نشعر جميعًا بالحزن الشديد عند خسارة شخص عزيز ومهم في حياتنا، ويُهيج ذلك فينا مشاعر كثيرة من الحزن والغضب والشوق والألم، ومهما شعرنا بالقوة والثبات تبقى حادثة الوفاة تجربة صعبة تتعبنا وتؤثر على نواحٍ عدة من حياتنا. 

مع ذلك ومهما كان ذلك صعبًا علينا استجماع قوتنا ومحاولة البقاء ثابتين، فالحياة مستمرة والموت ليس نهاية العالم. في هذا المقال نصائح وطرق مفيدة للتعامل مع صدمة وفاة شخص عزيز.

ما هو تأثير الحزن الشديد على صحتك؟

إن خسارة شخص عزيز هي بلا شك واحدة من أصعب التجارب التي قد تمر بها في حياتك، والتي تنعكس سلبًا على صحتك الجسدية وتسبب لك التعب والصداع والأرق والإمساك والإسهال وألم في الصدر والعضلات والمفاصل وتغيرات في الوزن، وتزداد مع الوقت شدة هذه الأعراض، وقد تتحول لاحقًا إلى أمراض خطيرة مثل: أمراض القلب والسرطان والاكتئاب وارتفاع ضغط الدم.

يزيد الحزن معدل الالتهاب في الجسم، والذي بدوره يضعف جهاز المناعة ويقلل من قدرته على مواجهة المرض، ما يؤدي إلى زيادة الإصابة بالرشح والبرد وأمراض الجهاز التنفسي، وهذا الالتهاب قد يكون واحدًا من الأسباب التي تقود إلى الأمراض القلبية والجلطة والوفاة.

 إن استمرار الأعراض السابقة لأكثر من سنة وزيادة تأثيرها على حياتك اليومية، يسبب ما يسمى اضطراب الحزن المطول الذي يعاني منه 7-10% من البالغين خلال فترة الحزن، وتزداد هذه النسبة في حال كانت الوفاة صادمة ومفاجئة، بالإضافة إلى أن البالغين والنساء وذوي الدخل المنخفض هم أكثر عرضة لإظهار الأعراض الجسدية خلال الأشهر الأولى من الوفاة.

ما أهم تأثيرات الحزن على صحتك النفسية؟

قد تُسبب صدمة خسارتك لشخص عزيز العديد من الاضطرابات النفسية، فهناك علاقة وطيدة بين الحزن الذي تعيشه والعديد من الأمراض النفسية، ويتضاعف احتمال الإصابة عند الأشخاص في عمر الثلاثين أو أكبر، بالإضافة إلى عوامل أخرى تزيد فرص الإصابة مثل: جنس المريض وثقافته وحالته الاجتماعية، ومن أهم الاضطرابات والمشاكل النفسية التي يسببها الحزن:

الاكتئاب: يعتبر بحسب الدراسات (Biondi.1996) اضطرابًا شائعًا خلال الأشهر الأولى من الفاجعة، وبالرغم من أن أعراضه غالبًا ما تكون عابرة ومحدودة إلا أنه قد يكون شديدًا عند بعض الأشخاص خلال فترة الحزن الأولى، وأشارت الدراسة إلى أن الفقد والفجيعة واحدة من عوامل الخطورة للإصابة بالأمراض النفسية والجسدية التي يزداد التعرض لها خلال أول عامين من الحادثة.

اضطراب القلق: بينت a study (Zisook.1990) أن القلق من الأعراض الشائعة خلال فترة الحزن، ويستمر على الأقل لخمسة أو سبعة أشهر بعد الحادثة، وينتشر في أعمار صغيرة وعند النساء وذوي الدخل المادي المنخفض وفي حال غياب الدعم والمساندة الاجتماعية والوفاة المفاجئة لشخص عزيز، فجميعها تشكل عوامل خطورة للإصابة باضطراب القلق في أول شهرين من الفاجعة.

اضطراب ما بعد الصدمة: وهو الأكثر مشاهدة بين الفئات العمرية المختلفة مقارنة مع باقي الاضطرابات التي تصيب الفئات العمرية الأكبر أكثر من غيرها. وبحسب الدراسة (Tofthagen.2022) إن هذا الاضطراب يصيب نحو 25% من البالغين، ويرتبط بالعديد من المشاكل النفسية مثل: الوحدة والعزلة الاجتماعية والقلق والاكتئاب وغيرها، ويؤثر بدوره على الصحة الجسدية ويسبب تغيرات في النوم ومشاكل في المناعة وأمراض التهابية.

