قوة التسامح.. كيف يعالج نسيان الأخطاء نفسية الإنسان؟
التسامح مصطلح واسع جدًا؛ وقد لا يكون مطلوباً في كثير من الأحوال، إذ يحمل العديد من المعاني المختلفة ويختلف هذا المعنى من شخص لآخر، لكن عمومًا هو قرار داخلي متعمد بالتخلي عن الاستياء والغضب ونسيان أخطاء الآخرين أو عدم التفكير فيها.
يمنعك العمل على التسامح من تذكر الفعل المؤذي أو الشخص الذي أساء إليك دائمًا، لكن يمكن أن يقلل من تأثير هذا الفعل عليك ويساعد في تحريرك من سيطرة الموقف أو الشخص الذي ألحق بك الأذى، وفي بعض الأحيان قد ينقلك التسامح إلى التفهم والتعاطف والرحمة تجاه الشخص الذي آذاك.
ما هو مفهوم التسامح؟
التسامح لا يعني نسيان الأخطاء تمامًا أو تبرير الضرر الذي لحق بك والموافقة عليه، ولا يفرض عليك الصلح مع الشخص الذي تسبب لك في الضرر، لكنه يجلب نوعًا من السلام الذي يسمح لك بالتركيز على نفسك ويساعدك على الاستمرار في الحياة بصحة نفسية وجسدية جيدة، وقد أظهرت الدراسات التجريبية (2022 .Kim et al) أن التسامح يقلل من الغضب والقلق والاكتئاب ويزيد من احترام الذات والأمل في المستقبل.
كيف يعالج التسامح ونسيان الأخطاء نفسية الإنسان
التسامح من الصفات النفسية التي تعطي صاحبها الشعور بالراحة، ويعالج التسامح نفسية الإنسان من خلال ما يلي:
يجعلنا أقل عدائية
يطلب منا التسامح التخلي عن العداء تجاه أنفسنا والآخرين، وكلما ازداد التزامنا بالتسامح ونسيان الأخطاء قل السلوك العدائي التلقائي (مثل الغضب واختيار القتال دون سبب).
تخفيف أعراض القلق
يحتاج الجميع تقريبًا إلى مسامحة أنفسهم أو مسامحة الآخرين، وغالبًا ما ينشأ القلق عندما نخشى أننا ارتكبنا شيئًا خاطئًا لأن ضميرنا المذنب يسبب القلق على مستوى عميق، وهنا يأتي دور التسامح الذي يساعدنا على تقبل أخطائنا وحب أنفسنا بعمق ما يخفف الألم الداخلي والانزعاج الناجم عن العداء والاستياء، وقد أشارت دراسة (2014 .Toussaint et al) أجريت في مجلة علم النفس الصحي إلى العلاقة بين مستويات التوتر العالية ومشكلات الصحة النفسية والجسدية لدى 148 شاب بالغ، وأكدت الدراسة انخفاض المشكلات الصحية المرتبطة بالتوتر عند المشاركين الذين مارسوا التسامح.
تغيير تصورك عن نفسك
إذا لم تسامح (سواء نفسك أو الشخص الآخر أو كليهما)، فأنت تعرض نفسك لإساءة معاملة نفسك، فالتسامح لا يعني أنك تسمح لأي شخص أن يعاملك كما يحلو له، ولا أن تسمح لأولئك الذين أساؤا إليك أو آذوك بالعودة إلى حياتك، إنما يعني الصدق مع مشاعرك وتغيير تصورك لنفسك، كونه ينقلك بعيدًا عن دور الضحية (وهي حالة سماتها الأساسية هي إلقاء اللوم على الآخرين واختلاق الأعذار وتبرير اختياراتك ورفض تحمل المسؤولية).
تكوين المزيد من الصداقات
عندما ننسى أخطاء الآخرين ونزيل الضغائن نستطيع الاقتراب أكثر من الأصدقاء والعائلة، وإعطاء العلاقات القديمة فرصة للتغيير والنمو وتكوين علاقات جديدة، نحن قادرون على فعل كل ذلك لأننا أفسحنا لأنفسنا المجال بالتسامح.
زيادة الرفاهية الدينية أو الروحية
تتشارك كافة الأديان في فكرة أن التسامح يقرب من روح الله، وعندما نسأل الله العون وأن نبقى آمنين من دون خوف وحزن وألم، فإننا نتلقى السلام الداخلي والمحبة والراحة والرضا في المقابل وهذا هو الشفاء الحقيقي.
