من أجل صحتك النفسية، توقف عن محاولة التحكم بكل شيء
يحتاج كل إنسان إلى الشعور بأنه قادر على التحكم بحياته، وهذه رغبة بشرية طبيعية، لأن القدرة على التحكم بحياتك يمنحك إحساسًا بالاستقرار والأمان، ولكنها تتحول إلى مشكلة عندما تمتد هذه الرغبة لتشمل محاولات التحكم بكل شيء، بما في ذلك ما هو خارج دائرة تأثيرك.
ما المقصود بالتحكم بالآخرين؟
إذا حاول شخص ما السيطرة على المواقف أو الأشخاص الآخرين بشكل مبالغ فيه، يوصف عادةً بأنه شخص متحكم أو متسلط يحب السيطرة على الآخرين من خلال التلاعب والإكراه والتهديد والتخويف.
إن الرغبة في أن تكون قادرًا على التحكم بمحيطك وظروفك هي حاجات متأصلة في الفطرة البشرية، هذا لأنه كلما عرفت المزيد عن عالمك، زاد شعورك بالأمان. من ناحية أخرى، كلما قل ما تعرفه، زاد شعورك بالخوف والقلق.
في دراسة (Leotti.2010) نُشرت في مجلة المكتبة الوطنية للطب بينت حاجة الأشخاص للسيطرة، وأكدت على أن الإيمان بقدرة الفرد على ممارسة السيطرة في بيئته وتحقيق النتائج المتوقعة هو ضرورة نفسية وبيولوجية، إذ يمارس الأفراد السيطرة على البيئة المحيطة بهم من خلال اتخاذ القرارات.
يمكن أن تكون هذه القرارات معقدة وصعبة وقد تحدث مرة واحدة فقط في العمر (على سبيل المثال: الجامعة التي ستلتحق بها)، ولكن تتضمن أيضًا قرارات إدراكية أساسية تحدث مئات المرات كل يوم (على سبيل المثال: التحكم بمكان عمل أحد الأبناء، أو السيطرة على تصرفات أحد الأصدقاء).
ما هي العلامات الدالة على أنك شخص مسيطر؟
الشعور بالحاجة إلى السيطرة أمر طبيعي، فهو شيء نريده جميعًا، إذ نشعر بتحسن عندما نعرف بالضبط ما يحدث، ولكن في حال ظهور الإشارات التالية فأنت شخص تميل إلى السيطرة والتحكم بالآخرين بشكل مبالغ فيه:
- تريد أن تعرف ما الذي سيحدث، وكيف سيحدث، ومتى سيحدث.
- المبالغة في التخطيط والانزعاج عندما لا تسير الأمور وفقًا للخطة.
- الهوس حتى بالتفاصيل الصغيرة، والاعتقاد بأن هناك طريقة واحدة صحيحة لفعل شيء ما.
- انتقاد الآخرين بشكل مستمر، ووضع معايير عالية للقيام بالمهام.
- وضع الخطط والقرارات حتى تتمكن من القيام بالأشياء بطريقتك.
- لا تحب التغيير (إلا إذا كنت أنت من بدأ به)، ولا تفضل المفاجآت.
- الشعور بالقلق أو الغضب عندما لا تعرف ما سيحدث، والشعور بعدم الثقة بما يفعله الأفراد من حولك.
لماذا يعد التخلي عن محاولات التحكم بالآخرين ضروريًا؟
قد يكون من الطبيعي أن ترغب في التحكم في كل شيء، لكن في أغلب الأحيان تكون نتائج هذه الرغبة سلبية، وفيما يلي أهم الأسباب التي تشير إلى ضرورة التخلي عن محاولات السيطرة على الآخرين:
تزيد مستوى التوتر والقلق
قد يعاني الأشخاص الذين يحاولون التحكم في كل شيء من التوتر والقلق، لأن مجرد الشعور بالخروج عن السيطرة يمكن أن يؤدي بهم إلى أعراض جسدية ونفسية خطيرة.
أكدت دراسة (Watanabe.2002) نُشرت في المجلة اليابانية لعلم الصحة النفسية على أهمية مرونة التأقلم في مواجهة التغيرات عند حدوث المواقف العصيبة، والتي تعتبر عاملًا مهمًا في تقليل الإجهاد والتوتر، وقد تم اختيار 25 شخصًا لديهم رغبة عالية في التحكم، وكانت النتائج أن الأشخاص الذين لديهم رغبة كبيرة في التحكم يميلون إلى تبني استراتيجيات قاسية في مواجهة الحدث، وأظهر هؤلاء الأشخاص أيضًا مزاجًا مكتئبًا بالإضافة للقلق والتوتر المستمر.
