ما تأثير البطالة على الصحة النفسية؟
يشكو الكثير من الناس من وظائفهم وظروف عملهم، لكن العمل في الواقع يقدم فوائد كثيرة، والتي قد لا يدركها الشخص حتى يصبح عاطلًا عن العمل، ولا تقتصر الآثار السلبية للبطالة على المشاكل المادية فقط، بل يمكن أن يؤدي فقدان العمل أيضًا إلى اضطرابات هامة في الصحة النفسية والجسدية والعاطفية.
كيف تؤثر البطالة على صحتك النفسية؟
عندما يفقد الشخص عمله، لا يقتصر الأمر على خسارة مصدر دخله الثابت، ولكنه يتأثر أيضًا بفقدان علاقاته الشخصية في بيئة العمل والأنشطة اليومية والشعور بأهمية الذات؛ لذلك قد تسبب البطالة، صدمة كبيرة تؤثر على كامل نظام الحياة، بالإضافة للتعامل مع بعض المشاعر والضغوط التي تشبه التعرض لمواقف الحياة الصادمة كالطلاق أو فقدان أحد أفراد الأسرة، وبالتالي المرور بمراحل الحزن تمامًا مثل أي خسارة كبيرة أخرى.
كما يمكن أن تؤثر البطالة كثيرًا على الصحة العاطفية، حيث تتحول مشاعر الأمل والتفاؤل بالحصول على عمل جديد، إلى شعور بالمرارة والحزن والغضب مع مرور الوقت، وقد يصبح تأثير البطالة على الصحة النفسية أكثر شدة، ويؤدي إلى حدوث العديد من الاضطرابات النفسية، خاصة عندما يبقى الشخص عاطلًا عن العمل لفترات طويلة، مما يوضح العلاقة بين البطالة والصحة النفسية السليمة، التي تزيد من قابلية العثور على عمل والحفاظ عليه، كما تساهم البطالة بحدوث التوتر، وتفاقم أثاره السلبية على الصحة النفسية على المدى البعيد، بما في ذلك الإصابة بالاكتئاب والقلق وانخفاض احترام الذات.
قد أظهرت دراسة (Backhans, 2012)، التي تناولت العلاقة بين فترات البطالة وحدوث الاضطرابات النفسية، ودراسة الاختلافات وأوجه التشابه بين الفئات المحددة حسب العمر والجنس والحالة الأسرية والوضع الاجتماعي والمادي وبيئة العمل، أن تأثير البطالة على الصحة النفسية أكبر على الرجال من النساء، بالإضافة للأفراد الذين يعملون لساعات إضافية أو بحالة مادية سيئة، وفيما يتعلق بالحالة الأسرية، فإن أكبر تأثير للبطالة كان على الأفراد المتزوجين الذين لديهم أطفال.
ما أهم تأثيرات البطالة على الصحة النفسية؟
انخفاض احترام الذات
يساهم روتين العمل اليومي النشيط في زيادة تقديرك لنفسك واحترامك لذاتك، ويوفر مصدر دخل ثابت، ومكانة خاصة في المجتمع. تؤثر البطالة خصوصًا عندما تستمر لفترات طويلة بشكل سلبي على تقدير الذات، لأنها تزيد اعتقاد الشخص بأنه غير مؤهل للحصول على عمل يطمح له؛ لذلك يعتبر احترام الذات من أهم الجوانب النفسية التي تتأثر بعد فقدان العمل، كما تعتبر البطالة مصدرًا للإحباط عندما لا تتحقق رغبات أو توقعات الأشخاص الباحثين عن عمل، ويتم تفسير الرفض بشكل مباشر على أنه لم يكن مرشحًا جيدًا بما يكفي للقبول.
تدهور الحالة المزاجية
يقع الفرد تدريجيًا في حالة من اليأس والتشاؤم والإحباط، والذي يمكن أن يؤدي للإصابة بأحد اضطرابات الاكتئاب، ثم يبدأ الشخص بتفسير المشكلة بأنه عاجز عن دخول سوق العمل، ويعتبر هذا الشعور المكتسب شائعًا جدًا بين العاطلين عن العمل لفترات طويلة، ويعتقد الشخص في هذه الحالة من العجز أنه غير قادر على فعل أي شيء لتغيير واقعه.
زيادة القلق والتوتر
على الرغم من الاختلاف الكبير في الأعراض بين شخص وآخر، فمن المحتمل أن يعاني الشخص العاطل عن العمل لفترة طويلة من قلق متزايد، خاصة إذا كانت صحته النفسية معرضة للتأثر بسرعة.
