يحتاج جسم الإنسان للتدريب والرياضة ليبقى بصحة جيدة ويحافظ على شكله الجيد، والعقل مثل الجسم يحتاج إلى التمرن بشكل منتظم لتنشيطه وإبقائه بصحة جيدة، فالعقل السليم والذي يتم تمرينه بشكل منتظم يتميز بالحدة والذكاء، وأفضل طريقة لتمرين العقل هي حل الألغاز الصعبة والقيام بالتمارين العقلية التي تعزز من التركيز والذكاء.

لقد كانت الألغاز جزءاً من الثقافة الإنسانية لعدة قرون، وكان البشر ينجذبون دائماً إلى الألغاز الصعبة من أجل العثور على التحدي والحصول على الرضا والراحة النفسية، لكن كيف يمكن أن يكون لحل الألغاز آثار إيجابية على الدماغ؟

في هذا المقال سوف نتعمق حول حل الألغاز ونستكشف بعض الأسباب التي تجعل الناس مفتونين بالألغاز الصعبة.

هل من المهم أن تدرب عقلك؟

ينصح العديد من الأطباء والمعالجين النفسيين بحل الألغاز الصعبة وممارسة التمارين العقلية لعدة أسباب:

• يمكن أن تساعد في زيادة التركيز واليقظة وتحسين الذاكرة.
• قادرة على جعلك أكثر وعياً بمحيطك وذا حضور أقوى في حياتك اليومية.
• تشير بعض الأبحاث إلى أن التمارين العقلية قد تبطئ أو تؤخر التدهور المعرفي والخرف المرتبط بالعمر.

من المرجح أن تشعر بالتشتت أو صعوبة في التركيز عندما تبدأ في حل الألغاز، أو ربما قد تعاني من النسيان في بداية الأمر، لكن التمرين المستمر والحفاظ على ذهنك منفتحاً لما حوله سيساعدك مع مرور الوقت، الأمر مشابه لتمرين العضلات واكتساب القوة الجسدية، أي أنك لن تستطيع امتلاك القوة والصحة الجسدية دون الاستمرار في ممارسة التمارين الرياضية.

هل التمارين العقلية هي الطريقة الوحيدة لتنشيط العقل؟

إلى جانب الألغاز الصعبة والتمارين العقلية فهناك طريقة أخرى لتحدي عقلك، وهي تغيير روتينك أو مهامك المعتادة، بالإضافة إلى أنك ستحتاج إلى تحدِ جانبي عقلك، فمن المعروف أن الدماغ الأيسر يؤدي المهام المتعلقة بالمنطق، مثل العلوم والرياضيات، والجانب الأيمن يؤدي المهام الحسية والإبداعية.

وبهذا يمكنك أن تدرب الجانب الأيسر من دماغك بواسطة بعض الألعاب مثل: السودوكو والألغاز، أما إذا كنت تريد تقوية الجانب الأيمن من دماغك، ستحتاج إلى الحفاظ على ذكائك العاطفي حاداً من خلال الانخراط في محادثات تثير فيها مشاعر الآخرين وتتناغم مع هذه المشاعر.

يمكنك أيضًا تجربة بعض الهوايات التي تساعد في تدريب كلا الجانبين مثل:

• التلوين.
• التصوير.
• الكتابة الإبداعية.
• عزف الموسيقى أو تعلم العزف على آلة موسيقية.

كيف تختلف الألغاز عن معظم أشكال اللعب؟

تتواجد الألعاب بأشكال مختلفة وعديدة، وتتميز بطرق وتقنيات لعب تختلف من لعبة لأخرى، وهي غالباً ما تتميز بمناخ مفتوح فيما يتعلق بالأهداف والأساليب المتبعة، فالألعاب تهتم بالطريقة التي يفكر بها اللاعبون ومشاعرهم أثناء ممارستهم للألعاب، ولا تعطي أهمية كبيرة للنهايات وكيفية إنهاء الشخص للعبة.

أما الألغاز والتمارين العقلية تعطي حرية محدودة حول طريقة وأسلوب الحل، فالألغاز الصعبة في أساسها تشبه اللوحة التي تقوم بتحريك الأشخاص داخلها في اتجاهات محددة وواضحة، الحيرة تدفع الأشخاص لسلوك الطريق الذي يفرضه اللغز لكنها تساعدهم في الوصول لحدود تفكيرهم والتحسين من كيفية تفاعلهم مع الاحتمالات والتصرف تبعاً لها.