وبالرغم من أن نسبة إصابة الأشخاص بمرض نفسي لأول مرة في عمر متأخر نادرة إلا أنها شائعة عند تعرضك لفاجعة وفاة شخص عزيز، لأن التعرض لصدمة وفاة شخص عزيز في عمر متأخر يؤثر بشدة على مشاعرك وتفكيرك، وحتى عند البالغين الذين ليس لديهم سوابق اضطرابات نفسية إلا أنهم معرضون لظهور اضطرابات نفسية قد تؤدي إلى إعاقات معينة.

نصائح تساعدك على التعامل مع صدمة الوفاة

تُوَّلد وفاة شخص عزيز حزنًا عميقًا ومشاعر من الغضب والحزن والضياع، وستحتاج بعدها وقتًا طويلًا لتتأقلم مع الحياة من جديد، لذا عليك أن تكون صبورًا مع نفسك وتطلب الدعم والمساندة ممن حولك خلال هذه المرحلة، بالإضافة إلى اتباعك النصائح التالية التي تساعدك على تجاوز هذه المرحلة:

1- المشاركة في العزاء

فهذه الأوقات تجمعك بمحبيك والأشخاص الداعمين لك، وهو الأمر الذي يساعدك على تجاوز الأيام الأولى من الوفاة، فالبقاء مع أشخاص تعلم محبتك الكبيرة للفقيد تريحك كثيرًا وتخفف عنك. كما أن التحدث مع صديق مقرب عن مشاعرك وما تمر به من حزن وألم يساعدك على فهم ما تمر به، لأن العزلة والتهرب من الحزن سيزعجك ويؤخر فترة تعافيك مما تمر به من أسى ووجع.

2- إيجاد طريقة مناسبة للتعبير عن مشاعرك

فالحديث مع غيرك ليس الحل الوحيد دائمًا، فقد تكون الطريقة المناسبة لك هي كتابة ما تشعر في يومياتك أو في قصيدة أو أغنية تعبر فيها عن امتنانك لوجوده في حياتك وأهميته بالنسبة لك وتأثيره عليك، فأحيانًا يكون التعبير على الورق أفضل بكثير من الكلام.

3- لا تمنع نفسك من البكاء وتقبل مشاعر الحزن والغضب

فجميع هذه المشاعر طبيعية، وتقبل هذه المشاعر أفضل بكثير من مقاومتها والمضي في حياتك قبل أن تشعر أنك جاهز لذلك؛ لذا خذ كل ما تحتاج من وقت وتأكد من أنك تستطيع التعافي والوصول إلى مرحلة أفضل، وذلك لا يعني أنك نسيت الفقيد لكنك بحاجة إلى المضي في حياتك والاستمرار بها.

4- العناية بنفسك وبعائلتك جيدًا

تناول طعامًا صحيًّا ومارس الرياضة واحصل على قسط كافٍ من النوم، لأن ذلك يدعم صحتك الجسدية والنفسية، فالحزن الشديد يأخذ من طاقتك ويتعبك؛ لذا عليك أن تضمن أنك تنتبه إلى نفسك ومن حولك، واتباع خطوات صحية جيدة للحفاظ على صحتك.

5- حاول تذكر من تحب بطريقة تريحك وتفيد من حولك

مثل التبرع للفقراء أو الجمعيات الخيرية حين تتذكر الشخص المُتوفى أو فتح مشروع خيري باسمه والدعاء له، فمهما كانت الطريقة التي ستختارها بسيطة تأكد من أنها ستكون مناسبة لك وتساعدك على تقدير العلاقة الفريدة التي كانت بينك وبينه.

خذ وقتك في التعافي، لأنك ستحتاج مدة لتستطيع الاستمرار في حياتك كما كانت، والأفضل وجود الدعم المناسب حولك، والذي قد يكون من العائلة أو الأصدقاء. 

يمكنك التواصل مع معالجك النفسي عبر تطبيق لبيه والاستفادة من خبرته الواسعة لتخطي هذه المرحلة بطريقة مناسبة لك ومريحة.

الدراسات

Biondi M, Picardi A. Clinical and biological aspects of bereavement and loss-induced depression: a reappraisal. Psychother Psychosom.1996;65(5):229-45.

 Zisook S, Schneider D, etc. Anxiety and bereavement. Psychiatric Med.1990;8(2):83-96.

Tofthagen C. Complicated grief with post-traumatic stress disorder addressed with accelerated resolution therapy: case discussion. Omega(Westport).2022;85(2):455-464.