة جسمه وعقله، لكن أحيانًا قد تزيد فترة النوم عن حدها الطبيعي، وتصبح ضارة بدل أن تكون مفيدة، وكثيرًا ما يصبح النوم لفترات طويلة مؤشرًا على العديد من الأمراض النفسية والجسدية، لذا لا بد من الانتباه جيدًا عند حدوث اي تغيير في عادات نومنا والبحث عن سبب حدوث ذلك.

متى يكون النوم زائدًا عن الحد الطبيعي؟

تختلف احتياجات النوم من شخص لآخر، ولا يوجد مقدار نوم مناسب واحد ينطبق على الجميع، ويعتمد ذلك على مجموعة من العوامل مثل: الجينات والعمر ودرجة النشاط والصحة والظروف الحياتية.

 يعبر مصطلح فرط النوم عن زيادة ساعات النوم يوميًا لأكثر من ثمان أو تسع ساعات، ومواجهة صعوبة في الاستيقاظ والنهوض من السرير صباحًا ومشاكل في التركيز، وغالبًا ما يكون فرط النوم علامة على اضطراب النوم السريري وحدوث نوبات توقف تنفس، بالإضافة إلى أمراض القلب والمشاكل الاستقلابية مثل: السكري والسمنة ومشاكل الذاكرة، وقد يرتبط النوم المفرط أيضًا باضطرابات الصحة النفسية مثل: الاكتئاب والقلق واضطراب ثنائي القطب، فقد يكون نتيجة أو سببًا لها.

ما علاقة النوم طويلًا بالاضطرابات النفسية؟

هناك علاقة قوية بين النوم والاضطرابات النفسية، لأن الاضطرابات النفسية المتنوعة تؤثر على مختلف جوانب حياتك، ومنها طريقة ونوعية النوم، ومن أهم هذه الاضطرابات:

الاكتئاب

يعد فرط النوم عرضًا للاكتئاب وليس سببًا له، وحدوثه شائع جدًا عند العديد من الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، إذ بينت دراسة (Geoffroy.2018) أن مشاكل النوم تشكل نحو 90% من أعراض الاكتئاب، وهي من آخر الأعراض التي تتحسن على علاجات الاكتئاب المتنوعة، ويدل وجود مشاكل في النوم على زيادة شدة الاكتئاب أو استجابة ضعيفة للعلاج، وربما يكون مؤشرًا على زيادة خطر الانتحار.

اضطراب ثنائي القطب

تعتبر مشاكل النوم عرضًا شائعًا للاضطراب ثنائي القطب، خاصةً خلال نوبة الاكتئاب، وقد يكون أيضًا من الأعراض البارزة في حال غياب باقي الأعراض، فحتى خارج أوقات النوبات يعاني نحو 25%  من مرضى ثنائي القطب من فرط النوم، وتساهم عوامل بيولوجية عدة في هذه العلاقة بينهما، كما يُفسِّر الارتباط المحتمل بين الاضطراب ثنائي القطب واضطراب الساعة البيولوجية حدوث التغيرات في النوم. 

رغم أن الأبحاث غالبًا ما تركز على الأرق ونتائجه وآثاره، فقد أوضحت دراسة (Grigolon.2019) أن فرط النوم له تأثير كبير على مرضى اضطراب ثنائي القطب، ويعد أحد المعايير الأساسية للتشخيص، وأظهرت الدراسة تأثير النوم الزائد على نمط الحياة ودوره في زيادة خطر الأمراض القلبية واضطراب الاستقلاب وحوادث السيارات.

القلق

لا يسبب القلق فرط النوم، بل على العكس فإن فرط النوم قد يسبب مشاعر القلق، وذلك نتيجة عدم القدرة على البقاء مستيقظًا ومتنبهًا أثناء النهار على الرغم من القدر الكافي من النوم الذي حصلت عليه ليلًا، ويؤثر ذلك على نوعية حياتك بشدة، وقد يكون ضارًا لك ولمن حولك. 

تشير دراسة (Sosso.2020) إلى أن نمط الحياة غير الصحي مثل: العمل ليلًا والأخبار المستمرة التي نقرأها على وسائل التواصل الاجتماعي وانخفاض الدخل المادي وغيرها، تزيد فرصة الإصابة بالاكتئاب والقلق، فالأعمال التي تتطلب مناوبات ليلية مستمرة كالتمريض مثلًا تحتاج لتغيير دائم في نظام الحياة اليومية والحالة النفسية، وتزيد فرصة الإصابة بالقلق وغيره من الأمراض النفسية.

