متى يلجأ الأطباء للأدوية النفسية؟ وما مدى فعاليتها؟
يعد العلاج بالأدوية النفسية طريقة علاجية حديثة نسبيًا فعمرها لا يتجاوز ٧٠ عامًا تقريبًا. تعود بدايات العلاج الدوائي النفسي إلى عام 1948 عندما وضَّح العالم الأسترالي كاد Cad تأثير أملاح الليثيوم في علاج حالات التهيج التي تصيب مرضى الذُهان، وبعدها طور علماء فرنسيون دواء الكلوربرومازين في عام 1952. شكلت هذه الأدوية نقلة نوعية في فهمنا العلمي للأمراض النفسية وحققت تقدمًا كبيرًا في علاجها. تقدر الإحصائيات الحديثة في الدول الغربية أن شخصًا واحدًا من بين كل ستة أشخاص يتناول الأدوية النفسية أو تناولها لمرة واحدة على الأقل في حياته.
يقدم الأطباء النفسيون مجموعة متنوعة من علاجات الاضطرابات النفسية، ومن أهمها:
- العلاج النفسي (يسمى أيضًا العلاج بالكلام) وله أنواع مختلفة.
- الأدوية النفسية.
- طرق تحفيز الدماغ، مثل العلاج بالصدمات الكهربائية.
يبدأ الأطباء النفسيون بتقييم جميع الأعراض النفسية والجسدية والاحتياجات الفردية للشخص ووضعه الطبي من أجل اختيار خطة العلاج المناسبة له. ويعد العلاج النفسي الخيار الأول في علاج الأمراض النفسية، وقد يكون وحده علاجًا كافيًا، وإلى جانب العلاج النفسي، يصف الأطباء النفسيون الأدوية لبعض الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية للمساعدة في التغلب على أعراضهم، وبالتالي فإنَّ طريقة العلاج تعتمد على نوع المرض النفسي الذي يعاني منه الشخص وشدته وتقديرات الطبيب المختص.
متى يصف الطبيب الأدوية النفسية؟
غالبا ما يصف الأطباء الأدوية النفسية عند وجود أمراض أو اضطرابات نفسية غير قابلة للعلاج بطرق أخرى أو عندما تكون الأعراض شديدة أو بسبب عدم تحسن الأعراض بالعلاج النفسي لوحده، ويمكن أن يكون الدواء داعمًا للعلاج النفسي وليس علاجًا رئيسيًا، إذ يصعب تخفيف أعراض المرضى عندما يكونون في أزمة أو يعانون من القلق أو الاكتئاب أو غير ذلك من الحالات النفسية. وفي بعض الحالات، يمكن أن يساعد الدواء في استقرار حالة الشخص، ما يسمح بالتقدم في العلاج النفسي وتحقيق نتائج جيدة.
يمكن أن يكون الدواء مفيدًا للأشخاص الذين يعانون من القلق أو الاكتئاب الشديد، إذ تعمل الأدوية على تحسين الحالة النفسية للمرضى غير القادرين على النهوض من الفراش في الصباح بسبب فقدان كل دوافع الحياة نتيجة للاكتئاب، ويمكن أن يوفر لهم الدواء بداية أو انطلاقة جديدة، ويعد مفيدًا أيضًا للمرضى الذين يعانون من اضطراب نفسي حاد مثل الفصام، حيث تعتبر الأدوية ضرورية لاستقرار وسلامة المريض. يجب أن يأخذ قرار وصف العلاج الدوائي في الاعتبار المخاطر والفوائد المحتملة لكل مريض على حدة.
ما هي واجبات الطبيب عند وصف الأدوية النفسية للمريض؟
قبل وصف دواء نفسي للمريض عادة ما يُركز الأطباء على النقاط التالية:
- شرح فوائد ومخاطر تناول الدواء.
- إخبار المريض عن سبب إعطاء الدواء.
- شرح الآثار الجانبية والاختلاطات المحتملة للدواء.
- إعطاء فكرة تقريبية عن الفترة الزمنية للعلاج.
- متابعة ومراجعة الأدوية وتعديل نوع وجرعة الدواء ومتابعة الوصفات المكررة.
ما هي الأمراض التي توصف فيها الأدوية النفسية؟
تشمل الحالات و الاضطرابات التي تعالجها الأدوية النفسية كلًا مما يلي:
- القلق المستمر.
- الاكتئاب الشديد.
- انفصام الشخصية.
- الاضطراب ثنائي القطب.
- اضطرابات النوم الشديدة.
هناك بعض الحالات الطبية مثل الصرع قد تؤدي إلى مجموعة من النوبات والتغيرات السلوكية، والتي يجب استمرار استخدام الأدوية النفسية المناسبة فيها حتى يتم علاج النوبة الأولية أو اختفاء الأعراض كليًا، ولكن غالبًا ما يكون العلاج الدوائي طويل الأمد ضروريًا للسيطرة على الأعراض.
ما هي آلية عمل الأدوية النفسية؟
تعمل الأدوية النفسية عن طريق تعديل النواقل العصبية من أجل تحسين الأعراض، إذ تُظهر العديد من الأمراض النفسية تحسنًا عند زيادة أو نقص مستويات بعض النواقل العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين. يعمل كل نوع بشكل مختلف قليلًا عن الآخر، مع وجود بعض أوجه التشابه أحيانًا. يعتمد نوع أو فئة الدواء الذي يصفه الطبيب على وضع المريض والأعراض التي يعاني منها، وتتطلب بعض الأدوية استخدامًا منتظمًا لعدة أسابيع لمعرفة النتائج.
