التحديات النفسية للمهاجرين .. كيف تؤثر الهجرة وتغير الوطن على النفس؟
يعتبر تغيير الوطن من التحديات النفسية للمهاجرين، فعند قرار ترك الموطن والانتقال إلى بيئة جديدة، قد تتعرض لمجموعة من التحديات النفسية التي تؤثر على الحياة الشخصية، ويمكن أن تترك هذه التحديات أثرًا على الصحة النفسية والجسدية مما يؤدي إلى الاكتئاب والقلق والتوتر، لذا في هذا المقال سنبين لك ما هي التحديات النفسية المرتبطة بالهجرة، وما هي الآثار النفسية الناتجة عن الهجرة وتغير الوطن.
ما هي صدمة الهجرة، وما هي مراحلها؟
تنتج صدمة الهجرة عن حدث أو سلسلة من الأحداث والظروف المفاجئة الناتجة عن تغيير المكان أو البيئة، والتي لها تأثير دائم على أداء الشخص وسلامته النفسية والجسدية.
بينت دراسة أن الهجرة ترتبط بضغوط عديدة، والتي تتعلق بشكل رئيسي بتجربة الهجرة وعملية الاندماج الضروري للتكيف مع البلد المضيف، وأكدت نتائج الدراسة أن معدل انتشار اضطراب ما بعد الصدمة بين المهاجرين مرتفع للغاية ويصيب ما يقارب (47%) من المهاجرين، وخاصة اللاجئين منهم.
وتمر صدمة الهجرة بعدة مراحل هي:
أولاً : ما قبل الهجرة
هي واحدة من المراحل التي يمر بها المهاجرون قبل مغادرتهم بلدانهم الأصلية وتكون هذه المرحلة مليئة بالتوتر والقلق، حيث يتعين على المهاجرين التفكير في ترك محيطهم والانتقال إلى بيئة جديدة وغريبة كليًا.
تكون هذه المرحلة مرهقة عاطفيًا، وتنطوي على مشاعر متباينة بين الحماس والقلق بشأن المستقبل، وقد يحتاجون إلى دعم عاطفي ومساعدة في التعامل مع هذه الصدمة الأولية.
ثانياً : السفر والعبور
مرحلة السفر والعبور هي إحدى المراحل الرئيسية في صدمة الهجرة، تكون هذه المرحلة مليئة بالتحديات، ويواجه المهاجرون غالبًا متطلبات السفر المعقدة، ويشعرون بحالة دائمة من القلق والتوتر بشأن رحلتهم والتكيف في الوجهة الجديدة، فتتطلب هذه المرحلة القوة النفسية والاستعداد للتحديات المحتملة.
ثالثاً : ما بعد الهجرة
هي إحدى المراحل الحاسمة والتي يمر بها المهاجرون بعد وصولهم إلى البلد الجديد. في هذه المرحلة، يواجه المهاجرون تحديات نفسية وعاطفية واجتماعية تنجم عن محاولات التكيف مع الثقافة والمجتمع والظروف الحياتية المختلفة، حيث يجد المهاجرون صعوبة في بناء شبكات اجتماعية جديدة والاندماج في المجتمع المضيف، ويعانون أيضًا من صعوبات في التواصل اللغوي وفهم الثقافة المحلية، بالإضافة إلى قلقهم بشأن الاستقرار المالي وتأمين احتياجاتهم الأساسية، وكل ذلك يؤثر بشكل كبير على استقرار الصحة النفسية السليمة.
كيف تؤثر الهجرة على الصحة النفسية؟
تبدأ التحديات النفسية للمهاجرين منذ لحظة اتخاذ قرار الهجرة، فالشعور بالحنين للوطن والعائلة والأصدقاء يمكن أن يسبب الحزن والاضطراب العاطفي، وقد يشعرون بالقلق بشأن ما يمكن أن يواجههم في البلد الجديد، بما في ذلك التحديات الاجتماعية والاقتصادية، وتؤثر الهجرة على سلامة الصحة النفسية نتيجة ما يلي:
1- البعد عن أفراد الأسرة
قد يعاني المهاجرون من صدمة نفسية ناتجة عن الابتعاد عن أفراد أسرتهم، فالمسافة والجغرافيا تفصلهم عن الأحباء والأشخاص المقربين لهم، مما يزيد من الشعور بالحنين والوحدة، بالإضافة إلى افتقاد الدعم العاطفي المعتاد والتواصل اليومي مع أفراد الأسرة، مما يزيد من احتمال تطور اضطرابات نفسية كالاكتئاب أو القلق المزمن.