كيف يمكن علاج فرط النوم؟

قد يكون من الصعب عليك التخلص من عادة معينة خاصةً إذا كنت تمارسها لسنوات طويلة، لكن مع ذلك هناك بعض الطرق التي تساعدك تدريجيًّا على تجاوز هذه العادة، والبدء في روتين يومي لتغيير عادات نومك، وبالرغم من أن هذه الطرق والاستراتيجيات تحتاج مجهودًا جديًّا وقد تكون صعبة أحيانًا، إلا أنك ستتشجع على الاستمرار بمجرد ملاحظة التغيرات الإيجابية التي تطرأ على حياتك، لهذا عليك المتابعة والاستمرار لتصل إلى النتيجة التي ترغب بها، وكأمثلة على هذه العادات اليومية نذكر:

• تدرَّب على النوم والاستيقاظ في نفس الوقت يوميًّا وفي عطلة نهاية الأسبوع أيضًا، لأن ذلك يساعد جسمك على خلق نظام خاص به لتتجنب فرط النوم أو قلته، وعليك التأكد من حصولك على قسط كافٍ من النوم مناسب لعمرك ولعملك ولأسلوب حياتك، كما يجب تجنب القيلولة لأن النوم المتقطع يبقيك متعبًا طوال اليوم، لذا إذا شعرت بالنعاس مارس بعض الرياضة لتحريك الدورة الدموية وتحفيز نشاطك من جديد.
• احرص على أن يكون مكان النوم هادئًا وفي مكان مظلم خالي من الإضاءة والضجيج، وتحكم بحرارة الغرفة بحيث تكون مناسبة لك وغير مزعجة، فهذا كله يمنحك نومًا مريحًا ويمنع شعورك بالنعاس عند الاستيقاظ، ويعطي دماغك فرصة للراحة والاسترخاء.
• مارس الرياضة يوميًّا فهي تساعدك على النوم بعمق أكبر، وتجدد حيوية جسمك وتخلص دماغك من الضغوط اليومية التي تعيشها وتوازن مزاجك، وهذا كله يساعدك على الاستيقاظ بشكل أفضل ويقلل احتمال الاستيقاظ متعبًا والرغبة في العودة إلى النوم مجددًا.
• اشرب كمية كافية من الماء واتبع نظامًا غذائيًا غنيًا بالعناصر الغذائية لتحافظ على مستويات الطاقة بشكل طبيعي، إذ يساعد نوع الطعام الذي تتناوله دماغك على إنتاج النواقل العصبية اللازمة لتنظيم النوم، وحاول الامتناع عن تناول الكافيين بعد الساعة الثالثة مساءً، فهو يؤثر سلبًا على جودة النوم.
• أطفئ هاتفك وغيره من الأجهزة الإلكترونية قبل ساعتين أو ثلاث ساعات من النوم، فالإضاءة المنبعثة منه تقلل إنتاج هرمون الميلاتونين الذي ينظم حلقة النوم، وتؤثر على ضربات القلب وقدرتك على ضبط ساعات نومك، لذا يعد تجنُّب الأجهزة الإكترونية ليلًا من الخطوات الضرورية لتحقيق نوم أفضل.

لتتخلص من النوم الزائد عليك أولًا إيجاد السبب وراء هذه المشكلة، فقد تكون مريضًا وجسمك بحاجة إلى راحة وزيادة في ساعات النوم. تواصل مع معالجك النفسي عبر تطبيق لبيه لمساعدتك على البحث عن أسباب اضطرابات النوم التي تعاني منها والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها.

الدراسات

1- Geoffroy P.A, Hoertel N. Insomnia and hypersomnia in major depressive episode: prevalence, sociodemographic characteristic and psychiatric comorbidity in population-based study. Journal of Affective Disorder.2018:132-141.

2- Grigolon R.B, Trevizol A.P, etc. Hypersomnia and bipolar disorder: a systematic review and meta-analysis of proportion. Journal of Affective Disorder.2019:659-666.

3- Sosso F.A.E. Insomnia, excessive daytime sleepiness, anxiety, depression and socioeconomics status among customer service employees in Canada. Sleep Sci.2020:13(1):54-64.