الوسواس القهري: حقائق وخرافات شائعة
من الشائع أن يقوم بعض الأشخاص بتفقد باب منزلهم للتأكد من إقفاله أو تفقد الفرن أكثر من مرة للتأكد من أنه مطفأ أو ارتداء لباس معين في يوم الامتحان، تعدُّ الحالات السابقة نوعًا من العادات والطقوس التي تجعل الأفراد يشعرون بالأمان بشكل أكبر، وقد تكون هذه التصرفات طبيعية ولا تشير لوجود أي اضطراب أو مشكلة.
لكن الوسواس القهري يتجاوز ذلك كله، لأن الشخص المصاب بالوسواس القهري يشعر بأنه مجبر على ممارسة عادات معينة بشكل متكرر أو روتيني حتى في حال لم يكن يرغب بذلك، وحتى إن كانت هذه العادات تسبب تعقيدات ومشاكل غير ضرورية في حياة المريض.
ما هو الوسواس القهري؟ وما أعراضه؟
يشير مصطلح اضطراب الوسواس القهري OCD إلى أفكار متكررة غير مرغوب بها (وساوس) ورغبات شديدة غير منطقية أو مبررة للقيام بأفعال معينة (أفعال قهرية).
على الرغم من أن المصابين بالوسواس القهري يعلمون بأن أفكارهم وسلوكهم غير منطقيَين لكنهم غير قادرين على إيقافها. تستمر الأفكار الوسواسية والسلوك القهري المرتبطة باضطراب الوسواس القهري أكثر من ساعة بشكل يومي وتؤثر على حياة المريض اليومية وإنتاجيته في العمل والدراسة وفي علاقاته العائلية والاجتماعية.
الوساوس: وهي أفكار مزعجة أو دوافع تحدث بشكل متكرر، يحاول الشخص المصاب باضطراب الوسواس القهري تجاهل أو قمع هذه الوساوس، ولكنه قد يشعر بالخوف من أن تكون هذه الأفكار حقيقية أو يخاف من تأثيراتها الحالية والمستقبلية.
يمكن أن يزداد القلق والتوتر المرافقين لقمع الأفكار والوساوس، ما يجعل الشخص ينخرط في أفعال قهرية للتقليل من قلقه.
السلوك القهري: أفعال متكررة تريح المريض من التوتر والقلق الناتجَين عن الوساوس، وغالبًا ما يعتقد الناس الذين يقومون بسلوك قهري أن ممارسة هذا السلوك أو الطقس يمنع حدوث أمور سيئة.
ما الأسباب والعوامل التي تؤهب للإصابة بالوسواس القهري؟
إن السبب الرئيسي للوسواس القهري غير معروف بدقة حتى الآن، ولكن الباحثين يعتقدون أنَّ مناطق محددة من الدماغ لا تستجيب بشكل طبيعي لمادة السيرتونين التي تستخدمها الخلايا العصبية للتواصل مع بعضها، ويُعتقد أيضًا أن هناك دور للمورثات أيضًا، ففي حال كان أحد أفراد العائلة من الدرجة الأولى مصابًا بالوسواس القهري، توجد فرصة 25% أو أكثر لإصابة شخص آخر من أفراد العائلة.
تزداد شدة الأعراض غالبًا في حالات التوتر سواء كان سببه مشاكل دراسية أو مشاكل في العمل أو في العلاقات الشخصية أو بسبب مواقف وتغيرات حياتية مهمة. كما يمكن مشاهدة حالات من الوسواس القهري تترافق مع مشاكل أخرى مثل:
- اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط عند الأطفال.
- متلازمة توريت.
- اضطراب الاكتئاب الكبير.
- اضطراب القلق الاجتماعي.
- اضطرابات الطعام.
يتم تشخيص الوسواس القهري من قبل أخصائي أمراض نفسية عبر إجراء عدة جلسات، ومن أكثر الأدوات استخدامًا لهذا الغرض هو مقياس يل – براون للوسواس القهري Y-BOCS والذي يقيم مجموعة متنوعة من أشيع الوساوس والأفعال القهرية بالإضافة إلى تحديد مدى تأثير الأعراض على المريض وعلى حياته الشخصية والعملية.
حقائق وخرافات شائعة عن الوسواس القهري
على الرغم من أن اضطراب الوسواس القهري من أكثر الأمراض النفسية انتشارًا، فإن فقط قلة من الأفراد يعرفون كيفية التفريق بين الحقائق والخرافات فيما يتعلق بهذا الاضطراب النفسي. يُساء فهم العديد من مرضى الوسواس القهري ومعاناتهم مع هذا المرض التي يمكن أن تؤثر سلبيًا على حياتهم في المنزل والعمل وعلى علاقاتهم. وفيما يلي مجموعة من أهم الخرافات حول الوسواس القهري مع الرد العلمي المناسب عليها:
خرافة: يحب المصابين باضطراب الوسواس القهري إبقاء أشيائهم مرتبة ومنظمة
الرد العلمي: من منا لم يسمع أحدًا يقول مازحًا إنه يعاني من وسواس أثناء ترتيبه لمكتبه أو تنظيفه لغرفته، والحقيقة أن هذه السلوكيات شائعة جدًا وتعتبر طبيعية. أما الوسواس القهري فهو اضطراب نفسي يتميز بمستويات عالية من القلق والانزعاج النفسي والعاطفي، قد يعاني المصاب بالمرض من هوس النظافة لكنه لا يستمتع بهذا الهوس، فهو يبقي أشياءه نظيفة ومرتبة لأنه في حال لم يقم بذلك فسيعاني من قلق شديد، بمعنى آخر هو مجبر على هذه الأفعال. ويجب التنويه أيضًا إلى أن هوس ترتيب الأشياء غير موجود عند كلِّ المصابين بالوسواس القهري.