2- فقدان الهوية والانتماء
يشعر المهاجرون بفقدان الاتصال بثقافتهم والانفصال عن قيم وعادات وتقاليد كانت مألوفة بالنسبة لهم، مما يؤثر على الانتماء الشخصي والثقة بالنفس، وينشأ شعور بالعزلة والغربة، فقد بينت دراسة أن الأشخاص الذين يهاجرون يعانون من ضغوط متعددة يمكن أن تؤثر على صحتهم النفسية، الأمر الذي يلعب دورًا رئيسيًا في زيادة احتمالية تطور اضطرابات نفسية.
3- نقص الموارد للتكيف مع البيئة الجديدة
يعاني المهاجرون من نقص الموارد المادية والاقتصادية للتكيف مع البيئة الجديدة، فهم يواجهون صعوبات في الحصول على السكن الملائم والتعليم والرعاية الصحية، ويتعين عليهم أيضًا البحث عن فرص عمل مناسبة وتأمين الدخل اللازم لتلبية احتياجاتهم الأساسية، جميع هذه العوامل قد تؤثر على استقرار وسلامة الصحة النفسية.
كيف يمكن التعامل مع التحديات النفسية الناتجة عن الهجرة؟
تعتبر إدارة هذه التحديات أمرًا هامًا للتكيف بشكل صحيح وناجح مع البلد الجديد، وتحقيق الاستقرار النفسي، وسنبين لك فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد في التعامل مع هذه التحديات:
1- التواصل المستمر : يوفر التواصل المستمر سواء مع المجتمع المحلي أو من خلال الانضمام إلى منظمات وجمعيات تطوعية دعمًا ومساعدة في التأقلم وتقبل البيئة الجديدة.
2- الاستفادة من الموارد المحلية : يجب على المهاجرين استكشاف الموارد المحلية المتاحة لهم، مثل: خدمات الدعم الاجتماعي والصحي والتعليمي.
3- الاستفادة من فرص العمل والتعليم : ويمكن ذلك من خلال الاستفادة من الدروس والدورات التعليمية التي تساعد على تعلم اللغة المحلية وفهم الثقافة، والسعي للحصول على فرص عمل مناسبة، إذ يتطلب ذلك تطوير مهارات جديدة أو الحصول على شهادات معترف بها في البلد الجديد.
4- الحفاظ على الثقافة الأصلية : يمكن للمهاجرين الاحتفاظ بالروابط مع ثقافتهم الأصلية والحفاظ على تقاليدهم وعاداتهم والتي يمكن أن تشعرهم بالدفء والقرب، ويمكن ذلك من خلال الاشتراك في فعاليات ثقافية والمشاركة في المجتمعات المحلية التي تهتم بالتنوع الثقافي.
5- ممارسة المرونة : يشير مفهوم المرونة النفسية إلى القدرة على الاتصال بالحاضر والعمل على تحقيق أهداف طويلة المدى، بالإضافة للقدرة على التكيف مع التغيرات في البيئة والتفاعل بطرق جديدة ومبتكرة، بحيث تتوافق مع أهداف الشخص وقيمه، وهذه القدرة ليست مجرد النجاة من الأزمات، بل تشمل أيضًا القدرة على النمو والتطور في مواجهة التحديات.
بينت نتائج دراسة شملت 169 مشارك و227 مشاركة تراوحت أعمارهم بين 25 و72 عامًا أن الأشخاص الذي يمارسون المرونة النفسية، هم أكثر عرضة لإظهار انفتاح أكبر لقبول النكسات في بيئة العمل ومواصلة حياتهم ومسار عملهم.
6- العناية بالصحة النفسية : على المهاجرين أن يهتموا بصحتهم النفسية، ويطلبوا المساعدة الطبية إذا لزم الأمر من مراكز الرعاية الصحية النفسية أو من خلال استشارة الاختصاصيين النفسيين.
في النهاية، يجب على المهاجرين أن يتذكروا أنهم قد اتخذوا قرارًا شجاعًا بالانتقال إلى بلد جديد، وأنهم قادرون على التكيف والتغلب مع جميع التحديات التي تواجههم من خلال التركيز على الايجابيات والاستفادة من الموارد المتاحة، ليجدوا النجاح والاستقرار في حياتهم الجديدة، وإذا كنت تعاني من تحديات نفسية ناتجة عن الهجرة يمكنك التواصل مع المعالج النفسي في لبيه من خلال تحميل تطبيق لبيه، لمساعدتك على تحقيق المرونة النفسية، وتطوير قدرتك على التكيف لتضمن لنفسك حياة متوازنة وصحية.