من هذا الذي اقتحم حياتنا واستحوذ على اهتمام جميع أفراد العائلة؟ هل انتهى دوري بقدومه؟ لعل هذا ما يعبّر عن شعور الطفل عندما يأتي المولود الجديد.

 إن تجربة أن تكون أبًا أو أمًا للمرة الثانية هي تجربة ممتعة ومختلفة عن التجربة الأولى، وفي نفس الوقت قد تكون صعبة ومربكة بسبب تحديات التعامل مع غيرة الطفل الأكبر من المولود الجديد، لذا سوف نتحدث أكثر في هذا المقال حول مشاعر الغيرة التي تسيطر على طفلك وسنتعرف على دلالتها ونكتشف بعض النصائح والاستراتيجيات للتعامل مع غيرة الطفل من المولود الجديد، لمساعدته على التكيف مع هذه المرحلة الانتقالية في حياته. 

ما هي الغيرة؟

يشير مصطلح الغيرة بشكل عام في علم النفس إلى الاستجابة العاطفية الشديدة التي تنشأ عندما يلحظ الشخص تهديدًا لعلاقة ذات قيمة لديه من قبل طرف ثالث، قد يكون تهديدًا حقيقيًا أو متخيلًا، وهو المولود الجديد في حالتنا هذه، وتنطوي الغيرة على مجموعة من المشاعر كالشك والغضب والخوف وانعدام الأمن وذلك بحسب  دراسة (Sybil, 2016). كما تعتبر الغيرة عاطفة إنسانية طبيعية، ولكن عندما تصبح مفرطة أو لا يمكن السيطرة عليها، يمكن أن تكون علامة على مشاكل نفسية أساسية تتطلب مساعدة مهنية.

لماذا يشعر الطفل بالغيرة من المولود الجديد؟ 

عندما يتم فهم أسباب مشاعر الطفل حيال المولود الجديد، سيكون من الأسهل إيجاد الطرق الفعالة للتعامل مع غيرته منه. تخيل أن شريكك العاطفي جاء إلى المنزل بصحبة شخص آخر، لتعيشوا معًا وطُلب منك أن تحبه وتتعامل معه بلطف، هذا على وجه التحديد ما يشعر به طفلك حيال المولود الجديد؛ إذ يميل الأطفال في العموم إلى الشعور أن الاهتمام يجب أن يكون موجهًا نحوهم دائمًا، ولكن عندما يأتي المولود الجديد يشعرون بأن دورهم قد انتهى ولم يعد لهم مكان.

  قامت دراسة (Hart et al., 2002)، بابتكار حالة تجريبية لإثارة استجابة الغيرة عند الأطفال بعمر 6 و12 شهرًا من خلال جعل الأمهات يهتمون بدمية للأطفال ويتفاعلون معها بمودة وحب، وذلك للتعرف على ردود فعل الأطفال، وأظهرت النتائج أن الأطفال عبروا عن حزنهم وغضبهم واحتجاجهم على تفاعلات والدتهم مع الدمية، كما حاولوا منع الأم من اللعب مع الدمية، وعبّروا عن ذلك بأصواتهم السلبية، كما اقتربوا من الأم مرارًا وتكرارًا للإشارة إلى أنهم حساسون لفقدان اهتمامها.

هذا يدل على أن السبب الرئيسي لغيرة الأطفال هي شعورهم بالحرمان من الاهتمام أو التهديد بذلك من قبل المولود الجديد، وبالتالي عدم الشعور بالأمان. هذا بالإضافة إلى عدم قدرة الطفل على التعبير عن مشاعره بوضوح وشعوره بالعجز حيال ذلك، فهو لا يعرف ما هذه المشاعر التي تنتابه، فيلجأ للتعبير عنها بسلوكيات مختلفة من أجل جذب المزيد من الاهتمام.

علامات غيرة الطفل من المولود الجديد

قد تختلف ردات الفعل تجاه المولود الجديد من طفل لآخر، فقد يُظهر البعض مشاعر غيرة واضحة بينما يخفي البعض الآخر مشاعره، ومن أبرز الدلالات على غيرة طفلك من المولود الجديد:

• نكوص الطفل: أي العودة إلى سلوكيات طفولية لجذب الاهتمام أو قد يعاني من التبول اللا إرادي بعد أن كان قد تدرّب على استخدام الحمام.
• سلوك عدواني: من الشائع أن يترجم الطفل مشاعر الغيرة بسلوكيات عدوانية تجاه الأشخاص، كأن يحاول أذية المولود الجديد أو تجاه الممتلكات كأن يحطم ألعابه. حيث أن العنف بين الأشقاء حسب دراسة (Volling et al., 2010) هو النوع الأكثر شيوعًا من العنف الأسري، وهو يؤثر على ما يقارب 70٪ من المنازل في الولايات المتحدة وغالبًا ما يكون سلوك الأخوة العدواني والعنيف مدفوعًا بالغيرة.
• الانسحاب: يُظهر بعض الأطفال عدم المبالاة ويلجأون إلى الانسحاب والعزلة لشعورهم بالعجز حيال الوضع الجديد. 

كيفية التعامل مع غيرة الطفل من المولود الجديد

في البداية تعد تجربة المولود الثاني مرحلة انتقالية تواجهها الأسرة بكاملها، ولكن لها خصوصية بالنسبة للطفل الأول، لأنه ربما أُخبر أنه سيأتي له أخ أو أخت ليلعب معه، ثم يفاجأ بأن هذا المولود الجديد صغير جدًا ويحتاج للرعاية الدائمة، فكيف سيلعب معه؟

قدم (Hart 2001)، في كتابه “ستة استراتيجيات لبيت خالٍ من الغيرة”، اقتراحات عملية لإدارة الصراع بين الأشقاء، واقترح الكاتب أن يوفر الآباء لكل طفل الاهتمام الفردي والفرص لقضاء الوقت مع كل من الوالدين، كما أكد على أهمية إدارة التنافس بين الأشقاء بطريقة بناءة وإيجابية، من خلال توفير إرشادات استباقية واقتراحات عملية، حيث يمكن للوالدين المساعدة في تعزيز علاقات الأخوة الإيجابية ومنع النتائج السلبية المرتبطة بتنافس وغيرة  الأشقاء.

وضع (Burgstein, 2020) دليلًا للآباء والعائلات الذين يتوقعون قدوم أطفال جدد، وذاك لإدارة الغيرة بين أبنائهم. وفيما يلي مجموعة من الطرق الفعالة التي قد تساعدك في التعامل مع غيرة طفلك من المولود الجديد.

1. تهيئة الطفل لقدوم المولود الجديد 

ويتم ذلك على عدة مراحل بدءًا من مرحلة الحمل ويمكنك القيام بالتالي:

• التحدث مع الطفل عن عائلات فيها أخوة وأخوات حتى يتعلم الطفل أن العديد من العائلات لديها أكثر من طفل واحد، وأن الأسرة ستنمو.
• أخبر الطفل كيف يكون المولود الجديد، واشرح له أن الأطفال الجدد ينامون كثيرًا ويبكون لبعض الوقت ولا يمكنهم اللعب والتحرك، ومن المفيد هنا قراءة القصص المصورة والهادفة التي تهيئ الطفل نفسيًا للتعامل مع المولود الجديد كقصة (Alexander, 2006) على سبيل المثال.
• كما يمكنك القيام بزيارة آخرين لديهم مواليد جدد، وأتح الفرصة للطفل للنظر إلى صور المولود الجديد وسماع  قصص عنه عندما كان صغيرًا.
• أجب عن أسئلة طفلك حول مكان وجود الطفل، ودعه يشعر ويستمع إلى بطن الأم.
• شجع طفلك على المساعدة في تجهيز غرفة الطفل، ليكن مشاركًا وليس منافسًا.
• قم بإجراء تغييرات على روتين طفلك قبل ثلاثة أشهر على الأقل من ولادة المولود الجديد، كأن تنقل طفلك إلى غرفته أو سريره الجديد (إذا لزم الأمر)، ولا تقل له أن هذه التغييرات بسبب المولود الجديد .

2. تطمين الطفل وقبول مشاعره 

في أعماقنا، نخشى جميعًا الرفض، بما في ذلك الأطفال، إنهم قلقون من أن سلوكهم قد يدفعك بعيدًا عنهم، أو أنهم لن يكونوا دائمًا مميزين في قلبك. طمئن طفلك أنك تحبه مهما حدث، وأنك تتقبله كما هو بالضبط، وأنه ليس عليه فعل أي شيء للحصول على حبك.

ومن المهم أثناء التعامل مع غيرة طفلك من المولود الجديد أن يدرك أن مشاعره طبيعية ومحقة، وأن هناك من يفهمه، وساعده في التعبير الصريح عن مشاعره تجاه المولود الجديد؛ فإذا قال طفلك إنه لا يحب المولود الجديد، وأنه يشعر بالحزن أو بالغضب فوافق على ذلك وطمئنه أنه ليس من الممتع دائمًا إنجاب طفل، ولا تجعل طفلك يطوّر إحساسًا بالذنب لما يشعر به.

3. الاهتمام بالطفل وقضاء الوقت معه  

الاهتمام بالمولود الجديد لا يجب أن يكون على حساب الطفل الأول، وفي بعض الأحيان قد يكون الطفل الأول بحاجة للمزيد من الاهتمام؛ لكي يتكيف مع التقلبات الجديدة في حياته، فعلى سبيل المثال: لا تقل لطفلك: ” لا يمكننا الذهاب إلى المكتبة، لأنه وقت قيلولة المولود الصغير” لأن ذلك سوف يغذي استياء طفلك منه ويؤجج مشاعر الغيرة أكثر.

4. الحفاظ على روتين الطفل الأول 

أثناء الفترة الانتقالية في حياة الأسرة عند قدوم المولود الجديد، من الضروري الحفاظ على الروتين الخاص بالطفل بشكل كامل كي لا يشعر أن المولود الجديد كان سببًا في حرمانه من سير حياته الطبيعي، وكذلك من المهم الحفاظ على الأسلوب ذاته في الانضباط، واستخدام نفس القواعد المتبعة قبل قدوم المولود الجديد.

