كنا في السنوات الماضية نذهب للتسوق فقط عندما نشعر بالحاجة لشراء شيء ما يلزمنا في حياتنا اليومية، فقد كانت عملية الشراء تتم عند الضرورة فقط، ولكننا اليوم نعيش في عالم أصبح التسوق فيه شكلًا من أشكال الترفيه، وطريقة لتخفيف التوتر، ومتابعة أحدث الصيحات، وأصبحت قيمة واحترام الذات تُبنى على ما تشتريه أو تقتنيه دون النظر لحاجتك الحقيقية، ولكن ماذا إن تحوّل ذلك إلى هوسٍ لا يمكنك السيطرة عليه؟ بل أصبح هو المتحكم بك وبحياتك، فما هو الثمن الحقيقي الذي تدفعه حينئذٍ؟ 

في هذا المقال سنحاول أن ننظر نظرة فاحصة متعمقة في هوس التسوق أو ما يسمى هوس الشراء القسري، وكيف يمكن أن يتحوّل من متعة إلى ألمٍ قد يتسبب في تدمير رفاهك وسعادتك، وبالطبع سنبحث عن حلولٍ فعالة للتحرر من قبضة هذا الهوس الذي يظهر لك بصورة صديق مخلص.

مفهوم هوس التسوق

يُعرّف هوس التسوق أو هوس الشراء القسري وفق دراسة (Müller et al., 2015 ) أنه ميل للانشغال بالشراء والتسوق والذي يتجلى في حلقات الشراء المتكررة، والإلحاح الشديد على الشراء الذي لا يُقاوم والذي لا معنى له، ويرتبط سلوك الإنفاق هذا الذي يَصعب إخضاعه للسيطرة والتكيف بمشاكل نفسية، واجتماعية، ومهنية ومالية خطيرة.

أوضحت دراسة (Black, 2007) أن هوس الشراء القسري CBD يوجد في جميع أنحاء العالم، ويبلغ معدل انتشاره 5.8٪ مدى الحياة في عموم سكان الولايات المتحدة، ولكن ليس الاستمتاع بكل عملية شراء تقوم بها تعني هوسًا، فتجنّب الوقوع في فخ هوس الشراء القسري لا يعني أن تتسوّق وكأنك تقوم مرغمًا بمهمةٍ صعبةٍ.

فيما يلي مجموعة من الأسئلة، إن كانت إجابتك “نعم” على معظمها فمن المحتمل أنك تعاني من هوس الشراء القسري.

• هل تشعر برغبة شديدة في التسوق والشراء، حتى عندما لا تحتاج إلى أي شيء أو لا تستطيع الشراء؟
• هل تشتري أشياء لتبتهج أو تكافئ نفسك أو تشتري عندما تشعر بمشاعر سلبية؟
• هل تشعر بالنشوة أو الإثارة عند الشراء، يليه الشعور بالذنب أو الخجل أو الندم؟
• هل يذهب أكثر من ثلث دخلك لدفع فواتير لا تشمل مدفوعات الإيجار أو الرهن العقاري ؟

• هل تشعر بتقدير عال لذاتك عندما تتسوق بإسراف؟
• هل تجد صعوبة في ادخار المال؟

•  هل تخفي مشترياتك عن أحبائك أو تكذب بشأن مقدار ما أنفقته؟
•  هل تتورط في الديون أو تواجه مشاكل مالية نتيجة لعادات التسوق الخاصة بك؟
•  هل تعاني من صعوبات في علاقاتك أو من العزلة الاجتماعية بسبب عادات التسوق الخاصة بك؟
•  هل تشعر أنك غير قادر على السيطرة على عادات التسوق الخاصة بك؟

الجانب المظلم للتسوق وكيف يدمر هوس الشراء القسري حياتك: “أشعر بالذنب والخجل بعد كل جولة تسوق، لكن لا يمكنني منع نفسي من القيام بذلك مرة أخرى”. 

التسوق نشاط شائع لا يمكن التخلي عنه، ويستمتع به كثير من الناس، كما يمكن أن يكون وسيلة ممتعة لتمضية الوقت، والتواصل مع الأصدقاء، وحتى تخفيف التوتر. ومع ذلك، بالنسبة لبعض الأفراد، يمكن أن يصبح التسوق هاجسًا يسيطر على حياتهم، وبعض الأشخاص قد يقعون ضحية لخطة تسويقية بسبب هوس الشراء، فقد يهرعون لشراء ملابس بلون ما فقط لأنهم شاهدوا أن هذا اللون هو الشائع لهذا الشهر، لكن قد يكون السبب في ذلك أن هناك كمية زائدة من قماش هذا اللون لدى المصممين فقرروا أنه لون الشهر.

