في عالم يشهد تطورات تكنولوجية متسارعة، يبرز سؤال جوهري حول تأثير التكنولوجيا على حياتنا وصحتنا النفسية. هذا الزخم التكنولوجي لا يقتصر فقط على تحسين الكفاءة والإنتاجية، بل يمتد ليشمل كل جانب من جوانب حياتنا اليومية، مؤثرًا على طريقة تواصلنا، وتعلمنا، وحتى تفكيرنا. 

في هذا المقال، سنبين لك التأثير الإيجابي والسلبي للتكنولوجيا بمختلف أشكالها، وكيف يمكننا إيجاد التوازن المثالي بين الاستفادة من هذه التقنيات والحفاظ على صحتنا النفسية ضمن عالم يزداد اعتماده على التكنولوجيا يومًا بعد يوم.

ما تأثير التكنولوجيا الإيجابي على حياتنا؟

تلعب التكنولوجيا دورًا حيويًا في تشكيل معالم حياتنا اليومية، حيث تتجاوز أهميتها مجرد كونها أدوات وأجهزة نستخدمها. إنها تمثل نقطة تحول في كيفية تفاعلنا مع العالم من حولنا. 

على سبيل المثال: في مجال الاتصالات، قلّصت التكنولوجيا المسافات، ومكّنتنا من البقاء على اتصال مع الأحباء والأصدقاء في أقاصي الأرض، وأتاحت لنا فرصًا للتعاون والتعلم عبر الحدود الجغرافية.

كما أحدثت التكنولوجيا ثورة في مجال الرعاية الصحية وخاصة النفسية، من خلال تطوير أجهزة وتطبيقات تقدم تشخيصات متقدمة وعلاجات مبتكرة في مجال الصحة النفسية، مما ساهم في تحسين نوعية الحياة وزيادة متوسط العمر المتوقع. 

في الوقت نفسه، تُعد التكنولوجيا عاملاً محوريًا في النهوض بالتعليم، حيث توفر موارد تعليمية غنية ومتنوعة، وتسمح بتجارب تعليمية تفاعلية وشخصية، مما فتح آفاقًا جديدة للمتعلمين في كل مكان. بينما في السياق الاقتصادي، أدت التكنولوجيا إلى خلق فرص عمل جديدة وأسواق غير تقليدية، وساهمت في تحسين الكفاءة والإنتاجية في مختلف القطاعات.

يمكننا القول أن التكنولوجيا تعمل على تحسين جودة حياتنا بطرق لا تُعد ولا تُحصى، ولكنها تتطلب منا أيضًا الوعي والمسؤولية في كيفية استخدامها والتكيف مع تأثيراتها المتغيرة.

ما تأثير التكنولوجيا السلبي على حياتنا؟

التكنولوجيا تتطور وتتوسع دائمًا، إذ لديها القدرة على تحسين الحياة بشكل كبير، ولكن في بعض الحالات، قد تؤثر أيضًا سلبًا على الصحة الجسدية والنفسية، وإن تأثير التكنولوجيا على الصحة النفسية متعدد الأوجه ويمكن أن يكون سلبيًا بطرق مختلفة، فيما يلي بعض الجوانب الرئيسية لهذا التأثير:

1- الاكتئاب والقلق

من المعروف أن الاكتئاب يمكن أن يتطور بعد تغيير كبير في الحياة أو بعد التعرض لحدث صادم، كوفاة أحد أفراد الأسرة، أو فقدان الوظيفة، وعندها من الطبيعي تمامًا أن يشعر الشخص بالضعف، وأن يفقد الاهتمام بالأنشطة التي كان يستمتع بها في السابق، ولكن أكدّت العديد من الأبحاث أن استخدام أدوات التكنولوجيا مثل تطبيقات السوشيال ميديا له نتائج سلبية على الصحة النفسية، وأصبحت تعد من الأسباب الرئيسية للإصابة بالاكتئاب السريري.

  بينت a study نُشرت في عام 2014 أن وسائل التواصل الاجتماعي والاكتئاب قد يكونان جزءان من حلقة مدمرة، بمعنى أن الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى الاكتئاب، ومن جهة أخرى يميل الذين يعانون مسبقًا من الاكتئاب إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أكبر، ويمكن أن يرتبط ذلك بخطر تعرضهم بمستويات أشد لأعراض الاكتئاب، وهو العامل الذي يُنذر بالخطر.

