كيف أتعامل مع مزاجي المضطرب؟
يحدث في كثير من الأحيان أن نشعر بأننا مثقلين بكمٍ من المشاعر السلبية التي لا نعرف ماهيتها ولا سببها، ثم لا تلبث أن تؤثر على سير الحياة اليومي، وربما تعيق حياتنا وعملنا.
من الطبيعي أن نعاني مشكلات في المزاج من وقت لآخر، فالحياة مليئة بالتقلبات والتحديات التي تفرض علينا التعامل مع مختلف أنواع المشاعر، لكن ما الفرق بين تقلبات المزاج واضطرابات المزاج؟ وكيف يمكن أن تتعامل مع مزاجك المضطرب كي لا تتركه يسيطر على حياتك ويتحكم بها وبسبب لك مزيدًا من المشكلات، وكيف يمكن إدارة تلك المشاعر للوصول إلى الهدوء والسلام الداخلي؟ هذا ما سنبحثه في هذه المقالة.
ما الفرق بين تقلبات المزاج واضطرابات المزاج؟
تقلبات المزاج هي أمر شائع الحدوث في حياتك اليومية نتيجة العمل أو العلاقات والتحديات التي تواجهها بشكل عام، ويتلخص الفرق الجوهري بين تقلبات المزاج الطبيعية واضطرابات المزاج بما يلي:
المدة الزمنية
تقلبات المزاج الطبيعية تستمر عادة عدة ساعات أو يوم كامل كحد أقصى، في حين أن اضطرابات المزاج تستمر لفترة أطول وفقًا لنوع الاضطراب.
التداخل مع الحياة اليومية
تقلبات المزاج لا تعيق حياتك اليومية كالعمل أو رؤية الأصدقاء أو الاهتمام بالأسرة وغيرها، على عكس اضطرابات المزاج التي تشكل عقبة أمامك وتمنعك من ممارسة حياتك بشكل صحي وطبيعي سواء أكان بشكل جزئي أو كلي في بعض الأحيان.
الشدة
لا تنخرط في سلوكيات من المحتمل أن يكون لها عواقب سلبية مثل: الإفراط في الإنفاق أو الإفراط في تناول الطعام عندما تعاني من تقلبات المزاج ولا تواجه أفكار انتحارية، على عكس اضطرابات المزاج التي يصاحبها أفكار وسلوكيات مؤذية.
بتعبير آخر يمكن القول إنك تعاني من أحد أنواع اضطرابات المزاج في حال ظهور الأعراض الآتية حسب دراسة (Rakofsky & Rapaport, 2018):
- تغييرات النوم: كصعوبة النوم أو النوم لفترات طويلة
- الأعراض المعرفية: مثل التشتت وصعوبة في التركيز وانخفاض في القدرة على اتخاذ القرارات.
- التعب: كالتعب الجسدي وانخفاض الطاقة وكثرة الشكاوى الجسدية (مثل الصداع أو آلام المعدة) مع تغيرات في الشهية، التي لا تتحسن بالعلاج.
- التفكير في الانتحار.
- المزاج الحزين المستمر أو القلق.
- الشعور باليأس أو بعدم الكفاءة وانعدام القيمة وضعف احترام الذات مع الشعور المفرط بالذنب.
- فقدان الاهتمام بالأنشطة المعتادة أو الأنشطة التي كان يتم الاستمتاع بها في السابق.
- الانفعال والعدوان.
أفضل التقنيات للتعامل مع اضطرابات المزاج
يعتمد التعامل مع اضطرابات المزاج على طبيعة الحالة والأعراض المحددة، إذ لا توجد استراتيجيات حالية لمنع أو تقليل حدوث اضطرابات المزاج. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يقلل التشخيص والعلاج المبكرين من شدة الأعراض، ويساعد الشخص على النمو والتطور بشكل طبيعي، ويحسن نوعية الحياة. ولحسن الحظ، يمكن علاج اضطرابات المزاج في كثير من الأحيان بنجاح بحسب كتاب (Griez et al., 2005) و دراسة (Hollon & Ponniah, 2010).
وفيما يلي أبرز أنواع العلاجات:
- العلاج المعرفي السلوكي CBT
عندما يتم فهم العلاقة المتبادلة بين الأفكار والمشاعر والسلوكيات، يصبح بالإمكان السيطرة عليهم والمضي قدمًا نحو خيارات أكثر إيجابية، وهذا ما يعتمد عليه هذا النوع من العلاج، إذ يعد العلاج المعرفي السلوكي (CBT) من أكثر أشكال العلاج التي يتم البحث عنها على نطاق واسع لاضطرابات المزاج، بما في ذلك الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب، حيث أنه باستخدام العلاج المعرفي السلوكي، يغوص الأشخاص عميقًا بداخلهم ويتعلمون عن الروابط بين أفكارهم ومشاعرهم وسلوكياتهم.
بمجرد إجراء هذه الروابط وفهمها، يتعاونون مع المعالجين بنشاط لتحقيق أهداف محددة، كملاحظة وتحديد أفكارهم غير المفيدة ثم تغييرها، بالإضافة إلى تحسين قدراتهم على حل المشكلات وزيادة مشاركتهم في الأنشطة الإيجابية التي تعزز الخيارات الصحية. كما قد يشمل العلاج أيضًا التنشيط السلوكي بما في ذلك ممارسة الأنشطة المخطط لها التي تهدف إلى تعزيز المزاج وتحسين مستوى الطاقة.