الجدير بالذكر أن الألغاز تمتلك حلاً واحداً فقط في معظم الأوقات، أي أنها تعتمد على المنطق وكيفية التعامل معه للحصول على الحل المناسب، ويجب على المرء تقبل هذه الحقيقة للحصول على الحل، وبتعريف أكثر دقة، يفرض اللاعبون المنطق وطريقة التفكير الخاصة بهم على الآخرين، بينما يقوم الأشخاص الذين يحلون الألغاز بتكييف المنطق الخاص بهم مع المنطق الخاص باللغز.

لماذا يحب الناس حل الألغاز وممارسة التمارين العقلية؟

يوجد عدة أسباب تجعل الناس مفتونين بألعاب الذكاء والتمارين العقلية، وبعض أبرز هذه الأسباب هي:

التحدي والمكافأة

أحد الأسباب الأساسية للوقوع في حب الألغاز الصعبة هو التحدي الذي تمثله، فالعثور على حل اللغز يحتاج تفكيراً نقدياً ومهارات حل المشاكل وبعض الإبداع في معظم الأحيان، وكلما كان اللغز أكثر صعوبة كلما زاد الشعور بالفرحة والإنجاز عند العثور على حلها في النهاية، يرتبط هذا الشعور بالإنجاز بشكل وثيق بنظام المكافأة في أدمغتنا.

عندما نحل لغزاً ما يفرز دماغنا الدوبامين، وهو ناقل عصبي مرتبط بالمتعة والمكافأة، يعزز اندفاع الدوبامين السلوك المصاحب لممارسة الألغاز ويجعلنا أكثر عرضة للبحث عن تحديات مماثلة في المستقبل، يمكن القول بأنه إدمان إيجابي.

التحفيز العقلي والتمرين

يمكن أن يؤدي الانخراط في الأنشطة التي تتطلب القدرة على حل المشكلات والتفكير النقدي كحل الألغاز؛ إلى تحسين الوظائف المعرفية مثل: الذاكرة والانتباه والتفكير.

أظهرت الأبحاث أن الانخراط بانتظام في أنشطة تحفز أدمغتنا مثل الألغاز، يمكن أن يقلل من خطر التدهور المعرفي وبعض الاضطرابات العصبية كمرض الزهايمر.

الشعور بالسيطرة والإتقان

توفر الألغاز إحساس التحكم والإتقان في مهمة أو تحدٍ ما، في عالم مليء بالأحداث غير المتوقعة والظروف التي لا يمكن السيطرة عليها، يمكن لحل الألغاز أن يمنحنا شعوراً بالقوة والسيطرة على القطع والقواعد.

يمكن أن يكون هذا الشعور بالسيطرة مريحاً بشكل خاص في الأوقات التي نعاني فيها من التوتر، نستطيع الهروب من فوضى العالم الخارجي والتركيز على شيء في متناول اليد، وقد تصبح عملية حل اللغز مع مرور الوقت شكلاً من أشكال التأمل، مما يسمح لنا بالاسترخاء واستعادة الشعور بالتوازن.

متعة الاكتشاف

البشر لديهم فضول فطري وتعطش للمعرفة، غالباً ما يتضمن حل اللغز الكشف عن الأنماط المخفية وإجراء الاتصالات واكتشاف حلول جديدة، إن لحظة العثور على الحل وعندما يصبح كل شيء في مكانه والحل واضحاً، هي لحظة مُرضية بشكل لا يصدق، تقوم الألغاز على استغلال رغبتنا الطبيعية في الاستكشاف والتعلم، ويصبح كل لغز قمنا بحله بمثابة انتصار صغير في السعي المستمر للمعرفة والفهم.

هل تساعد الألغاز والتمارين العقلية في تحسين الصحة النفسية؟

يمكن أن تكون الألغاز أداة علاجية رائعة للتحسين من الصحة النفسية لأي شخص، لأن حل الألغاز كما ذكرنا سابقاً يساعد في التقليل من التوتر والقلق وتحسين الحالة المزاجية وتوفير الشعور بالاسترخاء، يمكن أن تكون الألغاز أيضاً طريقة رائعة لممارسة اليقظة الذهنية، لأنها تتطلب التركيز على اللحظة الحالية والتخلص من المشتتات.

إن حبنا للألعاب التي تتطلب التفكير متجذر بعمق في رغبتنا في التحدي والمكافأة والتحفيز الذهني والسيطرة، ويبقي أدمغتنا حادة ورشيقة، بالإضافة إلى أن حل الألغاز يقوم بتغذية فضولنا وتعطشنا للمعرفة، مما يولد مشاعر الرضى والفرح بعد كل لغز يتم حله، وبالتالي يمكن القول بأن الألغاز الصعبة تقوم فعلاً بتحسين صحتك النفسية بالإضافة لإبقائك يقظاً وحاد التفكير والانتباه.

المراجع: 1،2،3