إن هوس الشراء يسبب مشاكل كبيرة حسب دراسة ( Black et al., 2012)، كالمشاكل المالية وتراكم الديون وما يصاحبه من مشكلات قانونية، وبالتالي الدخول في دوامة من التوتر المالي والقلق يصعب الهروب منها. بالإضافة إلى المشاكل المالية، يمكن أن يؤدي هوس التسوق أيضًا إلى الإضرار بالعلاقات، فقد يصاب الأصدقاء وأفراد الأسرة بالإحباط بسبب عادات الإنفاق لدى الفرد وانعدام السيطرة على ذلك، وفي بعض الأحيان قد يؤدي إلى الانفصال عن الشريك، ويمكن أن يؤثر هوس الشراء القسري على الصحة النفسية، مسببًا الشعور بعدم الكفاءة وتدني القيمة الذاتية، فضلًا عن القلق والاكتئاب نتيجة عواقب عادات الشراء السيئة، ومشكلات الصحة النفسية تنعكس سلبًا على الصحة الجسدية للفرد.

وأخيرًا لا بد من تسليط الضوء على التأثير السلبي لهوس التسوق والشراء على البيئة، حيث أن الاستهلاك المفرط والنفايات يمكن أن تسهم في مشاكل بيئية مثل: التلوث وتغير المناخ.

كيف تتحرر من هوس التسوق وتستعيد السيطرة على حياتك: “أدركت أن إدمان التسوق كان وسيلة بالنسبة لي للتعامل مع التوتر والقلق، لكنه كان يزيد الأمور سوءًا على المدى الطويل”

لحسن الحظ لقي هوس الشراء القسري اهتمام بعض الباحثين، لما له من آثار وعواقب قد تكون غير مرئية للبعض ولكنها مدمرة أحيانًا، وفيما يلي مجموعة من التقنيات والطرق لكي تحرر نفسك من هذا الهوس وتستعيد السيطرة على حياتك:

1.  الاعتراف بالمشكلة 

أكدت دراسة (Black,2007) في توصياتها أن الخطوة الأولى نحو علاج هوس الشراء هو الاعتراف بأنك تعاني من هذه المشكلة.

قد تجد صعوبة في البداية لكي تعترف بذلك، ولكن لا داعي للإنكار لأن هذا الهوس مُنتشر بشكل واسع في عصرنا الحالي، وقد أشار (Benson, 2000) في كتابه “I shop therefore I am” هوس الشراء القسري والبحث عن الذات، أن ربعنا يعاني من مشاكل وعادات سيئة في الشراء.

2.  تنظيم وإدارة العواطف السلبية

عندما تعاني من التوتر أو القلق أو الاكتئاب فقد تستخدم التسوق طريقةً للهروب من هذه المشاعر السلبية، مما يخلق إحساسًا بالسعادة أو الإثارة ولكنها مؤقتة.

لذا بكونك واعيًا لتلك المشاعر وباكتسابك القدرة على تنظيم وإدارة عواطفك السلبية ستكون قادرًا على التخلص من هوس الشراء، فحاول الآن أن تبحث عن طرق بديلة للتعامل مع المشاعر السلبية، مثل: التمارين الرياضية أو التأمل أو قضاء الوقت في الطبيعة، كما من المفيد أن تذهب للتطوع ومساعدة الآخرين الذين هم بحاجة للدعم.

3.  وضع ميزانية 

إحدى الطرق الناجعة لكي تتحرر من قبضة هوس الشراء القسري هو أن تضع ميزانية لنفسك وتلتزم بها، فيساعدك هذا في التحكم في إنفاقك وتجنب تراكم الديون لديك، وحاول أن تكون هذه الميزانية مكتوبة بشكل ورقي ومتاحة للرؤية في جميع أرجاء المنزل أو العمل، وسيكون لديك حينئذٍ رؤية واضحة للعواقب المحتملة للشراء الزائد.

من المهم أن تضع ميزانية واقعية تأخذ في الاعتبار دخلك ونفقاتك وديونك، مع الالتزام بها قدر الإمكان. 

4. التسوق مع شخص لا يعاني من هوس الشراء

لا تذهب للتسوق لمجرد الاطلاع على ما هو جديد، بل إذهب عندما تكون فقط بحاجة لما تريد شراءه. قد يرغب الشخص الذي يعاني من هوس الشراء القسري في أن يذهب بمفرده أو بصحبة شخص يشاركه نفس الاهتمام، لذا قم بإجراء تغييرات على هذه العادة واختر شريكًا لا يعاني من هوس الشراء القسري، لأن ذلك سيساعدك على اكتساب عادات شراء صحية وتتخلص بشكل تدريجي من هوس الشراء.

5. تجنّب المحفزات

قم بإعداد قائمة بالحاجيات التي تريد شراءها والتزم بها، لأنه الآن يمكن وبنظرة خاطفة على شاشة هاتفك أن تجذبك الكثير من المثيرات والمحفزات لكي تضغط زر “إضافة إلى سلة المشتريات”، وتستمر الحلقة عند الاطلاع على وسائل التواصل الاجتماعي أو نشرات البريد الإلكتروني وغيرها؛ لذا قم الآن بتحديد المواقف أو الأماكن التي تثير لديك الرغبة في الشراء وتحفزك على شراء ما لا يلزمك، واعمل على تجاهلها و تجنبها وذلك بصرف انتباهك لشيء آخر تمامًا، وألغي متابعة جميع مواقع التسوق الإلكترونية، كما من المفيد حسب (Black,2007) أن تقوم بإلغاء بطاقات الإئتمان الإلكترونية لديك لأنها وسيلة سريعة للإنفاق.

