هل تشعر بأنك مشتت وتائه في عالم غدا التغير المستمر والمتسارع سمته الأساسية، أم أنك عالق في الماضي، تصارع التغييرات من حولك أو تحارب عاداتك السلبية وتبحث عن سبيل للخروج، أو ربما تشعر أن بداخلك طاقة كبيرة، وقد سئمت من روتين حياتك اليومي وتبحث عن المزيد من المغامرة ولكنك خائف من الفشل ولا تعرف من أين تبدأ؟ 

أيًا يكن ما تمر به لا بد من الاعتراف أن تحسين الذات والسعي نحو التغيير للأفضل هو عملية مستمرة لا تنتهي في عصر يحمل معه في كل يوم تحدٍ جديد، ويتطلب عقلًا منفتحًا على التغيير، واستعدادًا للخروج من منطقة الراحة. 

لكن لماذا التغيير هو أمر حتمي؟ وما الذي يدعونا إلى تغيير أنفسنا؟ وكيف يمكن أن يكون هذا التغيير هو للأفضل؟ في هذا المقال سنكتشف أبرز فوائد التغيير، بالإضافة إلى عشر طرق يمكنك من خلالها تغيير نفسك للأفضل لكي تكتشف أبعادًا جديدة للحياة وطرقًا للسير قدمًا نحو الأفضل.

لماذا يجب أن أتغير؟

قد يكتفي البعض بالبقاء في منطقة الراحة الخاصة بهم، والنظر لما يوجد في الخارج، فذلك يمنحهم شعورًا بالأمان، ولكن كيف ستعرف الوجه الآخر للحياة إن لم تحاول تجربته، فالتغيير هو الثابت الوحيد في هذه الحياة، فضلًا عن حتمية هذا الأمر فإن له عدة فوائد حيث جاء في الفصل الأول من كتاب (Smith, 2023) “كيف تصبح شخصًا أفضل؟” أن هنالك عدة أسباب تدفعك لتكون شخصًا أفضل، سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى المجتمعي الأوسع. نذكر منها:

•  الرضا عن الذات: أحد أهم الدوافع لتغيير النفس للأفضل هو اكتساب شعور الرضا عن النفس الذي يساعد على تطوير مستوى عال من تقدير الذات والسلام الداخلي.
•  تحسين العلاقات: أن تكون شخصًا أفضل يمكن أن يساعد في بناء علاقات أقوى وأكثر صحة مع الآخرين، وبالتالي تطوير علاقات أعمق مع الناس في الحياة.
•  التأثير الإيجابي على المجتمع: عندما تعامل الآخرين بلطف واحترام، فإنك تلهم الآخرين لفعل الشيء نفسه، وبالتالي يمكن أن يساعد ذلك في إنشاء مجتمع أكثر إيجابية وتناغمًا.
•  التنمية الشخصية: قد يكون الدافع إلى تغيير الذات للأفضل هو الرغبة بالتطوير الذاتي من خلال معرفة نقاط القوة والضعف، والعمل على زيادة الإنتاجية وتحسين الحياة.
•  السعادة: وهي أمر نسبي ويختلف من شخص لآخر، ولكن يرتبط تغيير النفس للأفضل بالشعور بالسعادة وتحقيق الذات. 

عشر خطوات فعالة للتغيير نحو الأفضل

تغيير الذات للأفضل لا يعني أن تكون شخصًا آخر، وأن تغيّر جميع مبادئك أو أرائك، بل يعني أن تكون نسخة أفضل عن نفسك بالأقوال والأفعال. يمكن أن يتخذ تحسين الذات عدة أشكال، من تغيير العادات السيئة وتعلم مهارات مفيدة، إلى تغيير الأفكار والأفعال وبالتالي اكتشاف حياة جديدة في كل مرة. فيما يلي مجموعة من النقاط التي تلخص خطوات التغيير للأفضل:

