صدمات الحروب وطرق التعافي منها
تهيمن الحروب على العالم وتترك آثارًا عميقة على الأشخاص والمجتمعات، إذ تعد صدمات الحروب من أقسى التجارب التي قد يمر بها الإنسان، والتي قد تُخلف نتائج سلبية طويلة الأمد على الحياة الشخصية، مع ذلك؛ فهناك طرق مهمة للتعافي من هذه الصدمات، وتساعد على المضي قدمًا بهدف استعادة الأمل والاستقرار بعد الحروب.
في هذا المقال سنقدم بعضًا من أهم طرق التعافي من صدمات الحروب، وكيف يمكن للأشخاص والمجتمعات التغلب على آثارها المدمرة.
ما هي صدمات الحروب؟
غالبًا ما تُعتبر صدمة الحرب أمرًا يعاني منه الأشخاص في المناطق التي تتعرض للحروب والنزاعات المسلحة، وتشمل صدمات الحروب تجارب قاسية مثل: العنف والفقدان والتشرد والتهديد المستمر للحياة، وقد تؤثر صدمات الحروب على المدنيين والعسكريين المتمركزين في القتال المباشر وعلى المجتمعات بشكل عام.
يمكن أن تؤدي صدمات الحروب بشكل أساسي إلى اضطرابات نفسية شديدة مثل: اضطراب ما بعد الصدمة، فقد بينت دراسة (Kessler RC et al., 2017) شارك فيها 71083 شخص من الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا، والذين كانوا تحت المراقبة لمدة 12 شهرًا و 30 يومًا، أن معدل انتشار اضطراب ما بعد الصدمة كان مرتفعًا تبعًا لمستوى حالة البلد التي يعيش فيها المشاركون؛ إذ ارتبط ارتفاع معدل اضطراب ما بعد الصدمة بشكل خاص في البلدان التي تتعرض للحروب والنزاعات.
لذا فإن صدمات الحروب تؤثر على العلاقات الاجتماعية، والهوية الشخصية، والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، ويعد فهم التعامل مع صدمات الحروب أمرًا هامًا لتعزيز عملية التعافي وإعادة بناء الحياة في المجتمعات المتضررة.
ما هي الآثار النفسية المترتبة على صدمات الحروب؟
الحروب والصراعات المسلحة يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للأشخاص والمجتمعات على المدى البعيد، كما وتختلف هذه الآثار من شخص لآخر، وتتأثر بالعديد من العوامل الأخرى مثل: الدعم الاجتماعي المتاح والظروف المحيطة، وفيما يلي بعض الآثار النفسية الشائعة:
- اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD): يعاني العديد من الأشخاص الذين يعيشون في بلدان تتعرض للحروب من اضطرابات ما بعد الصدمة، والذي يتميز بالأفكار المؤلمة المتكررة والذكريات المؤلمة للحرب، والكوابيس، والقلق الشديد، والاستجابة المفرطة للمؤثرات التي تذكرهم بالحرب.
- الاكتئاب والقلق: يمكن أن تؤدي الحروب إلى زيادة ملحوظة في معدلات الاكتئاب والقلق في المجتمعات المتضررة. يشمل ذلك الشعور بالحزن المستمر، وفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية، والتوتر المستمر، والهموم الزائدة، ففي دراسة (Sondorp E,2008) شملت 1210 من النازحين البالغين المتعرضين للحرب في أحد البلاد، إذ تم قياس مستويات التعرض للاكتئاب نتيجة للأحداث المؤلمة، وبينت النتائج أن أكثر من ثلثي المشاركين أي (67%) استوفوا معايير أعراض الاكتئاب الشديد.
- الاضطرابات النفسية الأخرى: يمكن أن تتسبب الحروب في ظهور مجموعة متنوعة من الاضطرابات النفسية مثل: اضطرابات الهلع، واضطرابات النوم، واضطرابات الأكل، واضطرابات شخصية.
