إذا كنت تشعر بالارتباك من تربية طفلك، لأنه يتصرف بتردد وخجل ويتجنب اللعب مع الأطفال الآخرين، ويفضل السكوت وعدم مشاركة ما يفكر به، أو لاحظت تراجع درجاته بالمدرسة مؤخرًا، أو أنه يعاني من صعوبة في تكوين الأصدقاء والعلاقات الاجتماعية، قد تكون إجابة هذه التساؤلات هي شخصية طفلك الانطوائية.
ما هي الشخصية الانطوائية؟
الانطوائي هو شخص يشعر براحة أكبر في التركيز على أفكاره الداخلية، بعيدًا عمّا يحدث بالخارج، ويستمتع بقضاء الوقت مع شخص أو شخصين فقط، ويبتعد عن المجموعات الكبيرة.
قد تفكر بشخص خجول أو هادئ ويفضل البقاء بمفرده عندما تسمع كلمة انطوائي، وقد يكون ذلك صحيحًا بالنسبة لبعض الأطفال الانطوائيين، لكن هذا النوع من الشخصية مختلف، ويعتمد على كيفية تعامله مع العالم من حوله.
كيف تعرف أن طفلك انطوائي؟
هناك 7 علامات يمكن أن تساعدك على معرفة ما إذا كان طفلك انطوائيًاً أم لا:
- فضولي بشأن العالم ولكنه يخاف من استكشافه: عادةً ما يتمتع الطفل الانطوائي بالذكاء والفضول، قد يتساءل طفلك عن كيفية عمل العالم من حوله ولا يخشى طرح الأسئلة الكبيرة، ويبدو أنه يسعى دومًا لفهم السبب، ويفضّل المراقبة والتفكير بالتصرفات بدلاً من القيام بها.
- قد يكون وُلد بشكل مبكر، أو كان يعاني من انخفاض وزنه عند الولادة: أظهرت دراسة ألمانية (Eryigit, 2015)، أجريت على 411 مولود في 17 مشفى، أن الأطفال الذين ولدوا بوزن منخفض أو بشكل مبكر كانوا أكثر عرضةً لأن يصبحوا انطوائيين بالمستقبل.
- يتوتر ويشعر بالإحراج أمام الغرباء، ويعود إلى طبيعته في المنزل: قد يتجنب طفلك التواصل البصري ويلتزم الهدوء أمام الأشخاص غير المألوفين، أما في المنزل حيث يشعر بالراحة لن يتردد في سؤالك أو إخبارك عمّا يحدث معه، وقد تشعر أن طفلك يصبح شخصًا آخر مع أهله وأشقائه.
- يفضل اللعب بمفرده: يتمتع العديد من الأطفال الانطوائيين بمخيّلة واسعة وأفكار إبداعية بداخلهم، فقد يكون طفلك الصغير انطوائيًا، إذا كان يقضي ساعات طويلة في اللعب والتركيز على لعبة معينة، ويفضّل الأطفال الأكبر سنًا الانعزال وقضاء الوقت في غرفهم، أو القيام بأنشطة فردية مثل: القراءة أو الرسم أو ألعاب الكمبيوتر.
- لديه اضطراب قلق الانفصال: لا يعاني كل الأطفال الانطوائيين من اضطراب قلق الانفصال والخوف الشديد من الابتعاد عن الأهل، ولكن من الشائع جدًا حدوثه، بالإضافة إلى القلق والاكتئاب.
- يطرح العديد من الأسئلة العميقة: يحب جميع الأطفال طرح الأسئلة، لكن قد يفاجئك الطفل الانطوائي بعمق تفكيره فيبدو أكبر سناً مما هو عليه، ولديه بُعد نظر وآراء عميقة أكبر من عمره، حتى أن العديد من الأطفال الانطوائيين في سن مبكرة يمكنهم التفكير في سلوكهم بدرجة عالية من الوعي.
- يواجه صعوبات في التعبير عن نفسه: يعتمد الطفل الانطوائي على ذاكرته البعيدة أكثر من القصيرة، لذلك يمكن أن يعاني من صعوبة في تذكر بعض الكلمات، وقد يتوقف كثيرًا بحثًا عن الكلمة الصحيحة، لذلك يمكن أن يشعر طفلك بالإحباط لعدم قدرته على التعبير عمّا يعنيه، كما ينجذب إلى القصص والكتب لأنها تمنحه المساحة الكافية لفهم ما يفكر ويشعر به والتعبير عن ذلك.
كيف أتعامل مع طفلي الانطوائي؟
من الطبيعي أن يشعر الأهل ببعض القلق والخوف على أطفالهم الانطوائيين، والتساؤل عن صحتهم النفسية والعاطفية، فقد يعاني بعض الأطفال من القلق والاكتئاب كالكبار، لكن يتصرف أغلب الانطوائيين بهذه الطريقة بسبب مزاجهم المتقلب، ولجعل طفلك أكثر سعادة، عليك تقبل صفاته الانطوائية الطبيعية. هذه بعض النصائح المهمة للتعامل مع طفلك الانطوائي:
- لا تشعر بالخجل والإحراج من ابنك: لأن شخصية الانطوائي شائعة، وتشكّل نسبة 30% من البشر، كما أن العديد من الشخصيات المشهورة ورجال الأعمال الناجحين بالعالم هم انطوائيون بطبيعتهم.