2- اضطرابات النوم

يمثل تأثير التكنولوجيا على النوم أحد الجوانب السلبية التي تستحق الانتباه في عصرنا الحديث، ومع تزايد استخدام الأجهزة الإلكترونية في حياتنا اليومية، بات الكثيرون يواجهون تحديات في الحصول على نوم عميق ومريح.

السبب الرئيسي وراء هذه المشكلة يكمن في التعرض المفرط للشاشات، خاصة في الساعات التي تسبق النوم، فالضوء الأزرق الصادر من هذه الشاشات يلعب دوراً كبيراً في تعطيل الساعة البيولوجية للجسم، مما يؤدي إلى صعوبة في النوم والحفاظ عليه، إذ أظهرت a study أجريت عام 2015 أن التعرض للضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة يمكن أن يثبط الميلاتونين ويعطل ساعتك البيولوجية، وكل من هذه التأثيرات يمكن أن تجعل من الصعب النوم وتؤدي إلى أن تكون أقل نشاطًا في الصباح، وبالتالي هذا التأثير السلبي يمتد أيضاً ليشمل صحتك النفسية، لأن نقص النوم أو انخفاض جودته يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من المشكلات النفسية مثل: القلق، الاكتئاب، وصعوبة التركيز. 

3- مشاكل سلوكية وعاطفية

إن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا يمكن أن يؤدي إلى الإدمان، مما يؤثر على الأنشطة اليومية والعلاقات الاجتماعية، إذ بينت a study شملت أكثر من 1700 شخص تتراوح أعمارهم بين 19 و32 عامًا أنه عند استخدامهم لأدوات التكنولوجيا -مثل وسائل التواصل الاجتماعي- بشكل كبير شعروا بالعزلة الاجتماعية أكثر من أولئك الذين أمضوا وقتًا أقل على وسائل التواصل الاجتماعي، وأكدت الدراسة أن هناك ارتباط وثيق بين استخدام الإنترنت والاكتئاب والسلوك العدواني أو الانعزالي لدى الأفراد.

كيف يمكن تحقيق التوازن عند استخدام التكنولوجيا؟

إن تحقيق التوازن في استخدام التكنولوجيا يتطلب وعيًا وجهدًا مستمرًا، ويمكنك ذلك من خلال ما يلي:

أولاً: وضع حدود

من المهم وضع حدود واضحة لاستخدام التكنولوجيا، وهذا لا يعني فقط تقليل الوقت الذي نقضيه أمام الأجهزة الإلكترونية، بل يشمل أيضًا تحديد أوقات معينة خلال اليوم، خاصة قبل النوم، لتجنب التأثيرات السلبية على جودة النوم. 

ثانيًا: أخذ فترات راحة

من الضروري أخذ فترات راحة منتظمة من التكنولوجيا، هذه الفترات تساعد في تقليل التوتر وتعزيز الصحة النفسية، إذ يمكن استغلال هذه الأوقات في الانخراط بأنشطة خالية من أدوات التكنولوجيا، مثل: المشي في الطبيعة أو القراءة، مما يساعد على إعادة شحن الطاقة الذهنية والجسدية.

ثالثًا: ممارسة الوعي

يجب ممارسة الاستخدام الواعي للتكنولوجيا، يعني هذا التفكير بعناية في كيفية ولماذا نستخدم الأجهزة الرقمية والإنترنت، كتحديد أهداف محددة للوقت الذي نقضيه على الإنترنت، مثل: التحقق من البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي في أوقات محددة فقط، يمكن أن يساعد ذلك في تجنب الاستخدام المفرط وغير المنتج.

من المهم الاعتراف بأنه في بعض الأحيان قد يكون من الصعب إدارة استخدام التكنولوجيا بمفردنا. في هذه الحالة، يجب ألا نتردد في طلب المساعدة من متخصصين في الصحة النفسية. سواء كان ذلك من خلال العلاج التقليدي أو الدعم الرقمي، وهنا يمكنك التواصل مع معالجي لبيه النفسيين لتقديم استراتيجيات وأدوات للتعامل مع التحديات التي قد تنشأ من استخدام التكنولوجيا، ويمكنك ذلك من خلال تحميل تطبيق لبيه.

المراجع:

1

2

3