ما هي طرق التعافي من صدمات الحروب؟
إن طرق التعافي من صدمات الحروب ليست محددة وتعتمد على الظروف الفردية والثقافية لكل شخص، ومن المهم أن يتم توفير الدعم المناسب والرعاية الصحية للأشخاص المتأثرين بصدمات الحروب، وذلك من خلال فرق الرعاية الصحية النفسية والمؤسسات ذات الصلة في المجتمع، وفيما يلي أهم الطرق للتعافي من صدمات الحروب:
الدعم الاجتماعي
إنّ الحصول على الدعم الاجتماعي مهم جدًا في عملية التعافي، ويمكن أن يشمل ذلك الحديث والتواصل مع أفراد الأسرة والأصدقاء المقربين، والبحث عن دعم في المجتمع المحلي أو الانضمام إلى مجموعات دعم نفسية؛ إذ يمكن للدعم الاجتماعي أن يساعد في تخفيف الضغط النفسي وتعزيز الشعور بالانتماء والقدرة على التكيف وتفريغ المشاعر السلبية والذكريات المؤلمة.
العلاج النفسي
يلعب العلاج النفسي دورًا حاسمًا في علاج صدمات الحروب ومساعدة الأشخاص على التعافي منها بشكل فعال؛ إذ يهدف العلاج النفسي إلى مساعدة ضحايا الحروب والنزاعات على معالجة الصدمات النفسية والعاطفية التي نتجت عن تجارب الحرب القاسية، وهناك عدة تقنيات متبعة في العلاج النفسي والتي تُستخدم في علاج صدمات الحروب، بما في ذلك:
- العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy – CBT): يستخدم العلاج السلوكي المعرفي لمساعدة الأشخاص على التعرف على الأفكار السلبية والذكريات التي تسبب لهم الألم بعد تعرضهم لمشاهد الحرب، وخلاله يتم تعليم الأشخاص استراتيجيات لتغيير الأفكار السلبية وتطوير مهارات التكيف الصحية؛ ففي دراسة (Bernardy N et al., 2007) شملت 277 محارب يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة نتيجة آثار الحرب القاسية، والذين خضعوا للعلاج السلوكي المعرفي لمدة طويلة، بينت نتائج الدراسة انخفاضًا ملحوظًا في أعراض اضطراب ما بعد الصدمة وتحسن نوعية الحياة لديهم.
- العلاج بحركة العين EMDR: يعتبر EMDR تقنية فعالة في علاج اضطرابات صدمات الحروب، يشمل العلاج تتبع حركة العين لتقليل شدة العواطف الناتجة عن الذكريات المؤلمة، حيث يقوم اختصاصي المعالجة بهذا المنهج بتحريك أصبعه في اتجاهات مختلفة أمام عين الشخص عندما يتذكر الأحداث الصادمة التي مرت به.
الرعاية الذاتية
تتضمن الاهتمام بالصحة الجسدية والنفسية معًا، كتلبية الاحتياجات الأساسية للصحة من خلال الحفاظ على نمط حياة صحي، وممارسة التمارين الرياضية المنتظمة، والحصول على قسط كافٍ من النوم، وتناول طعام متوازن، والاسترخاء والتأمل.
لا شك أن للحروب والنزاعات آثار كبيرة على مختلف الأشخاص بدءًا من الأطفال حتى البالغين، لذا فإن اتخاذ الإجراءات اللازمة لعلاج هذه الآثار له دور أساسي في تخطي الصدمة، ويمكنك ذلك من خلال تحميل تطبيق لبيه، إذ يتم توفير العلاج النفسي من قبل محترفين مؤهلين ومدربين في مجال الصحة النفسية، وذلك عبر تنظيم جلسات محددة مع المعالج النفسي، يتم فيها استكشاف التجارب والمشاعر والأفكار المرتبطة بالحرب، والعمل على تطوير استراتيجيات إيجابية للتعامل معها والتعافي منها.
المراجع
1- Koenen KC, et al. Posttraumatic stress disorder in the World Mental Health Surveys. Psychol Med. 2017 Oct;47(13):2260-2274. doi: 10.1017/S0033291717000708.
2- Roberts B, et al. Factors associated with post-traumatic stress disorder and depression amongst internally displaced persons in northern Uganda. BMC Psychiatry. 2008 May 19;8:38. doi: 10.1186/1471-244X-8-38.
3- Schnurr PP, et al. Cognitive behavioral therapy for posttraumatic stress disorder in women: a randomized controlled trial. JAMA. 2007 Feb 28;297(8):820-30. doi: 10.1001/jama.297.8.820.