6.  الرعاية الذاتية 

في كثير من الأحيان وعندما تنجز شيئًا ما، أو بعد يوم عمل شاق قد تراودك فكرة أن تكافئ نفسك بالذهاب إلى التسوق وشراء ما تحتاج وما لا تحتاج، لكي تشعر بقليل من السعادة والسيطرة، وتقنع نفسك أنك بالقيام بذلك فإنك تعتني بنفسك وتكافئها، ولكن وبعد مضي القليل من الوقت ستجد أن مشاعر السعادة تلك قد تلاشت وبدأت بلوم نفسك على ما قمت به. 

في مثل هذه الحالات حاول أن تتبع استراتيجيات أخرى لمكافأة نفسك كالذهاب إلى السينما أو قضاء وقت مع من تحب أو ممارسة هواية تستمع بها بدلًا من أن تراكم الأغراض في منزلك، والديون في حسابك. 

اعتنِ بنفسك جسديًا وعقليًا وعاطفيًا، يمكن أن يشمل ذلك الحصول على قسط كافٍ من النوم واتباع نظام غذائي صحي والمشاركة في الأنشطة التي تجلب لك السعادة وإعطاء الأولوية لقضاء الوقت مع الأصدقاء وأفراد الأسرة بدلاً من التسوق، يمكن أن يساعدك ذلك في بناء علاقات أقوى وتقليل مشاعر العزلة الاجتماعية التي قد يسببها هذا الهوس.

7.  العلاج المعرفي السلوكي CBT

 العلاج المعرفي السلوكي يمكن أن يساعدك على تطوير آليات التأقلم الصحية وتعلم كيفية إدارة عواطفك بطريقة أكثر فعالية، وهذا ما ناقشته دراسة (Bleich et al., 2008)، التي أجريت على عينة من واحد وثلاثين مريضًا يعانون من مشاكل شراء قسرية تم اختيارهم لتلقي العلاج الفعال (12 جلسة أسبوعية ومتابعة لمدة 6 أشهر)، كان العلاج يهدف بشكل خاص إلى مقاطعة سلوك هوس الشراء والسيطرة عليه، وإنشاء أنماط شراء صحية، وإعادة هيكلة الأفكار غير القادرة على التكيف والمشاعر السلبية المرتبطة بالتسوق والشراء، وتطوير مهارات التأقلم الصحية. 

وجاءت في نتائج تلك الدراسة أنه تم الحفاظ على التحسن خلال 6 أشهر من المتابعة، وأما النتائج النهائية قد أشارت إلى أن التدخل السلوكي المعرفي الخاص بالاضطراب يمكن أن يؤثر بشكل كبير على سلوك الشراء القسري. 

ختامًا، إن كسر حلقة التسوق أو الشراء القسري قد يبدو لك رحلةً صعبةً في البداية، ولكن لا بد من أن تخطو الخطوة الأولى باتجاه الحل للتخلص من تلك المشكلة ألا وهي الاعتراف بوجودها، والعمل بعد ذلك على تطبيق التقنيات التي تناسبك لعلاج هوس الشراء لكي تعيد التوازن الصحي لحياتك؛ لذا من المهم أن تبدأ الآن لأن إهمال تلك المشكلة سيجرّ وراءه عواقب سلبية، وكن مدركًا لأهمية طلب المساعدة والدعم المناسب لك لكي تجري التغييرات الإيجابية في حياتك وعاداتك الشرائية، وتتخلص من هوس الشراء القسري، ويمكنك التواصل مع اختصاصي تطبيق لبيه للحصول على الدعم الذي يناسبك وفي أي وقت تريده.

المراجع

1- Müller, et al. “Compulsive buying”. The American Journal on Addictions, First published: 10 April 2015. DOI:  https://doi.org/10.1111/ajad.12111. 

2- Black, D. W. (2007). “A review of compulsive buying disorder”. World Psychiatry. 2007 Feb; 6(1): 14–18.

3- Benson, A. I Shop, “Therefore I Am Compulsive Buying and the Search for Self”. 

4- Bleich, et al. “A randomized, controlled trial of group cognitive-behavioral therapy for compulsive buying disorder: Posttreatment and 6-month follow-up results”. The Journal of Clinical Psychiatry. 

5- Black et al. “Neuropsychological performance, impulsivity, ADHD symptoms, and novelty seeking in compulsive buying disorder”. Psychiatry Research, 2012 Jul 4. DOI:  10.1016/j.psychres.2012.06.003.

6- Ridgway, et al. “An expanded conceptualization and a new measure of compulsive buying”. Journal of Consumer Research, 4 December 2008. DOI: https://doi.org/10.1086/591108.

7- 6 Signs Your Impulse Buying Is a Shopping Addiction—and How To Get Help, health.com, retrieved on 10/6/2023.

8- Compulsive Shopping: 9 Signs & How to Cope, choosing therapy.com, retrieved on 10/6/2023.9- Compulsive Buying Disorder- what it is, how to diagnose it, and how to overcome it, msu.edu, retrieved on 10/6/2023.