عدم الشعور بالرضا
الشعور بالحاجة الدائمة للتحكم وعدم القدرة على ذلك يمكن أن يجعلك تشعر بعدم الرضا، وقد وجدت دراسة (Burger.1983) شملت طلابًا جامعيين طُلب منهم القيام بعدة مهام في غرفة صغيرة ومزدحمة، أن الأشخاص الذين لديهم درجات عالية من الرغبة في التحكم والسيطرة، كان لديهم مستويات أعلى من عدم الراحة وعدم الرضا، واعتبروا أن الغرفة مزدحمة كثيرًا وغير مناسبة للقيام بالمهام، مقارنةً بالأشخاص الآخرين الذين لم يبلغوا عن أي انزعاج من الازدحام في نفس الغرفة.
دعمت النتائج الفرضية القائلة بأن الازدحام ساهم في تصور أن سيطرة المرء على الموقف قد تم تقييدها، وأدى ذلك إلى الشعور بعدم الرضا والراحة.
ارتفاع مستوى النقد والعصبية
نظرًا لعدم وجود طريقة للتحكم في كل شيء في الحياة، فإن الاهتمام المفرط بكيفية سير الأشياء الخارجة عن إرادتك يمكن أن يؤدي إلى زيادة النقد بشأن كل ما يحدث، كما يمكن أن يكون انتقاد الآخرين ضارًا خصوصًا عند الذين يعانون من الاكتئاب، ما يدفعهم إلى انتقاد أنفسهم أكثر. في المقابل، يمكن أن يؤدي الإفراط في السيطرة إلى جعلك أكثر عصبية، ما يخلق حلقة لا تنتهي ومتصاعدة من التوتر، وقد تصبح أكثر تعاسة بشكل تدريجي.
بينت دراسة (Servaas.2013) ارتباط العصبية الناتجة عن الإفراط في التحكم بارتفاع معدل اضطرابات الاكتئاب والقلق، وأظهر الأفراد الذين لديهم مستوى عالٍ من العصبية اتصالًا وظيفيًا في مناطق معينة من الدماغ لها دور في تقييم المشاعر السلبية والتعبير عنها وتنظيمها، وأشارت هذه النتائج إلى أن الشخص المنتقد يحاول فهم معتقدات وتصورات ومشاعر الناقد من أجل تسهيل القيام بسلوك مرن وقابل للتكيف.
علاوة على ذلك، بينت النتائج أن الأشخاص الذين لديهم درجات عالية من العصبية لديهم مستويات منخفضة لتقبل النقد، ما يزيد من حساسيتهم وتطور مشاعر سلبية أخرى.
لا شك أن هناك العديد من الطرق لزيادة سعادتك في الحياة، ومن أكثر هذه الطرق بساطة هي التخلي عن محاولات السيطرة على الآخرين، ووضع حدود مناسبة لك وللآخرين في حياتك الشخصية، ويمكنك التواصل مع معالجك النفسي عبر تطبيق لبيه لمساعدتك على تعلم تقنيات واستراتيجيات مناسبة للتحكم بمشاعرك وتصرفاتك، والتخلي عن الرغبة بالسيطرة على ما هو خارج دائرة تأثيرك.
المصادر:
Leotti LA, Iyengar SS, Ochsner KN. Born to choose: the origins and value of the need for control. Trends Cogn Sci. 2010;14(10):457-463. doi:10.1016/j.tics.2010.08.001
Watanabe S, Iwanaga M, Ozeki Y. Effects of controllability and desire for control on coping and stress responses. The Japanese Journal of Health Psychology. 2002;15(1):32-40. doi:10.11560/jahp.15.1_32
Burger JM, Oakman JA, Bullard NG. Desire for control and the perception of crowding. Pers Soc Psychol Bull. 1983;9(3):475-479. doi:10.1177/0146167283093017
Servaas MN, Riese H, Renken RJ, et al. The effect of criticism on functional brain connectivity and associations with neuroticism. PLOS ONE. 2013;8(7):e69606. doi:10.1371/journal.pone.0069606