بيئة العمل المتطورة: لماذا المرونة النفسية هي مهارة رئيسية للنجاح؟
حسب منظمة الصحة العالمية يضيع ما يقارب 12 مليار يوم عمل كل عام بسبب الاكتئاب والقلق وهو ما يكلف الاقتصاد تريليون دولار أمريكي سنويًا، وحين تعلم كصاحب عمل أن المرونة النفسية يمكن أن تساعد في تقليل التوتر والقلق والاكتئاب وغيرها من مشاكل الصحة العقلية، فسترغب في جذب موظفين يتحلون بهذه المهارة لحماية أرباحك.
أيًا كان العمل الذي تعمل فيه حاليًا، أو المنظمة التي أنت مسؤول عنها، هناك دائمًا حواجز وعوائق ستؤخر إنتاجيتك وتشتت انتباهك. هذه العوائق تنقسم إلى قسمين:
- عوائق خارجية مرتبطة بالبيئة أو الأشخاص حولك.
- عوائق داخلية ترتبط بأفكارك وعواطفك.
اليوم، لدي خبرين لك:
الأول: هو أن العوائق الخارجية خارجة عن سيطرتك وبالتالي أنت -في الغالب- لن تستطيع تغييرها.
الثاني: هو أنك تستطيع التعامل مع العوائق الداخلية المرتبطة بأفكارك ومشاعرك.
والسؤال الأهم الآن هو: كيف نتعامل مع هذه العوائق الداخلية (الأفكار والمشاعر السلبية المعقدة)؟
اعتمدت المناهج أو الأساليب السابقة على فكرة بناء الثقة أولًا من أجل تغيير الأفكار والمشاعر، إلا أن بعض نتائجها كانت عكسية باعتبارها صرفت انتباه الأشخاص -الموظفين- عن أولوياتهم، وأخذت الكثير من طاقتهم.
وبهذا ظهر أسلوب جديد يعتمد على أن تُصبح أكثر تركيزًا في المهمة التي تقوم بها كيفما كانت أفكارك ومشاعرك، وهذا ما سمي بـ المرونة النفسية.
ما هي المرونة النفسية؟
المرونة النفسية هي الاستجابة للتغيير بطرق تساهم في تقدمك السريع نحو أهدافك القَيِّمة.
كيف يحدث هذا؟
تسمح زيادة المرونة النفسية للفرد بالتركيز بوعي على اللحظة الحالية، وهذا ما يجعلك:
أولًا: تلاحظ الموقف الذي تعيشه.
ثانيًا: تصبح على استعداد لتغييره لصالحك.
قد تبدو فكرة التركيز على اللحظة أو اليقظة الذهنية فلسفية نوعًا ما، إلا أن بعض الشركات اليوم لديهم نظرة مختلفة، وعلى رأسهم Google التي يقدم فيها المهندس السابق Chade-Meng Tan، دورات تدريبية رسمية حول هذا الموضوع لما له من تأثير على إنتاجية موظفيها.
لماذا المرونة النفسية مهمة في مكان العمل؟
يمكن أن تلعب المرونة دورًا أساسيًا في الصحة العقلية ورفاهية فريق العمل، مما يسهل عليهم الانفتاح على تجارب جديدة، والأهم، التكيف مع التغييرات الحاصلة باعتبارهم قادرين على إدارة الضغوط الناتجة عنها، وقد كشفت الأبحاث أن الموظفين الذين يتمتعون بمستويات عالية من المرونة النفسية، كانوا أكثر قدرة على التعامل مع تحديات العمل مع الالتزام بقيمهم (خدمة العملاء، التواصل مع الزملاء، اتباع خطة العمل…).
من خلال الحفاظ على المرونة النفسية، يمكن للأشخاص أو للموظفين تحديدًا التخلي عن الأفكار والسلوكيات السلبية مقابل الاستجابة بطرق أكثر تكيفًا مع الأحداث الحاصلة، سواء كانت أزمة في الشركة أو مشكلة مع زميل في العمل أو غيره، ناهيك عن كون القدرة على التواصل مع الأشخاص الآخرين والتكيف بسرعة مع السيناريوهات المختلفة أحد أهم المتطلبات لأي مسار مهني أو وظيفي.
يمكننا اختصار تأثير المرونة النفسية على بيئة العمل في ثلاث نقاط أساسية:
- تَحسُّن أداء الموظفين كونهم يركزون على كل مهمة دون تشتت.
- الوصول إلى نتائج عمل أفضل كنتيجة لتوازن صحتهم العقلية والنفسية.
- سهولة التكيف مع التغيرات والتعديلات التي تقوم بها المنظمة أو الشركة.