1. التأمل الذاتي وفهم النفس

كخطوة أولى نحو التغيير للأفضل لا بد من وقفة مطولة مع الذات، وفحص الأفكار والمشاعر وتحديد نقاط القوة والضعف، ويتضمن ذلك حسب (Smith, 2023) أن تكون واعيًا لذاتك وأن تمارس التفكير الناقد لكل من أفكارك، وقيمك، وسلوكياتك. يتم ذلك بعدة طرق كالتأمل أو التدوين أو ببساطة إعادة النظر في التجارب والخبرات السابقة؛ لأن ذلك يمثل أداة فعالة للتطوير الشخصي، إذ يساعدك على اتخاذ القرارات، وتحسين العلاقات، وبالتالي زيادة الوعي الذاتي لإجراء التغيير الإيجابي المطلوب. 

عملية فهم الذات هي عملية معقدة ومستمرة، فهي تعني أن تبحر عميقًا في ذاتك، لفهم أفكارك ومشاعرك وأهدافك. ولجعل هذه العملية أبسط يمكنك البدء بطرح بعض الأسئلة مثل: ما هو جوهر معتقداتي وقيمي؟ ما الذي يحفزني في حياتي؟ وما هي أهدافي؟ وما الذي يجعلني سعيدًا؟ ثم تبدأ بتحديد النقاط التي بحاجة إلى تحسين وتطوير في حياتك لاتخاذ الإجراءات المناسبة وفق ذلك من تحديد الأهداف، ووضع الخطة، ومتابعة التقدم والحفاظ على الدافع. علاوة على ذلك فإنه من الضروري تكرار هذه الخطوة بشكل مستمر خلال مراحل حياتك. 

2. تعلم مدى الحياة 

لا يمكن أن تقول لنفسك لقد تعلمت كل شيء في هذا المجال وأصبحت خبيرًا، ولا حاجة لي لتعلم المزيد؛ لأن التعلم هو عملية مستمرة مدى الحياة، في كل لحظة يمكنك أن تضيف شيئًا جديدًا إلى معرفتك، وعندما تجد الإجابة عن سؤال ستظهر أمامك مئات الأسئلة الأخرى، فكل ما نعرفه ما هو إلا قطرة في بحر المعرفة. وقد أثبتت دراسة (Passarelli & Kolb, 2011) العلاقة بين التعليم المتواصل والتعلم من خلال التجربة ودوره في التغيير والتطور.

لا يقتصر التعلم على المناهج الدراسية، بل أصبح أكثر شمولًا؛ فيمكنك التعلم من خلال القراءة، والتدريب وورشات العمل والانترنت وغيرها، وأيضًا يمكنك التعلم عندما تنظر إلى الطبيعة أو السماء على سبيل المثال. 

حاول أن تستغل أي فرصة لكي تصبح أكثر ثقافةً ووعيًا، وكن منفتحًا متطلعًا نحو العلم مع تفعيل مهارات التفكير الناقد والإبداعي؛ لكي لا تقع في فخ التقليد أو التأثير السلبي لتدفق المعلومات الحالي.

3.  وضع أهداف مرنة وقابلة للقياس

الهدف يبقى حلمًا دون وضع خطة لتحقيقه؛ لذلك وكخطوة ثالثة نحو التغيير للأفضل بعد فهم الذات وإدراك أهمية الانفتاح على العلم، لا بد من اتخاذ الإجراءات الواقعية العملية لتحقيق التغيير من خلال وضع الأهداف.

 ناقشت دراسة (Emmons, 2003) أن وضع الأهداف يوفر مقياسًا مناسبًا وقويًا لفحص العناصر الحيوية للحياة الإيجابية؛ فعندما تدون أهدافك تحولها من غير مرئية إلى مرئية، وهنالك عدة معايير لا بد من الانتباه إليها، كأن تكون الأهداف مرنة وقابلة للتعديل بما يتناسب مع المستجدات. وبسبب سهولة فقدان الشغف أو بسبب مواجهة التحديات عند تجربة شيء جديد لا بد من تقسيم الهدف الكبير إلى عدة أهداف قصيرة المدى، ثم ترجمة تلك الأهداف ضمن خطوات بسيطة ومهمات يومية يمكنك إنجازها.