خرافة: يتمحور الوسواس القهري حول النظافة وغسل اليدين المتكرر ورهاب الجراثيم
الرد العلمي: الوسواس القهري هو اضطراب متنوع المنشأ، بمعنى آخر، يظهر بشكل مختلف عند كل فرد، في الواقع يعاني قسم صغير فقط من المصابين بالوسواس القهري من رهاب الجراثيم أو من سلوكيات مرتبطة بالنظافة. تتضمن المخاوف الشائعة أو الوساوس عند مرضى الوسواس القهري:
- الخوف من الجراثيم أو العدوى.
- الخوف من ارتكاب المحرمات الأخلاقية والاجتماعية.
- الخوف من إيذاء النفس أو الآخرين.
- الخوف من موت شخص مقرب.
- الخوف من أرقام أو ألوان أو كلمات معينة.
- مخاوف مرتبط بالجنس.
يلجأ المصابون بالوسواس القهري لبعض الأفعال أو الطقوس المعينة للتقليل من القلق المرتبط بالوساوس التي يعانون منها، تدعى هذه الطقوس بالأفعال القهرية، ومن أشيعها:
- العد.
- تكرار حركات معينة.
- غسل اليدين المتكرر.
- التنظيف الزائد والمبالغ فيه.
- ترتيب أو تنظيم الأشياء بالطريقة “الصحيحة”.
- تخزين الأشياء والاحتفاظ بها لفترات طويلة.
- النقر أو لمس الأشياء المتكرر.
تتنوع هذه الأعراض بين الأفراد ويمكن أن تتغير لدى المريض نفسه خلال مسيرة حياته.
خرافة: يمكن تمييز المصابين بالوسواس القهري بسهولة
الرد العلمي: على الرغم من شيوع هذه الفكرة لكنها خاطئة بالتأكيد، جميعنا صادف العديد من المصابين بالوسواس القهري دون أن يلاحظ ذلك، لأنهم قادرون على إخفاء أو قمع أعراضهم في الأماكن العامة خاصة إذا كانوا يتلقون العلاج الصحيح والملائم.
بالإضافة لذلك يوجد نوع من مرضى الوسواس القهري لا يظهرون أي سلوك قهري واضح حتى عندما يكونون لوحدهم وتسمى هذه الحالة اضطراب الوسواس القهري النقي (Pure-O)، وهو أحد أنواع الوسواس القهري الذي يمارس فيه المريض السلوك القهري غالبًا داخل عقله، ولا يعرف المصابون غالبًا أنهم مصابون بالوسواس القهري لأن أعراضهم لا تتوافق مع الأعراض التقليدية للمرض.
خرافة: المصابون بالوسواس القهري ضعيفو الإرادة ولا يحتاجون سوى للراحة
الرد العلمي: بالنسبة للشخص السليم تبدو الأعراض المرتبطة بالوسواس القهري بسيطة ومثيرة للسخرية، وتبدو الحلول واضحة بالنسبة له مثل:
- فقط توقف عن غسل يديك.
- اهدأ لن يحدث أي شيء سيئ.
- الموقد مطفأ لا داعي لأن تتفقده مرة أخرى.
- لماذا لا تستطيع أن تتخلص من كل هذه الخردة عديمة النفع؟
- ألا يمكنك أن تكون واقعيًا؟
والحقيقة أن الوساوس القهري ليس نزوة شخصية بل هو اضطراب نفسي يحتاج لعلاج طويل، ويرتبط بخلل وظيفي في بعض النواقل العصبية المهمة، ما يجعل من الصعب أو حتى من المستحيل مقاومة ومحاربة الوسواس القهري دون علاج مناسب. يمكن استخدام بعض أنواع مضادات الاكتئاب لاستعادة وظائف هذه المناطق الدماغية وتخفيف بعض الأعراض، كما يمكن تدريب المصابين عبر تقنية الوقاية بالتعرض والاستجابة ERP والتي يمكن أن تساعدهم على تدريب عقولهم على الاستجابة بشكل أقل شدة لمثيرات القلق.
وعلى الرغم من كل ما سبق، يبقى الوسواس القهري حالة مزمنة يمكن أن تلازم الفرد طيلة فترة حياته، لذلك في المرة القادمة التي تسمع فيها أحدًا يتحدث عن واحدة من الخرافات الشائعة حول الوسواس القهري، قم بإطلاعه على الحقائق ولا تدع هذه الخرافات تنتشر لتسبب أذية للأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب.