Sign up on Labayh app

واحصل على جلستك الأولى بخصم 25%

من الملام على مكونات شخصيتك الحالية؟

مع انتشار وشعبية مواضيع علم النفس بين الناس في السوشال ميديا وغيرها تنتشر كذلك الكثير من المعلومات المغلوطة أو المفهومة خطأ، أو التي لم يتوصل العلم إلى إجابة أكيدة بشأنها بعد. من أهم الأسئلة التي يحاول علماء النفس الإجابة عليها هي سؤال من أين تأتي صفاتنا الشخصية أو كيف تتشكل، وهل هي وراثية مثلًا أم تتشكل بالتربية والبيئة، أم أنها خليط من الإثنين. إحدى الأفكار المنتشرة بين الكثيرين هي قناعة أن تشكيل صفات الطفل تقع على الوالدين بدرجة كبيرة إن لم تكن كاملة، وينتج عن ذلك طبعًا لوم الوالدين على صفات الشخص غير المرغوبة، كالانطوائية والجمود أو الحساسية، أو شعور الآباء والأمهات أنفسهم بالذنب على “تقصيرهم” في جعل الطفل بصفات أكثر فائدة وإيجابية.

في الحقيقة تعود هذه الفكرة بشكل كبير إلى المدرسة السلوكية التي هيمنت على علم النفس إلى زمن قريب جدًا، وهي التي ترى أن كل شيء هو نتيجة للتعلم والتعود فقط. وفقًا لرواد المدرسة السلوكية هذه، فإن الإنسان يولد كصفحة بيضاء تمامًا، وبالإمكان تشكيله كما نريد تمامًا حسب ما نملأ به هذه الصفحة. في هذا السياق الجريء يقول أحد أبرز رواد هذه المدرسة سكينر “اعطوني دوزينة من الرضع حديثي الولادة الصحيين، وعالما خاصا أنشئهم وأربيهم فيه، وأنا أضمن لكم أن اصنع من كل منهم أي شيء أريده.” وقد انتشرت الفكرة فعلًا بين العلماء والعامة على السواء، ربما لأنها تجعل احتمال مستقبل أفضل ممكن، فكل ما نحتاجه هو تشكيل الجيل الجديد كما نريد له أن يكون.

لكن حاليًا تراجع تأثير المدرسة السلوكية هذه كثيرًا، خاصة مع تطور الأدوات التي يمكننا بها دراسة الإنسان وتركيبه الجيني ومشاعره وطريقة عمل دماغه، ومع تراكم الأدلة الكثيرة جدا التي تثبت خطأ السلوكيين في الكثير من ادعاءاتهم إلى حد كبير. في مجال صفات الشخصية، ومدى كونها موروثة أو مُتعلمة، تم إجراء الكثير من الدراسات، وكانت معظم النتائج تشير إلى اتجاه واحد. دعونا نرى ما هي.

لنحدد أولًا ما نقصده بصفات الشخصية. صفات الشخصية هي خليط من أنماط التفكير والشعور والسلوك التي تكون ثابتة على الأغلب طوال عمر الشخص ومن الصعب تغييرها، والتي تجعل من الشخص فريدًا ومختلفًا عن الآخرين. وهي لها تأثير كبير ومهم جدًا على تصرفات الشخص وميوله ونظرته للحياة ومشاعره وأفكاره. 

للشخصية أبعاد وصفات كثيرة جدًا تختلف حسب الطريقة التي نريد بها قياسها والنظر إليها وتصنيفها، لكن أحد أهم المقاييس المعتبرة والمشهورة في قياس الشخصية هو مقياس “الخمسة الكبرى Big Five”، وأبعاده “الانفتاح” و “الانضباط” و “الوفاق” و”العصابية” و”الانبساط”. الانفتاح يقيس مقدار انفتاح الشخص على التغيير والتجارب والأفكار الجديدة أو انغلاقه عليها، والانضباط يقيس الترتيب وحب النظام أو عكسه، والوفاق يقيس قدر اللطافة في التعامل مع الناس وحب إرضائهم، والعصابية تقيس الحساسية النفسية والمزاجية وعدم الاستقرار العاطفي، أما الانبساط فيقيس قدر انطوائية أو اجتماعية الشخص. هذا باختصار شديد ومجحف بعض الشيء، لكنه كاف لشرح فكرة المقال. 