تحمل المسؤولية واكتساب قوة الشخصية
يسمح لك التسامح أن تضع نفسك حقًا كقائد حقيقي في حياتك، فهو يتيح لك توجيه مشاعرك وسلوكياتك لأنك الآن مسؤول عن تحويل الحالات العاطفية التي تحبطك وتجاوزها، بالإضافة إلى ذلك، تظهر مجلة السلوك البشري في البيئة الاجتماعية (Jacinto et al. 2011) أن التسامح يمنحك الفرصة للسيطرة على الوضع وإعادة تأكيد القوة الشخصية وتحمل المسؤولية عن المشاعر الشخصية وقبول الشفاء الشخصي، في البداية ستبدو فكرة قيادة حياتك بوعي مخيفة جدًا، لكن بعد التدريب ستشعر بإحساس جديد بالتحرر الذي قد يجلب لك كل ما كنت ترغب في فعله.
اكتساب مهارات أفضل للتحكم بالغضب
يمنحنا تخفيف أعباء الماضي التي تثقل كاهلنا المزيد من ضبط النفس عندما نغضب، فنصبح أكثر قدرة على أخذ بعض الأنفاس والعد إلى عشرة، وتخصيص وقت مستقطع أو ممارسة بعض التمارين، بدلاً من توجيه الضربات القاسية للآخرين والخلاف معهم.
انخفاض خطر تعاطي الكحول والأدوية
هذا أحد أكبر الأسباب وأفضلها للبدء بممارسة التسامح دون تأخير، لأن تعاطي الأدوية هو قناع للألم الأساسي، وعندما نسامح فهذا يساعدنا على التخلص من الألم ونسيان الأخطاء والبحث عن الإيجابيات في وضعنا بدلاً من ذلك.
تقليل أعراض الاكتئاب
الاكتئاب قضية جوهرية لكثير من الناس في عصرنا الحالي، لأنه اضطراب منهك ويمكن أن يؤدي إلى الانتحار، ومن ناحية أخرى يمنحنا التسامح الشفاء والاستمتاع بالنعم، وهي من أجمل المشاعر التي يمكن أن تحل محل الاكتئاب وتمنحنا الإحساس بالهدف والرحمة وتجعلنا ننسى أخطاء الآخرين ونتقبلها.
تقليل الألم المزمن
غالبًا ما يكون للألم الجسدي سبب نفسي، وعندما نسمح بحدوث تحول عميق بالتسامح ونسيان الأخطاء، فإننا نشفي أنفسنا على المستويين النفسي والجسدي، وبالتالي يمكن عكس الألم المزمن وتحسين الصحة.
علاقات أكثر صحة
عندما نجعل التسامح جزءًا منتظمًا من ممارستنا الروحية ونحاول نسيان الأخطاء، نبدأ في ملاحظة أن جميع علاقاتنا (مع الشركاء وزملاء العمل والرؤساء والجيران وما إلى ذلك) تبدأ في الازدهار، فتصبح هناك دراما أقل بكثير للتعامل معها، وهذه مكافأة كبيرة في الحياة.
تحسين الرفاهية النفسية
من خلال إفراغ ما بداخلنا من شكوى نصبح أكثر انسجامًا على جميع المستويات، فتنحسر الكوابيس وتصبح رؤى الحياة الجديدة المثيرة أمرًا مألوفًا، ونشعر بالهدوء والسعادة والاستعداد لمنح التعاطف والحب لعالمنا ونسيان الأخطاء.
بالإضافة إلى كل هذه الفوائد للتسامح ونسيان الأخطاء، يمتلك التسامح فوائد على الصحة الجسدية أيضًا مثل انخفاض ضغط الدم، لأننا عندما نتحلى بالهدوء ولا نشعر بالقلق أو الغضب بسبب ظلم الماضي سيخفض معدل ضربات القلب وضغط الدم ويعزز صحة القلب والدورة الدموية.
إن التسامح من أفضل الطرق لتحقيق حياة مليئة بالراحة والرضا والعلاقات الجيدة وخدمة الآخرين، وهي من أنبل الأهداف التي يأمل معظمنا الوصول إليها، لذلك اجعل التسامح نهجًا أساسيًا تتبعه في حياتك ورسالة تريد إيصالها إلى كل الناس.
سارع إلى تحميل تطبيق لبيه لطلب المساعدة من أفضل المختصين للوصول إلى حياة سعيدة مليئة بالصحة النفسية والتسامح والعلاقات الصحية.