كيف يتم قياس المرونة النفسية؟
من الجيد لأصحاب العمل والقادة امتلاك أساليبهم الخاصة في قياس واكتشاف مدى صحة موظفيهم النفسية وقدرتهم على التجاوب مع التحديات الحاصلة. قد تعتمد هذه الأساليب على طرق مباشرة وأخرى غير مباشرة، مع ذلك فيما يخص المرونة النفسية، يمكن استخدام استبيان القبول والعمل (AAQ)، الذي طوره هايز وزملاؤه.
يعمل هذا الاستبيان المباشر على طرح 7 أسئلة، ليصنف سلوك الشخص على مقياس من سبع نقاط. تحصل على النتيجة بجمع جميع النقاط السبع، كلما كانت النتيجة الحاصل عليها أعلى، كانت المرونة النفسية أقل. لا بد من الانتباه لمسألة أن هذا الاستبيان من المفترض إعادته بين كل فترة وأخرى، وهو استبيان شخصي ليست الغاية منه مقارنة موظف بآخر.
كيف تصل للمرونة النفسية؟
تتطلب الخطوة الأساسية لكي تصبح أكثر مرونة نفسية في ملاحظة أفكارك ومشاعرك دون محاولة تجنبها أو الهروب منها أو التحكم فيها، ومن الناحية التطبيقية، تقول جمعية العلوم السلوكية السياقية Association for Contextual Behavioral Science، أن هناك ست عمليات أساسية لتطوير المرونة النفسية يجب الاعتماد عليها وهي:
- الاتصال باللحظة: أن تدرك بكل وعي الموقف الحالي الذي تمر منه والتعامل معه بما يناسب.
- تقبل الذات: أن تمتلك نظرة إيجابية لذاتك والثقة في قدراتك الشخصية على التعامل مع المواقف والتحديات.
- القيم: أن تقوم بسلوكيات متناسبة مع قيمك الأخلاقية من أجل إعطاء معنى لأهدافك وحياتك عمومًا.
- ترويض الانفعالات والاندفاعات: أن تكون قادرًا على التخلص من الأفكار والسلوكيات غير المرغوب فيها.
- إدارة الذات: الوعي النفسي أو مراقبة الذات وما يصدر عنها.
- الالتزام في العمل: أن تتدرب على المهارات الضرورية والأساسية لتطوير عملك.
تعمل هذه الخطوات الست على تعزيز الجانب النفسي في الأشخاص (موظفين أو غيرهم)، وربطه بالجانب المهني من حياتهم، حيث يكونون قادرين على موازنة قيمهم الشخصية على سبيل المثال، مع أهدافهم المهنية. وهنا تجب الإشارة إلى أن الهدف مغاير للقيمة، حيث قد يكون هدفك مثلًا هو تحقيق رقم أرباح معين، في حين أن القيمة لديك هي النجاح.
من المفيد للقادة أن يدركوا أهمية شرح وتبسيط هذه المفاهيم لفريق عملهم، سواء بشكل فردي أو عبر دورات وورشات تدريبية بين الحين والآخر.
المرونة النفسية ومواءمة القيم
في استطلاع أجرته Qualtrics، قال 54٪ من الموظفين الأمريكيين أنهم مستعدون لتخفيض رواتبهم للعمل في شركة تشاركهم قيمهم. وقال 56٪ أنهم لن يفكروا في العمل في شركة ذات قيم يختلفون معها. وبالتالي القادة الناجحون والشركات الناجحة سيعملون على وضع أهداف وخطط تتلاءم مع قيم موظفيهم، ناهيك عن أن القادة ذوو المرونة النفسية العالية ماهرون في تنظيم عواطفهم وفهم مشاعر الآخرين، وهذا يجعل الموظفين ينظرون إليهم على أنهم أكثر تعاطفًا. هذا بكل تأكيد سيساهم في تقديم فريق العمل لمستوى إنتاجية مرتفع يعود بالنفع على المنظمة أو الشركة.
أخيرًا، ودون تردد، يجب إعطاء الأولوية لاكتساب المرونة النفسية كمهارة ذات قيمة متزايدة في أماكن العمل المتطورة التي تعيش بشكل دائم تغييرات كثيرة. عندما تكون مرنًا يمكنك التعامل مع التحديات غير المتوقعة بسرعة وهدوء وفعالية، كما أنه كلما كان فريق العمل مرنًا نفسيًا، كلما كان قادرًا على تعلم مهارات جديدة حين تصبح فرص النجاح متاحة في مجالات مختلفة. فقط تذكر أن المرونة النفسية لا تتعلق فقط بتفاعلك مع التغيرات عند ظهورها، بل أيضًا تتضمن تغييرًا جوهريًا في قيمك وتعاملك مع ذاتك.
في لبيه الأعمال نقدم حزمة من الخدمات لتعزيز المرونة والرفاهية النفسية في منظمتك