الكثير جدًا من الدراسات المتعلقة بهذه الصفات الخمسة قد أجريت، كعلاقتها بالنجاح العملي، أو خليط الصفات المناسب لكل وظيفة معينة، أو علاقة صفات معينة بميول سياسية معينة أو بروتين يومي معين وغيرها، والنتائج في كثير منها مدهشة ومثيرة حقًا، وقد نتناول بعضها في مقالات أخرى، لكن دراسة مصدر هذه الصفات أهم بكثير من كل هذه، وتبعاته كذلك مهمة جدًا. فقد يختلف تعاملنا مع الناس عندما نكتشف أن الشخص ليس بيده تحكم كبير في ميوله السياسية أو الفكرية أو طريقة عيشه أو تعامله مع الناس، وعندنا نرى أن كل ذلك محكوم أو متأثر بدرجة كبيرة بخليط صفاته الشخصية الفريد. وقد يجعلنا كذلك نتسامح مع أنفسنا ومع آبائنا، حيث ندرك أن ليس كل شيء بأيدينا، ولم يكن بأيدي آبائنا حقًا. 

في الماضي كان من الصعب الحصول على نتائج موثوقة في هذه المواضيع، والسبب غالبًا يعود إلى صعوبة القيام بدراسات نستطيع الثقة بنتائجها، فمن غير الأخلاقي مثلا إجراء تجارب على الأجنة والأطفال لتحديد ما الذي يؤثر في نشوء أو اختفاء صفة معينة، كما أن دراسة الأطفال ومقارنة صفاتهم بآبائهم وأمهاتهم لا تفيد كثيرًا؛ لأن كلا من عامل الوراثة والبيئة حاضر ولا يمكننا الفصل بينهما أو معرفة أي منهما كان السبب في ظهور صفة معينة. لو كان الطفل انطوائيًا وأمه أيضًا انطوائية مثلًا؛ فمن الممكن أن يكون سبب انطوائية الابن موروثًا من الأم جينيًا، كما من الممكن جدًا أن يكون قد تعلم أن يكون انطوائيًا منها ومن تربيتها، لذلك كان من اللازم أن نجد طريقة نستطيع الفصل بها بين عاملي الوراثة والبيئة حتى نصل إلى نتائج أكثر وضوحًا وموثوقية. وقد وجد العلماء طريقًا لذلك، كدراسة التوائم المفصولين منذ الولادة والناشئين في عوائل مختلفة، وكدراسة التركيب الجيني وتحديد الجينات المتعلقة بصفات معينة. 

في دراسات التوائم يمكننا معرفة ما إذا كان الدور الأكبر للوراثة أو للتنشئة، حيث أن التوائم المتماثلة لها نسخ جينات متطابقة 100%، بينما التوائم غير المتطابقة لها تطابق 50% تقريبًا، وهو ما يعني أن التوائم المتماثلة ستكون متشابهة في الصفات حتى وإن عاشت في عوائل مختلفة، بينما سيكون التشابه أقل في التوائم غير المتماثلة، أو في الإخوة من غير التوائم. وهذا بالضبط ما وجدته الدراسات. ففي دراسة حديثة كبرى تلخص نتائج آلاف الدراسات التي استخدمت طريقة التوائم في دول عديدة حول العالم كانت النتيجة هي أن الصفات موروثة إلى درجة 69%. طبعًا تختلف النسبة من صفة إلى صفة، ولكن هذا هو المتوسط لجميع الصفات في مجموع هذه الدراسات.  

كانت النتيجة مشابهة أيضا عند استخدام طريقة متابعة نمو الأفراد وملاحظة التغيرات في شخصياتهم، وهو ما حصل في دراسة هي إحدى أكبر الدراسات المجراة في هذا الموضوع، حيث تابعت نمو 3880 شخص من الطفولة إلى المراهقة، وقارنت العلاقة بين عناصر تربية معينة وبين صفات شخصياتهم “الخمسة الكبرى”، ووجدت أن النتائج كانت ضعيفة جدا لا تكاد تذكر. 

إذا كان الأمر يبدأ بالوراثة؛ فهذا يعني أن الطفل يكون بصفات معينة منذ الولادة، بل قبلها حتى، وهذا هو ما اختبرته بعض الدراسات التي قامت بتتبع سلوك الطفل بدءًا من قبل الولادة أو بعدها مباشرة إلى مرحلة معينة في الطفولة. كانت النتائج هنا أيضًا تدعم قوة العامل الوراثي في تشكيل الشخصية. خلاصة إحدى هذه الدراسات كانت أن الأجنة كثيرة الحركة كانت في طفولتها أكثر صعوبة في التعامل، وأقل توقعا في تصرفاتها، وأقل تأقلما، وأكثر نشاطًا. بينما قالت دراسة أخرى أن من الممكن توقع أي من الأطفال سيكون أكثر قلقا عندما يكبر من درجة انفعاليته وهو رضيع. بإمكاننا اعتبار هذه أدلة على قوة العامل الوراثي، لكن من غير المنطقي استبعاد تأثير مزاج الأم وتصرفاتها أثناء الحمل على الجنين أيضًا، فهو احتمال وارد وهناك دراسات بِشأنه كذلك. 