4. الاستفادة من الفشل

في أثناء التغيير من الطبيعي أن تتعرض للفشل في كثير من الأوقات، لذا لا بد من تقبّل وجود صعوبات لأنها جزء من رحلة التغيير للأفضل بحسب (Miner, 2011)، حيث أكد الكتاب على أهمية تحديد مشكلتك وتحليلها، وأن تأخذ بعين الاعتبار وجهة نظرك، ووجهة نظر الآخرين وأخيرًا أن تتصالح مع الحقيقة كما هي دون أن تلقي اللوم على أحد؛ لذلك ولكي تغير نفسك للأفضل حاول أن تغير وجهة نظرك تجاه الفشل وانظر له على أنه فرصة للتعديل والتحسين. 

5. تقدير الذات وعدم المقارنة مع الآخرين

الحياة هي منافسة مع نفسك وليس مع الآخرين، فعندما تقرر تغيير نفسك للأفضل من الضروري أن تحافظ على تقديرك لذاتك مهما كانت الظروف، فقد توصلت دراسة (Orth, et al. 2012) التي أجريت على مدى 12 عام على عينة من 1824 فرد تتراوح أعمارهم بين 16 و97 عامًا إلى أن تقدير الذات له أثر كبير على تجارب الحياة الواقعية. وتأكد أن التغيير لا يتعلق بدفن هويتك السابقة بل يتعلق بتعلم التوفيق والتصالح بين ما كنت عليه في يوم من الأيام وما أنت عليه اليوم، وما ستصبح عليه مستقبلًا.

بالإضافة إلى أنه يجب الانتباه إلى أهمية عدم محاولة تقليد الآخرين أو التفوق عليهم؛ لأن المهم هنا هو أن تصل للنتيجة التي تجعلك شخصًا أفضل سعيدًا ومقتنعًا. 

6. التدرب على الامتنان

خذ وقتًا كل يوم لتفكر في الأشياء التي تشعر بالامتنان من أجلها. يمكن أن يساعدك ذلك على تنمية عقلية أكثر إيجابية وتحسين رفاهيتك بشكل عام.

7.  تطوير الصفات الإيجابية والأخلاقية

لا يقتصر التغيير للأفضل على العمل فقط، أو تحقيق الأهداف بل يشمل أيضًا حسب (Miner, 2011; Smith, 2023) تطوير الصفات الإيجابية كاللطف والتسامح مع الآخرين والتفهم والاحترام. فضلًا عن أن التغيير للأفضل يتضمن مستوى عال من النزاهة، والمبادئ الأخلاقية التي تتجسد في أعمالك وأقوالك على حد سواء، وأن تكون موضع ثقة جميع من حولك.

8.  الاهتمام بالصحة الجسدية والنفسية

إن الرعاية الذاتية ضرورة ملحة أثناء رحلة التغيير للأفضل، ويتجسد ذلك بالاهتمام بالصحة الجسدية والنفسية اللتان ترتبطان ارتباطًا وثيقًا، فمن أجل التغيير للأفضل في جميع نواحي حياتك لا بد من ممارسة الرياضة واعتماد نظام غذائي صحي؛ لأن ذلك ينعكس إيجابًا على الصحة النفسية، حيث تساعد التمرينات الرياضية على تصفية العقل، كما أن الجسم الصحي مفيد أيضًا لتقدير الذات، بالإضافة إلى الشعور بالإنجاز، فإذا كان هناك قرار واحد يمكنك اتخاذه بسهولة ومن شأنه تحسين حياتك بسرعة فائقة، فهو اعتماد جدول تمارين منتظم.

