كيفية الحفاظ على الصحة النفسية للأمهات العاملات، مع افتتاح المدارس وتراكم المسؤوليات
ازداد عدد النساء العاملات بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي وضع أعدادًا متزايدة من النساء أمام مهام جديدة بالإضافة لمهمتهنّ الأساسية التي تتمثل في العناية بأسرهنّ. خلق ازدياد عدد النساء العاملات تحديًا إضافيًا أيضًا يتمثل بالجهود الهادفة لتوفير الدعم النفسي للمرأة العاملة، وزيادة الوعي بأهمية الصحة النفسية ودورها في تأدية المرأة لمهامها في المنزل وفي بيئة العمل بأفضل وجه ممكن.
ما هو المطلوب من الأم العاملة؟
يُطلب من الأم العاملة وضع خطط ولوجستيات صحيحة في حياتها وحياة عائلتها، ومع ذلك غالبًا ما يرافقها الشعور بالذنب نتيجة فترات الغياب الطويلة عن الأطفال وعدم منحهم القدر الكافي من الاهتمام والوقت والحنان، وفي هذا السياق، لا يمكننا أن نجد حلًا وحيدًا لجميع النساء العاملات، لكن الباحثين يؤكدون على أهمية دعم الصحة النفسية للأم العاملة، لأن الأم دعامة أساسية من دعائم المنزل، وأي تأثير سلبي على راحتها النفسية سينعكس سلبًا على المنزل بأكمله وعلى كل أفراد الأسرة. غالبًا ما يقع الناس في فكرة خاطئة مفادها أن مقدار الوقت الذي تقضيه الأم مع أطفالها هو أهم مقياس أو مؤشر للعناية بهم، لكن الحقيقة أن نوعية الوقت الذي تقضيه الأم مع أطفالها هو الأهم كالقراءة معًا واللعب معًا أو الاستماع للطفل وتفهم جميع متطلباته وآرائه.
والجدير بالذكر أن أكثر من دراسة قد أظهرت أن الأطفال الذين لديهم أمهات مكتئبات سواء كانوا عاملات أو غير عاملات، يكونون أكثر عرضة لاكتئاب المراهقين، والمزعج أن عدد الأمهات المكتئبات يزداد مع الوقت.
دراسات علمية عن الصحة النفسية للأم العاملة
قادت الباحثة كاترين برينينغ من جامعة غينت في بلجيكا دراسة تهدف للتحقيق في العوامل التي تؤثر على الوضع النفسي للأم العاملة، وقد نُشرت الدراسة في مجلة Springer Journal of Happiness Studies.
تتلخص نتائج الدراسة بالنقاط التالية: تشعر الأم العاملة السعيدة بالكفاءة في التفاعل مع طفلها، وتختبر شعورًا بالحرية والاستقلال في اتخاذ القرارات في أفعالها عندما تتمتع بعلاقة عاطفية جيدة مع طفلها، كما أنها لا تكون عندها قاسية على نفسها بشأن وضعها كأم. وتقول الباحثة أيضًا: إن إحساس الأم بوضع نفسي جيد يتراجع عندما تشعر بأنها أم لا تؤدي واجبها تجاه أسرتها، أو عندما تتعرض للضغط وتنأى بنفسها عن محيطها الاجتماعي بسبب جهودها الكبيرة المبذولة في العمل وتربية الأطفال.
تعتقد برينينغ أنه يجب على الأمهات، أن يبحثن في تفاعلهن مع أطفالهن عن تجارب تساعدهن أيضًا على تلبية احتياجاتهن النفسية اليومية، ولا ينبغي أن تكون الأمهات قاسيات جدًا على أنفسهن فيما يتعلق بطريقة أدائهن كأمهات، وأن يبحثن عن أنشطة للاستمتاع والتفاعل مع أطفالهن، وأن يسعين لخلق فرص لقضاء وقت أطول مع أطفالهن بطريقة أكثر فعالية، لأن التأثير الإيجابي والطاقة التي تعطيها هذه الأفعال يمكن أن تكون مفيدة من حيث أنها تسمح للأم بالتفاعل مع أطفالها بطريقة إيجابية وأكثر صبرًا ومليئة بالأحاسيس والمشاعر. ويعتقد الباحثون أيضًا أن المستشارين النفسيين يجب أن يوضحوا للأمهات العاملات مدى أهمية تلبية احتياجاتهن النفسية الخاصة وسط ضغوط الأمومة والعمل وعدم تجاهلها.