تختلف نسب قوة العامل الوراثي بين صفات الشخصية، لكنه بالنسبة لصفة “العصابية”، والتي تعني الحساسية العالية تجاه المؤثرات والمزاجية، يعتبر عاليًا، حيث يتراوح بين 30% إلى 60%. يعني هذا أن كثيرا من المشاكل النفسية كالقلق والاكتئاب وتقلب المزاج، وكذلك الهشاشة النفسية والحساسية تجاه الصدمات، خلفها عوامل وراثية، وهو ما يفسر اختلاف ردات الفعل للإخوة تجاه نفس الممارسات التربوية ونفس البيئة ونفس الصدمات، حيث قد ينهار أحدهم ويصبح أكثر هشاشة وضعفًا، بينما يتجاوز الآخر الصعوبات والصدمات ويصبح أقوى في مواجهة غيرها.

قد تبدو هذه النتائج بديهية بالنسبة للبعض، خاصة لمن لديهم أكثر من طفل، حيث يلاحظون الاختلافات الكبيرة بين طباع الإخوة رغم أنهم من نفس الأبوين ويعيشون في نفس البيئة. في الحقيقة فإن لدى عامة الناس معلومات دقيقة إلى درجة كبيرة بشأن أي من الصفات تكون وراثية وأيها لا تكون كذلك، وهو ما أظهرته إحدى الدراسات التي سألت أناسا عاديين أسئلة عن صفات مختلفة ووجدت أن الإجابات مقاربة لنتائج الأبحاث العلمية. يعني هذا أن بإمكاننا أن نقول أن المعرفة المتوارثة والناشئة من الخبرة من تربية الأطفال تكون دقيقة في أحيان كثيرة، وأن نظريات العلماء التي لم تثبت، كنظرية الصفحة البيضاء، هي ما يتسبب بنشر أفكار غير صحيحة بين الناس، ويجعلهم بالتالي يطبقون أساليب مضرة أو لا فائدة منها، ويلقون باللوم على أنفسهم وآبائهم على نتائج لم تكن بأيديهم. 

نستطيع أن نقول باختصار أن العامل الوراثي له التأثير الأقوى في تكوين طباعنا وأمزجتنا وصفات شخصياتنا، وهو ما يعني أن علينا أن نكون أكثر تسامحا مع أنفسنا ووالدينا ومع الناس، لكن علينا أيضًا ألا نلغي دور التربية تماما بحجة أن لا شيء بيدنا نفعله؛ فالدور الوراثي في أفضل الأحوال يؤثر بنسبة 70% فقط، مما يبقي للتربية والبيئة نسبة 30% أخرى من التأثير. قد لا تكون لدينا القدرة على التغيير الجذري، فلن نستطيع على الأغلب تغيير طبع طفل انطوائي جدا إلى اجتماعي جدا، ولكن بالإمكان التأثير عليه ليصبح أقل انطوائية مثلًا. كذلك يجب أن ننوه أن كل ما في هذا المقال متعلق بالصفات الشخصية فقط، وليس بأشياء أخرى قد يكون للبيئة والتربية تأثيرًا يصل إلى 100% فيها. 

المهم أن ندرك ونتقبل أن هناك عوامل كثيرة ليست بأيدينا كبشر، حتى يجعلنا ذلك نتقبل الاختلاف بين بعضنا، ونكون أكثر تسامحا مع الآخرين ومع أنفسنا، وألا ننسى أن هناك دائمًا مجال للتحسن، فنحن لسنا صفحات بيضاء تماما، ولا ملأى بالكتابات تمامًا، بل من الممكن القول أننا صفحات ما زال بها الكثير من المساحات للكتابة، أو الشخبطة.  

المصادر: 