5.  المشاركة في رعاية المولود الجديد 

إحدى طرق التعامل مع غيرة الطفل من المولود الجديد هي العمل على إشراكه في رعايته من خلال المساعدة في أمور بسيطة، ولكن يجب الحذر هنا من إجبار الطفل على القيام بذلك، ومن الضروري العمل على إظهار المدح والتقدير لأي سلوك إيجابي يصدر عنه؛ فمن المهم أن يطوّر طفلك شعور أن المولود الجديد ليس منافسًا له أو مهددًا بل شريكًا وصديقًا.

6. عدم معاقبة الطفل 

كن على استعداد لردود فعل طفلك، فإذا نكص إلى الوراء في شيء أنجزه سابقًا مثل التدريب على استخدام المرحاض أو النوم في سريره طوال الليل فلا تعاقبه، واعمل على مدح طفلك عندما يظهر سلوكيات إيجابية. ومن المفيد تجاهل بعض السلوكيات الطفولية التي يمكن أن يقوم بها طفلك الأكبر مثل: تقليد صوت المولود الجديد أو رغبته باستخدام زجاجة الحليب وغيرها، وبادر بالمدح والإعجاب به عندما يبدي سلوكيات مسؤولة.  

7. تجنب المقارنة

 يسمع الأطفال ما تقوله، ويفهمون حتى لغة الجسد الضمنية، إنهم يعرفون أنك تتحدث عن من بدأ يمشي أولاً، أو ما إذا كنت تعتقد أن أحدهم لديه نوبات غضب أكثر من الآخر. يمكن أن تزيد هذه المقارنات من غيرة الأخوة وتؤدي إلى تدهور الرابطة التي تحاول تنميتها. بدلًا من المقارنة، تحدث عن معالم كل طفل دون ذكر الآخر، وتجنب تصنيف أي منهم ووصفه بصفات تقيده، ولا تتحدث عما كان سيفعله طفل آخر في هذا الظرف، وكأنه يعني ضمنيًا أن الآخر كان سيفعل ذلك بشكل أفضل.

في النهاية، إن التعامل مع غيرة الطفل من المولود الجديد قد تضعك في مواجهة تحديات يومية ومستمرة وتتطلب جهدًا وتعاونًا من قبل جميع أفراد الأسرة لمساعدة طفلك على التعامل مع مشاعره والتي تعتبر طبيعية ومحقّة. ومن المهم أن تتذكر أن غيرة طفلك لا تعني أنه لا يحب المولود الجديد، بل يعني فقط أنه يكافح من أجل التكيف مع التغييرات الجذرية التي طرأت على طريقة حياته. 

علاوة على ذلك، إن التعامل مع غيرة الطفل من المولود الجديد بالطرق السليمة والصحيحة تساعدك على بناء أسرة متعاونة ومتماسكة يسودها التعاطف والحب، وعلى العكس إن إهمال مشاعر الغيرة لدى طفلك الأول قد يساهم في تطوير مشاعر أكثر سوءًا تجاه نفسه وتجاه الآخرين، فضلًا عن أن كل طفل هو مميز وفريد بذاته وما ينجح مع أحد الأطفال قد لا ينجح مع غيره، ومن الجدير بالذكر أن لا تنسى أن تهتم بنفسك وصحتك أيضًا خلال هذه المرحلة، لذا إن كنت بحاجة للمزيد من الدعم الذي يناسب حالتك بادر بالتواصل مع اختصاصي تطبيق لبيه في أي وقت.

المراجع

1- Hart, Sybil L. “Proximal foundations of jealousy: Expectations of exclusivity in the infant’s first year of life”. Emotion Review. 2016 Oct; 8(4): 358–366. Published online 2016 Jun 21. DOI: 10.1177/1754073915615431. 

2- Hart, et al. “Jealousy in 6-month-old infants”. Infancy. 2002 Jul;3(3):395-402. doi: 10.1207/S15327078IN0303_6.

3- Volling, et al. “The development of sibling jealousy”. Handbook of jealousy: Theory, research, and multidisciplinary approaches.

4- Hart, S. (2001). “Preventing sibling rivalry: Six strategies to build a jealousy-free home”. Simon and Schuster. 

5- Alexander, M. (2006). “Nobody asked me if I wanted a baby sister. Charlesbridge”. 

6- Burgstein, J. (2020). “Parenting Siblings: Guidebook for all parents and families who are expecting new brothers and sisters – Bringing up children as a team, without conflict or jealousy”. Expertengruppe Verlag. 

7- How to Reduce Jealousy Between Siblings, verywellfamily.com, retrieved on 13/6/2023.

8- How to Stop Sibling Jealousy, sleepingshouldbeeasy.com, retrieved on 13/6/2023.

9- Jealousy And Sibling Rivalry, Province of Manitoba, gov.mb.ca, retrieved on 13/6/2023.

10- Sibling rivalry: why it happens, and what to do about it, babycentre.co.uk, retrieved on 13/6/2023.