غالبًا ما يرتبط القلق بشكل وثيق بالمزاج السلبي، ما يؤدي إلى حالة من الارتباك، وعدم القدرة على الراحة والاسترخاء، والخوف من التفكير بالمستقبل، حيث يقضي الشخص العاطل عن العمل الكثير من الوقت بمفرده وهو يحاول تركيز أفكاره، ويطرح على نفسه العديد من الأسئلة عن مستقبله عمّا إذا كان سيعمل يومًا ما، أو أن ظروفه ستزداد سوءًا.
تؤدي البطالة أيضًا إلى الشعور بالإحراج أمام الآخرين؛ لذلك يحاول الناس إخفاءها للحفاظ على مظهر جيد عند البحث عن وظيفة. أشارت نتائج دراسة (Paul, 2009)، إلى ظهور العديد من الأعراض النفسية كالاكتئاب والقلق ونقص احترام الذات، حيث بلغت نسبة الأشخاص الذين يعانون من القلق ومشاكل نفسية أخرى بين العاطلين عن العمل 34%، مقابل 16% بين الأفراد العاملين، وكان الأثر السلبي للبطالة على الصحة النفسية أقوى عند سكان البلدان الفقيرة، وتبين الدراسة أيضًا فعالية برامج دعم العاطلين عن العمل في تخفيف الآثار السلبية المرتبطة بالبطالة.
فقدان الهوية وانعدام الثقة بالنفس
تؤثر البطالة بشكل سلبي على هوية الشخص وثقته بنفسه، حيث تقدم الوظيفة الكثير من الخصائص التي تعرّف هوية كل شخص، لأننا نميل دائمًا إلى تعريف أنفسنا من خلال العمل الذي نقوم به قبل أي شيء آخر.
العزلة الاجتماعية
يفترض الكثير من الناس أن زملاء العمل ليسوا أصدقاء، لكنهم في الواقع يشكلون جزءًا مهمًا من الحياة العاطفية لكل منا، حيث نقضي معهم الكثير من الوقت ونتعامل معهم بشكل يومي حتى لو كان العمل عن بُعد، فإن العمل يخرج الإنسان من واقعه، ويربطه بأشخاص جدد يتعرف عليهم يوميًا.
يفقد الشخص العاطل عن العمل لفترة طويلة ارتباطه بالعالم الخارجي، وقد يعاني من شعور كبير بالانفصال والوحدة وعدم القدرة على المشاركة في الحياة التي يشارك فيها الآخرون.
كيف تعتني بصحتك النفسية إذا كنت عاطلًا عن العمل؟
قد يكون من الصعب أحيانًا الحفاظ على صحتك النفسية، في ظل الظروف المختلفة التي تمر بها، ومع ذلك، هناك بعض الخطوات المهمة التي يمكنك القيام بها لتخفيف الأثر الذي يمكن أن تحدثه البطالة على صحتك النفسية، خاصة على المدى البعيد، نذكر منها:
- البحث عن طريقة جديدة للتعريف بنفسك أمام الآخرين، والتحلي بالصبر والأمل بالمستقبل.
- محاولة جعل محيطك من العائلة والأصدقاء يتفهمون وضعك ويتقبلونك أثناء المرور بهذه المرحلة.
- التركيز على الإحساس بأهمية الاندماج الاجتماعي ودوره في رعاية الذات.
- منح نفسك التقدير الذاتي دون الشعور بالذنب، بغض النظر عن إمكانياتك.
- التفكير جيدًا بعروض العمل واختيار ما يناسبك منها، وتعلّم كيفية جعل بحثك عن وظيفة أكثر كفاءة.
- تحديد نوعية المعلومات التي تصل إليها يوميًا، لتجنب الأثر السلبي للأخبار السيئة.
تعتبر البطالة تجربة صعبة على الصحة النفسية لأي شخص. إذا كنت عاطلًا عن العمل الآن، عليك الحفاظ على أملك بالمستقبل، واستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يساعدك على إيجاد وظيفة مناسبة، ولا تتردد في التواصل مع معالجك النفسي عبر تطبيق لبيه لمساعدتك على تخطي التأثيرات السلبية للبطالة، والانطلاق مجددًا نحو الحياة.
الدراسات
1. Mona C. Backhans, Tomas Hemmingsson, “Unemployment and mental health—who is (not) affected?”, European Journal of Public Health, Volume 22, Issue 3, June 2012, Pages 429–433, https://doi.org/10.1093/eurpub/ckr059.
2. Karsten I. Paul, Klaus Moser,” Unemployment impairs mental health: Meta-analyses“, Journal of Vocational Behavior, Volume 74, Issue 3, 2009, Pages 264-282, ISSN 0001-8791, https://doi.org/10.1016/j.jvb.2009.01.001.