  1. https://www.researchgate.net/profile/Janet-Dipietro/publication/227824550_Fetal_Neurobehavioral_Development/links/5feb546345851553a004cfcf/Fetal-Neurobehavioral-Development.pdf
  2. https://www.cambridge.org/core/journals/development-and-psychopathology/article/abs/infant-temperament-and-anxious-symptoms-in-school-age-children/773F80BE9FAEECAD2D2823E814370AB6
  3. https://www.cambridge.org/core/journals/twin-research-and-human-genetics/article/genetic-and-environmental-stability-of-neuroticism-from-adolescence-to-adulthood/4B620377343C7784699D2D41684E47AC
  4. https://online.ucpress.edu/collabra/article/7/1/29766/118998/Longitudinal-Associations-Between-Parenting-and
  5. https://www.nature.com/articles/ng.3285
  6. https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/30315376/
مع انتشار وشعبية مواضيع علم النفس بين الناس في السوشال ميديا وغيرها تنتشر كذلك الكثير من المعلومات المغلوطة أو المفهومة خطأ، أو التي لم يتوصل العلم إلى إجابة أكيدة بشأنها بعد. من أهم الأسئلة التي يحاول علماء النفس الإجابة عليها هي سؤال من أين تأتي صفاتنا الشخصية أو كيف تتشكل، وهل هي وراثية مثلًا أم تتشكل بالتربية والبيئة، أم أنها خليط من الإثنين. إحدى الأفكار المنتشرة بين الكثيرين هي قناعة أن تشكيل صفات الطفل تقع على الوالدين بدرجة كبيرة إن لم تكن كاملة، وينتج عن ذلك طبعًا لوم الوالدين على صفات الشخص غير المرغوبة، كالانطوائية والجمود أو الحساسية، أو شعور الآباء والأمهات أنفسهم بالذنب على "تقصيرهم" في جعل الطفل بصفات أكثر فائدة وإيجابية. في الحقيقة تعود هذه الفكرة بشكل كبير إلى المدرسة السلوكية التي هيمنت على علم النفس إلى زمن قريب جدًا، وهي التي ترى أن كل شيء هو نتيجة للتعلم والتعود فقط. وفقًا لرواد المدرسة السلوكية هذه، فإن الإنسان يولد كصفحة بيضاء تمامًا، وبالإمكان تشكيله كما نريد تمامًا حسب...

هذا المقال يتضمن معلومات علمية مُدققة، ومحتوى حصري لمدونة لبيه

للحصول على مزيد من المقالات ، واكمال قراءة هذا المقال. اشترك في قائمتنا البريدية
569

Book your consultation now

Find the right doctor for you or enlist the help of our team to recommend the right doctor for you.

Are you looking for distinguished psychological counseling?

Choose, through labayh, who suits you best from specialists with great experience

For companies and businesses we offer you

Staff Health and Mental Well-being Program

مختصين مقترحين لمساعدتك
Share the article
Your impression of the article
Very useful
3
Useful
-
Normal
-
Not useful
-
لماذا عليك تقبل ذاتك؟
Next article

لماذا عليك تقبل ذاتك؟

ما هو الاعتماد وما تأثيره على العلاقات؟ 
Previous article

ما هو الاعتماد وما تأثيره على العلاقات؟ 

كاتب المقال
جهاد الأماسي المقالات : 5
Related articles
لماذا أشعر بالحزن بلا سبب ؟
لماذا أشعر بالحزن بلا سبب ؟
كيف تتخلص من إدمان العادة السرية؟
كيف تتخلص من إدمان العادة السرية؟
كيف أتخلص من التفكير الزائد والتشتت؟
كيف أتخلص من التفكير الزائد والتشتت؟
الوسواس القهري في الدين وأهم أسبابه وطرق علاجه
الوسواس القهري في الدين وأهم أسبابه وطرق علاجه
مشاهدة الأفلام الإباحية وأثرها على الصحة النفسية
مشاهدة الأفلام الإباحية وأثرها على الصحة النفسية
علاج المخاوف الوسواسية
علاج المخاوف الوسواسية
هل يمكن أن يحدث التوحد عند الكبار؟ وكيف يعالج؟
هل يمكن أن يحدث التوحد عند الكبار؟ وكيف يعالج؟
كيف تتخلص من جلد الذات؟ وكيف تتعامل معه بطريقة صحيحة؟
كيف تتخلص من جلد الذات؟ وكيف تتعامل معه بطريقة صحيحة؟
6 طرق للتعامل مع الشعور بالذنب وجلد الذات
6 طرق للتعامل مع الشعور بالذنب وجلد الذات
كيف أحب ذاتي؟
كيف أحب ذاتي؟
الشعور بالنقص
الشعور بالنقص
تأثير الدورة الشهرية على الحالة النفسية للمرأة
تأثير الدورة الشهرية على الحالة النفسية للمرأة
أهم طرق علاج المخاوف المرضية وأعراضها وأسباب الإصابة بها
أهم طرق علاج المخاوف المرضية وأعراضها وأسباب الإصابة بها
علامات هامة تشير إلى أنك تعاني من اليأس والإحباط، إياك أن تهملها
علامات هامة تشير إلى أنك تعاني من اليأس والإحباط، إياك أن تهملها
5 طرائق فعّالة للتخلص من الفراغ العاطفي
5 طرائق فعّالة للتخلص من الفراغ العاطفي