للأدوية النفسية عدة أنواع ومن أكثرها استخدامًا:
- مضادات الاكتئاب: تُستخدم لعلاج الاكتئاب والقلق وأحيانًا حالات أخرى. الهدف الأساسي منها هو تخفيف أعراض الاكتئاب الحاد، حيث يمكن أن تساعد في تحسين الأعراض مثل الحزن واليأس والشعور بالإحباط الشديد والإرهاق وصعوبة التركيز وقلة الاهتمام بالأنشطة ومنعها من العودة ثانية. تهدف مضادات الاكتئاب لتأمين الاستقرار العاطفي مرة أخرى، وقد تستخدم أيضًا لحل مشاكل النوم ومنع الأفكار الانتحارية. مضادات الاكتئاب لا تسبب الإدمان أو الاعتماد الجسدي، وقد تستغرق أدوية علاج الاكتئاب أسبوعًا أو أسبوعين حتى تصبح فعالة وما يصل إلى ستة إلى ثمانية أسابيع أخرى للحصول على أقصى تأثير.
- الأدوية المضادة للقلق: تُستخدم هذه الأدوية لعلاج اضطرابات القلق، مثل اضطراب القلق العام أو اضطراب الهلع. قد تساعد أيضًا في تقليل الهياج والأرق. عادةً ما تكون مدة تأثير الأدوية المضادة للقلق أطول من مضادات الاكتئاب التي تعمل على علاج القلق أيضًا. تساعد الأدوية المضادة للقلق سريعة المفعول في التخفيف قصير المدى، ولكن يمكن أن تسبب الإدمان، لذلك يُفضل استخدامها لفترة قصيرة.
- أدوية تعديل المزاج: تستخدم الأدوية المحسنة للمزاج بشكل شائع لعلاج اضطراب ثنائي القطب، والذي تتضمن نوبات متناوبة من الهوس والاكتئاب. تُستخدم أحيانًا محسنات المزاج مع مضادات الاكتئاب لعلاج الاكتئاب الشديد.
- مضادات الذهان: تُستخدم عادةً لعلاج الاضطرابات الذهانية مثل الفصام. يمكن أيضًا استخدامها لعلاج اضطراب ثنائي القطب أو استخدامها مع مضادات الاكتئاب لعلاج الاكتئاب الشديد.
- المنشطات: تعالج هذه الأدوية بشكل أساسي اضطراب نقص الانتباه وبعض الاضطرابات النفسية الأخرى.
ما مدى فعالية الأدوية النفسية؟
بشكل عام، تكون الأدوية النفسية فعالة بشكل خاص عند وجود اضطرابات بيولوجية مثل الفصام، وفي بعض الحالات الأخرى مثل الاضطراب ثنائي القطب واضطرابات المزاج واضطرابات القلق. وقد أثبتت هذه الأدوية قدرتها على تقليل الأعراض السلبية لهذه الاضطرابات، وتحسين الأداء العام، وساهمت في زيادة فعالية الأساليب العلاجية الأخرى، بالإضافة إلى أن المعالجة الدوائية غالبًا ما تكون ذات فعالية مرتفعة بالمقارنة مع انخفاض كلفتها.
يجب تناول مضادات الاكتئاب لمدة 7 أيام تقريبًا (دون تفويت أي جرعة) قبل الشعور بتحسن حقيقي. لذا من المهم عدم التوقف عن تناولها إذا ظهرت بعض الآثار الجانبية الخفيفة في وقت مبكر من العلاج، لأن هذه الآثار عادة ما تزول بسرعة، وفي بعض الأحيان قد يستغرق الأمر عدة أسابيع حتى يلاحظ الشخص آثار مضادات الاكتئاب، ما يدفع الكثير من المرضى إلى التوقف عن تناول أدويتهم بسبب اعتقادهم أن تناول الأدوية لوقت أطول لن يؤدي إلى إحداث فرق جوهري.
عادةً ما يتم تناول مضادات الاكتئاب لمدة عام إلى عامين، وأحيانًا قد يصفها الطبيب لفترة أطول، لمنع الانتكاسات. وتعد فكرة الوقاية من الانتكاس جيدة للأشخاص الذين:
- تعرضوا بالفعل للعديد من الانتكاسات سابقًا.
- يريدون تجنب الانتكاس بشكل تام.
- المرضى الذين يعانون من اكتئاب مزمن.
تشير الدراسات إلى أن فعالية مضادات الاكتئاب وفائدتها تعتمد بشكل عام على شدة الاكتئاب: فكلما زادت شدة الاكتئاب، زادت فعالية هذه الأدوية وأثرها. وبالتالي فإن مضادات الاكتئاب فعالة ضد الاكتئاب المزمن والمتوسط والشديد. ولكنها لا تساعد في حالات الاكتئاب الخفيف.
تقدر الكلية الملكية للأطباء النفسيين أن 50-65% من الأشخاص الذين عولجوا بمضادات الاكتئاب سيشهدون تحسنًا سريريًا، مقارنة بـ 25-30% ممن يتناولون أقراصًا “وهمية” غير فعالة (البلاسيبو). ما يعني أن النسبة الأكبر من الأشخاص يستفيدون من مضادات الاكتئاب، حتى لو كان ذلك في بعض الأحيان نتيجة لتأثير الدواء الوهمي.
المقالات المقترحه:
← اقرأ ايضاً: هل تسبب الأدوية النفسية الإدمان؟
← اقرأ ايضاً: هل تؤثر الأدوية النفسية على طريقة تحكمنا في أنفسنا؟
← اقرأ ايضاً: هل الأدوية النفسية مضرة؟
أشهر المختصين:
← احجز جلستك الآن: د. عاصم العقيل