- لا تحاول إجبار طفلك على تغيير طبيعته: فهو لن يتوقف عن كونه انطوائيًا، حيث تشير دراسة (Holmes, 2012) التي أجريت على 1050 طفل، ونُشرت في المجلة الأمريكية للعلوم العصبية، إلى وجود اختلاف في بنية الدماغ عند الانطوائيين في المنطقة المسؤولة عن التفكير واتخاذ القرارات، لذلك لا تقلق إذا كان طفلك يميل لأن يكون أكثر حذرًا وتحفظًا بالمقارنة مع باقي الأطفال، فهناك سبب علمي لذلك.
- لا ترغم طفلك على التعرف على الغرباء: غالبًا ما يشعر الانطوائي بالإرهاق أو القلق في البيئات الجديدة ومع الأشخاص الجدد. لا تتوقع أن يندمج ابنك مع الآخرين في المناسبات الاجتماعية بسرعة، قبل أن يشعر بالراحة في تلك المساحة ويسمح للآخرين بدخولها، وتذكر أن التقدم البطيء أفضل من الانسحاب، بغض النظر عن التجربة الجديدة التي تريد أن تعوده عليها، واحترم حدوده، حتى عندما تبدو غير منطقية.
- تذكر أن التواصل الاجتماعي مع الآخرين يستنزف طاقة ونشاط طفلك: قد يكون التواصل الاجتماعي وتكوين صداقات جديدة أمرًا مرهقًا لجميع الأطفال، ولكنه أسوأ بكثير بالنسبة للانطوائيين، لذلك عليك تقديم الدعم والثناء عندما تراه يحاول القيام بخطوات اجتماعية.
- تابع النشاطات والاهتمامات الخاصة بطفلك: ساعد طفلك الانطوائي على النجاح في هذا العالم المنفتح، وامنحه الفرصة لمتابعة الاهتمامات التي يرغب بها حتى لو كانت تبدو غريبة بالنسبة لك.
- تواصل مع أساتذته في المدرسة: يعتقد بعض المعلمين بشكل خاطئ أن الطفل الانطوائي لا يشارك زملاءه في الفصل لأنه غير مهتم بالدراسة، لكنهم في الواقع يفضلون الاستماع والمراقبة بدلًا من المشاركة بنشاط على الرغم من اجتهادهم، كما أن المعلم يستطيع تشجيعه بلطف على التفاعل مع الزملاء أو المشاركة في العمل الجماعي وتقديم المشاريع الدراسية.
- ساعد طفلك على الشعور بأن رأيه مسموع: استمع إلى طفلك واطرح عليه الأسئلة للتعرف على آرائه، قد يواجه العديد من الأطفال صعوبة في إيصال المشاعر والأفكار التي تدور بداخلهم إلى الآخرين، كما يجب عليك الحذر لأن الطفل قد لا يطلب المساعدة، فهو يميل إلى استيعاب المشاكل وعدم طرحها، وبالتالي قد لا يخبرك بمشاكله حتى عندما ترغب في ذلك.
إذا كنت تشعر أن شخصية طفلك الانطوائية تؤثر على حياته في البيت والمدرسة بشكل سلبي، أو لاحظت ظهور أعراض جديدة كالقلق أو الاكتئاب، عليك استشارة طبيب أو معالج نفسي مختص بأسرع وقت، فهو قادر على تقديم الدعم والرعاية اللازمة لطفلك حتى يكتسب المهارات الاجتماعية، وينفي وجود اضطرابات نفسية أخرى قد يعاني منها.
لا تتردد في التواصل مع معالجك النفسي عبر تطبيق لبيه لمساعدتك على التعامل مع طفلك الانطوائي وتعلم المهارات والطرق المناسبة لذلك.
الدراسات
Eryigit-Madzwamuse S, Strauss V, Baumann N, Bartmann P, Wolke D. Personality of adults who were born very preterm. Arch Dis Child Fetal Neonatal Ed. 2015 Nov;100(6):F524-9. doi: 10.1136/archdischild-2014-308007. Epub 2015 Jul 27. PMID: 26215406.
Holmes AJ, Lee PH, Hollinshead MO, Bakst L, Roffman JL, Smoller JW, Buckner RL. Individual differences in amygdala-medial prefrontal anatomy link negative affect, impaired social functioning, and polygenic depression risk. J Neurosci. 2012 Dec 12;32(50):18087-100. doi: 10.1523/JNEUROSCI.2531-12.2012. PMID: 23238724; PMCID: PMC3674506.