كيف تروض شخصيتك الحساسة في بيئة العمل؟
في بعض الأحيان، يعطي التفكير في صفة الحساسية شعورًا بالسلبية والخطأ، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعمل المجهد والمتطلب، والتعامل مع فريق يملك كل عضو منهم شخصية تختلف عن الآخر، ومواجهة التحديات التي تتطلب الصبر والتفكير والمثابرة، لكن قبل الوقوع في حلقة مفرغة من جلد الذات وتأنيب الضمير، فلنفكر في الحساسية والحيوية اللتين تتمتع بهما شخصيتك المميزة، وكيف يمكن لهذه الصفات أن تكون سيفًا ذو حدين، يعتمد تأثيرها على حياتك، بناءً على طريقة تفاعلك مع نفسك ونظرتك إلى الأمور.
لماذا شخصيتك حساسة؟
لعل هذا السؤال من أولى الأسئلة التي تطرحها على نفسك عند التفكير في هذا الموضوع. تفيد الإجابة على هذا السؤال في معرفة الطريقة الأنسب للتفاعل مع نفسك بالصورة الصحيحة والسليمة.
هناك الكثير من العوامل التي ساهمت في الماضي، وتساهم حتى الآن، في نحت الشكل العام لشخصيتك وشخصية الآخرين، وينبغي استيعاب أن بعض هذه العوامل غير قابل للتعديل، وتخرج عن نطاق سيطرتك عليها، وهذا أمر ينطبق على مختلف الشخصيات بمختلف الألوان. بينما تمتلك في يدك القدرة على التحكم في عوامل أخرى، تجعلك أكثر قدرة على التحكم في نفسك والإنجاز مهما اختلفت الظروف. والآن، لننظر معًا إلى العوامل المساهمة في تكوين الشخصية الحساسة.
- العوامل الجينية: تنتمي العوامل الجينية إلى مجموعة العوامل التي لا يمكن السيطرة عليها، وهي مثل القدر الذي ينبغي القبول به، لكن ليس لومه على كل تفصيل. تثبت الدراسة (Bilkei et al., 2005) أن العوامل الجينية تؤثر على التركيب الكيميائي للدماغ، وتزيد بعض المورثات من الحساسية العاطفية عبر زيادتها لحساسية الدماغ للمركبات الكيميائية المسؤولة عن التوتر والقلق والتنظيم العاطفي.
- تجارب الطفولة: تلعب تجارب الطفولة والبيئة العائلية والاجتماعية التي ترعرعت فيها دورًا كبيرًا جدًا في بناء الشخصية ونحت صفاتها وطريقة تفاعلها مع المحيط والمجتمع، حيث يتفاعل كل إنسان مع مختلف التجارب الاجتماعية التي يواجهها في حياته بأسلوب يعبر عن شخصيته، ويتعلم الإنسان منذ أن كان طفلًا، هذا الأسلوب الذي يميز شخصيته بناء على التجارب الاجتماعية التي تعرض لها في طفولته.
ليس بالضرورة أن تكون هذه التجارب الاجتماعية في الطفولة مريرة أو صادمة؛ إذ تؤكد الدراسة (Aron et al., 1997) أن تجارب الطفولة، بعضها المرير والصعب وبعضها الآخر الجيد، وجميعها تساهم في بناء شخصيات حساسة ومرهفة. - الذكاء العاطفي: يشير مصطلح الذكاء العاطفي إلى امتلاك الشخص حساسية كبيرة وعميقة تجاه المشاعر والعواطف عند نفسه والآخرين. يستطيع عبر ذكائه العاطفي أن يفهم نفسه ومشاعره وأن يكون أكثر تعاطفًا مع الآخرين وأحوالهم وأوضاعهم، ويتأثر بما يمرون به ويختبرونه.
كيف تتعامل مع شخصيتك الحساسة؟
يبدأ تعاملك مع شخصيتك الحساسة ابتداءً من الابتعاد المطلق عن النظرة السلبية والناقدة لها. الشخصية الحساسة ليست عيبًا أو خطأ يجب القضاء عليه ورفضه مطلقًا، حتى عندما تكون ظروف العمل صعبة ومجهدة، أو عند مواجهة التحديات والصعاب الاجتماعية. تأتي ثقتك بنفسك وسلوكك الجيد في مختلف الظروف من تقبلك لنفسك، وعدم السماح للظروف الصعبة واستغلال الآخرين أن يحطم هذه الثقة.