9.  تغيير العادات

“إن الأنماط السلوكية التي نكررها في معظم الأحيان محفورة حرفيا في مساراتنا العصبية”، فعلى سبيل المثال: كم مرة في اليوم تلتقط هاتفك المحمول لقراءة الرسائل النصية، ثم تذهب لتصفح الفيسبوك ثم الانستغرام، ويتم ذلك دون بذل الكثير من الجهد الواعي، فإذا أردت أن تتغير للأفضل، لا بد أن تعمل على تغيير عاداتك، واستبدال السلبية منها بعادات صحية وأكثر إنتاجية على المدى الطويل. بحثت دراسة (Stoewen, 2017) في العلاقة بين العادات والصحة والرفاهية ونوعية الحياة، ووصلت إلى أنك عندما تغير عاداتك للأفضل فإنك تغير حياتك للأفضل. يمكنك الآن وضع قائمة بالعادات الجديدة التي تساعدك على تحقيق أهدافك التي سبق لك وأن حددتها.

10.  التطوع

أن تتغير للأفضل يعني أيضًا أن تترك أثرًا إيجابيًا في المجتمع، ويمكنك ذلك من خلال التطوع وتقديم المساعدة، وأن تكون قدوة لغيرك، فقد أظهرت نتائج دراسة (Thoits & Hewitt, 2001) أن العمل التطوعي يعزز بالفعل جميع جوانب الرفاهية كالسعادة والرضا واحترام الذات والسيطرة على الحياة بالإضافة للصحة الجسدية، وإن الأشخاص الذين يتمتعون برفاهية أكبر يستثمرون ساعات أكثر في الخدمة التطوعية، فأن تتغير للأفضل يعني أن تكون قادرًا على العطاء بلا مقابل.

ختامًا، وكما أن كل شيء من حولك يتغير، لا بد من أن تطور مهاراتك لكي تحقق التوازن بين مواكبة التغيير وتطوير الذات من جهة وبين الحفاظ على مبادئك الجوهرية وصحتك النفسية من جهة ثانية؛ لكي تضمن عملية تغيير سلسلة وصحية تقودك نحو مستقبل منتج يرضيك ويناسبك.

 وتذكر دومًا أن تحسين الذات لا يحدث مرة واحدة فقط، بل هو رحلة مدى الحياة، ويمكنك أن تعمل على تغيير نفسك للأفضل كل يوم، وإذا كنت بحاجة إلى المزيد من الطرق والتقنيات نحو التغيير للأفضل بما يناسبك بشكل خاص يمكنك التواصل مع اختصاصي ضمن تطبيق لبيه والحصول على الدعم المناسب لك.

المراجع

1- Smith, H. (2023). “How To Become A Better Person”. 

2- Miner, M. (2011). “Be the Better Person: The Secret to Your Happy Peaceful Content Life in This Greedy Confused Unloving World Is the Golden Rule”. 

3- Stoewen, D. L. “Dimensions of wellness: Change your habits, change your life”. The Canadian veterinary journal, 58(8), 861-862. 

4- Emmons, Robert A. “Personal goals, life meaning, and virtue: wellsprings of a positive life”.American Psychological Association. Doi: https://doi.org/10.1037/10594-005

5- Thoits, P. A., & Hewitt, L. N. (2001). “Volunteer work and well-being”. Journal of Health and social behavior, 115-131. Doi: https://doi.org/10.2307/3090173

6- Passarelli, A. M., & Kolb, D. A. (2011). “The learning way: Learning from experience as the path to lifelong learning and development”. The Oxford Handbook of lifelong learning, 70-90. 

7- Orth, U., Robins, R. W., & Widaman, K. F. (2012). “Life-span development of self-esteem and its effects on important life outcomes”. Journal of Personality and social psychology, 102(6), 1271-1335. Doi: https://doi.org/10.1111/j.0963-7214.2005.00353.x

8- Ten things you can do to change your life for the better, sacap.edu.za, retrieved on 28/6/2023

9- How to Be a Better Person, fnu.edu, retrieved on 28/6/2023 10- Changing Habits, learningcenter.unc.edu, retrieved on 28/6/2023