تسلط الدراسة الضوء على مدى صعوبة التكيف مع دور الأمومة بالنسبة للنساء العاملات اللواتي يعانين من الاكتئاب ولوم الذات، ولذلك تعتقد برينينغ أنه يجب وضع استراتيجيات للوقاية والتدخل لمساعدة هؤلاء النساء على التكيف في الأشهر القليلة الأولى من الأمومة.
خطوات هامة لدعم الصحة النفسية للأمهات العاملات
هناك العديد من الخطوات الهامة التي تساعدك على تحقيق توازن بين العمل والحياة الاجتماعية والحفاظ على صحة نفسية جيدة، ومن بينها:
- التخلص من الشعور بالذنب: تخلصي من شعورك بالذنب، وفكري في كيفية تحقيق أكبر دور إيجابي لك في أسرتك، صحيح أن العمل يبعدك فترات طويلة عن عائلتك لكنه من جهة أخرى يوفر دخلًا إضافيًا لتحمل تكاليف فرص تعليمية أفضل لأطفالك، وعليك دائمًا أن تعرفي أنك لست وحدك وأنه عليك مشاركة مشاعرك ومتاعبك مع شريكك وأسرتك وأصدقائك.
- ابحثي عن مربية أطفال أو مركز لرعاية الأطفال: اسألي معارفك وأصدقاءك عن جليسات أطفال خبيرات في عملهن أو مراكز لرعاية الأطفال معروفة بجودتها، وحددي المعايير التي تريدين أن تتوفر في المربية أو المركز الذي تريدين تسجيل أطفالك فيه، ومن أهم هذه المعايير أن يكون لديهم خبرة ممتازة وقدرة على التعامل مع الأطفال من مختلف الفئات العمرية.
- قسمي مهامك مع زوجك ونظمي وقتك: نظمي جدول أعمالك، وحاولي إعداد الخطط المسبقة، وأهم نقطة في هذا الجدول أن تخصصي وقتًا للنقاش مع عائلتك وزوجك حول مهام كل شخص في العائلة وشاركيهم تفاصيل يومهم.
- اصنعي لحظات خاصة بك: يمكنك من خلال إدارة وقتك وتنظيمه بدقة وحكمة أن تخصصي وقتًا كافيًا خاصًا بكِ وحدك، لتأخذي قسطًا من الراحة وتشعري بأنك شخص فعال وتعيدي شحن طاقتك النفسية والجسدية وتهتمي بتلبية احتياجاتك الخاصة، كأن تقرأي كتابًا قبل النوم أو تمارسي رياضة أو هواية معينة أو تأخذي حمامًا ساخنًا، وهذا الأمر مهم جدًا تهمله أغلب الأمهات ما يؤثر بشكل سلبي على حالتهن النفسية، وبالتالي على القيام بأدوارهن بالشكل الصحيح.
- اقضِ وقتًا كافيًا مع زوجك: عند التعرض لضغوط كبيرة، قد يكون الزوج أول من يتعرض للإهمال، ما يجعل العلاقة بينكما متوترة والأجواء سلبية، لذلك احرصي دومًا على تعزيز العلاقة مع زوجك لأنه أول شخصٍ يدعمك ويقف إلى جانبك دائمًا، ويمكنكما قضاء أوقات سعيدة في مطعم أو حديقة أو رحلة سفر بعيدًا عن أمور العمل ومتاعب الحياة اليومية.
- تواصلي مع أطفالك حتى وأنت في العمل: بإمكانك أن ترسلي لأطفالك تسجيلات صوتية أو مقاطع فيديو وأنت في العمل ويمكنك أيضًا أن تستغلي استراحاتك بالعمل للتواصل المباشر بهم، لأن ذلك يعزز شعورهم بقربك منهم، ويشكل دعمًا نفسيًا كبيرًا لك ولهم.
- لا تهملي عملك: حافظي على تواصلك مع زملائك في العمل ومدرائك أو المسؤولين عن الموارد البشرية، ورغم وجود اختلافات جوهرية بين كل مدير وآخر لكننا ننصحك دائمًا أن تكوني شخصًا منفتحًا وصادقًا في عمله قدر الإمكان، وحاولي أن تكوني مستعدة لتقديم حلول بديلة (عندما تطلبين إجازة من العمل مثلًا) كفترة تجريبية لجدول العمل المتوقع حتى تتمكني من إظهار كيف أن التنظيم لن يؤثر سلبًا على الإنتاجية وجودة العمل.
كل هذه الخطوات ستساعدك على أن تكوني شخصًا فعالًا في المجتمع وتساهم في تحسين صحتك النفسية والجسدية وتساعدك في أداء مهمتك كأم وموظفة على أكمل وجه.
مصدر: 1