عليك أن تعلم أنه لا يمكن الوصول إلى المثالية والكمال، والشخصية الحساسة مثل أي شخصية أخرى، تحمل في داخلها ما طاب وما لم يطب. ابتعد عن نقد نفسك وتحطيمها، وابدأ في النظر إلى نقاط قوتك باعتزاز وفخر، وفكر كيف يمكن أن تساعدك على تحسين عملك، وانظر إلى نقاط ضعفك بتقبل وحكمة، وفكر كيف يمكنك أن تطور من نفسك وتحسنها.
- استغل نقاط قوتك: تترافق الحساسية والعاطفة المرهفة مع الإبداع والخيال الجامح ومهارات التواصل الجيدة والإخلاص في العمل. جميع هذه الصفات تكمن في داخل الشخصيات الحساسة بدرجات مختلفة من التطور. انظر إلى شخصيتك بإيجابية، وفكر كيف يمكن لهذه الصفات الحسنة أن تساعدك على تطوير عملك، إلى جانب التطوير منها وتحسينها.
تثبت الدراسة (Malinda et al., 2016) أن العواطف والمشاعر والذكاء العاطفي ترتبط بقوة مع الإبداع والخيال القوي، وتشكل قاعدة صلبة لها، يحمل استغلالها بصورة حسنة إلى الإنجاز في العمل وتحقيق النجاح. - قلل من مصادر التشتيت من حولك: إن الشخصية الحساسة تنتبه للتفاصيل الدقيقة، وتتأثر بأقل المتغيرات. يعمل هذا الأمر لصالحها في بعض الحالات والأوضاع، لكن عند وجود عمل يتطلب التركيز والاتقان والدقة، تصبح المشتتات والملهيات والضجة عاملًا سلبيًا في العمل.
إن حاجتك إلى بيئة عمل مناسبة ليس عيبًا أو خطأ، أنت تريد إنجاز عملك، ومن حقك أن تطالب ببيئة تناسبك. حاول مناقشة الأمر مع مديرك في العمل، وإعلامه بالأشياء والأمور التي تقوض تركيزك، وعندما تكون الأمور صعبة التعديل، حاول السعي من أجل الوصول إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف. - اهتم بحدودك الشخصية: توضح الحدود الشخصية الأمور المسموح بها من قبلك والأمور المرفوضة والسيئة. إن امتلاك حدود شخصية ليس ضعفًا أو خطأ، بل هو قوة وضرورة عند التعامل مع الآخرين، الأهم هو أن تكون الحدود معقولة ومنطقية وتحترم الآخرين عبرها. تساعدك الحدود الشخصية على حماية نفسك من الاستغلال والأذى، والحفاظ على بيئتك مستقرة تنجز عبرها عملك المطلوب.
- اهتم بنفسك: إن العمل مجهد ومتعب حتى بالنسبة إلى أعتى الشخصيات وأقواها، والاهتمام بالذات والاعتناء بها وأخذ قسط من الراحة والاسترخاء بعيدًا عن جو العمل، ليس رفاهية بل ضرورة حتى تتمكن من إنجاز عملك بنشاط وهمة عالية.
تؤكد دراسة (Ahmed et al., 2019) أن الموازنة بين الحياة الشخصية والحياة العملية ضرورة لا بد منها في سبيل الحفاظ على صحة نفسية وجسدية جيدة ومستقرة، بالإضافة إلى انعكاس آثار هذه الصحة على الإنتاجية والإبداع في العمل.
تحمل الشخصية الحساسة في داخلها من الصفات ما يعطيها القوة وما يعيقها، وتكمن الحكمة في التعامل مع حساسية شخصيتنا باستغلال نقاط قوتها الإبداعية والاجتماعية في تعزيز مكانتنا المهنية، وفي تقبل بشريتنا وبذل الجهد الأكبر في التطوير من ذاتنا وقدراتنا.
يمكنك أيضا تعلم المزيد عن الصحة النفسية وبناء الذات عبر استشارة طبيبك النفسي عبر تطبيق وموقع لبيه.
الدراسات:
1- Bilkei-Gorzo, A., & Zimmer, A. (2005). Mutagenesis and knockout models: NK1 and substance P.. Handbook of experimental pharmacology.
2- Aron, E., & Aron, A. (1997). Sensory-processing sensitivity and its relation to introversion and emotionality. Journal of personality and social psychology.
3- McPherson, M., Barrett, F., López-González, M., Jiradejvong, P., & Limb, C. (2016). Emotional Intent Modulates The Neural Substrates Of Creativity: An fMRI Study of Emotionally Targeted Improvisation in Jazz Musicians. Scientific Reports.
4- Ghareeb, A. (2019). An Analysis of the Relationship Between Work-Life Balance and Productivity in Ghana. International Journal of Human Resource Studies.