- العلاج السلوكي الجدلي (DBT)
يعتمد هذا العلاج بشكل أساسي على مساعدة الشخص على تحقيق التوازن بين قبول الذات من جهة وإحداث التغيير الإيجابي نحو الأفضل من جهة ثانية، وهو نوع معدل من العلاج السلوكي المعرفي، ويوصى به للأشخاص الذين يجدون صعوبة في تنظيم عواطفهم، إذ يتضمن DBT تعلم أربع مهارات أساسية أولها ممارسة اليقظة أي كيفية العيش في الوقت الحاضر، وتساعد هذه الاستراتيجية الفرد على البقاء هادئًا وتجنب الانخراط في أنماط التفكير السلبية والسلوك الاندفاعي.
وثانيًا تحمل الضيق والذي له دور في إعداد الفرد لتحمل وإدارة المشاعر القوية والمزعجة، والتعامل معها بنظرة أكثر إيجابية على المدى الطويل بحسب دراسة (Chesin & Stanley, 2013)، وثالثًا تحسين العلاقات من خلال التعبير عن الحاجات والقدرة على قول “لا” مع الحفاظ على علاقة إيجابية وصحية مع الآخرين، والمهارة الرابعة هي تنظيم العاطفة وذلك من خلال تحديد وتسمية المشاعر القوية ثم إدارتها، ويعتمد هذا العلاج على تقنيات العلاج الجماعي، والعلاج الفردي، والتدريب عبر الهاتف.
- العلاج الجماعي
تم إضافة العلاج النفسي الجماعي كتخصص من قبل APA في عام 2018 بحسب دراسة (Janis et al.,2021). يشمل هذا النوع العلاج الأسري، ومجموعات التدريب على المهارات، ومجموعات التثقيف النفسي والتعاون وغيرها من تقنيات العلاج الجماعي، ويمكن لأي شخص حضور جلسة علاج جماعي، فإن ذلك يساهم في الوصول إلى الخدمات الصحية في الأماكن التي لا تتوفر فيها تلك الخدمات بشكل واسع.
أحد أهداف العلاج الجماعي هو الجمع بين الأشخاص الذين يشاركون تجارب مماثلة معًا، فإن مشاهدة الأشخاص الذين يعانون حاليًا من مشكلة مماثلة أو يتعافون منها يمنح أعضاء المجموعة الآخرين الأمل في أن يكون لديهم أيضًا نتائج علاجية إيجابية.
- العلاج الدوائي
أثبتت الأبحاث أنه بالنسبة للعديد من المرضى الذين يعانون من اضطرابات المزاج، قد يلعب الدواء دورًا مهمًا في تخفيف الأعراض والتعافي والوقاية من نوبات المزاج في المستقبل، كمضادات الاكتئاب، ومثبتات الحالة المزاجية ومضادات الذهان.
في بعض الحالات يمكن للعلاج بالصدمات الكهربائية، والتحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، بالإضافة إلى العلاج بالضوء أن يساهم في علاج بعض الأنواع الصعبة لاضطرابات المزاج.
نصائح للتعامل مع اضطرابات المزاج
علاوة على ما سبق، فيما يلي مجموعة من التقنيات التي تساعدك عندما تتعامل مع مزاجك المضطرب كما ورد في دراسة (Sekhon & Gupta, 2020):
ثقف نفسك والآخرين حول اضطرابات المزاج
من الضروري توعية النفس والآخرين بمفهوم وطبيعية اضطرابات المزاج لكي يتم كسر نمطية التعامل غير الصحيح معها، وليتم مساعدة الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات المزاج بدلًا من لومهم أو إلقاء الأحكام عليهم.
اهتم بنفسك
الاهتمام بالصحة الجسدية كممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي يساعدك على زيادة القدرة على التعامل مع اضطرابات المزاج بشكل أكثر مرونة.
غيّر نمط حياتك وتبنى عادات جديدة
يساعد تغيير الروتين اليومي في التعامل مع اضطرابات المزاج، فالتخلص من العادات السلبية واستبدالها بعادات إيجابية يساعدك في التعامل بشكل أكثر فعالية مع مزاجك المضطرب، حيث ستتغيرعندئذٍ نظرتك للحياة بشكل كلي.
الخطاب الذاتي الإيجابي وتقدير الذات
من الضروري الانتباه إلى كيفية الحديث مع الذات وتجنب الخطاب السلبي أو لوم النفس؛ لأن ذلك يؤدي إلى تدني تقدير الذات وبالتالي المزيد من المشاعر السلبية.
تنمية مهارات المرونة وحل المشكلات
يتطلب التعامل مع اضطرابات المزاج قدرًا عاليًا من المرونة لكي تستطيع إدارة مشاعرك السلبية والسيطرة عليها.
في الختام، إن المزاج المضطرب ليس علامة فشل أو ضعف بل هو جزء من الحياة اليومية، ويواجه الجميع من مختلف الأعمار، وتعد الخطوة الأولى للتعامل الصحيح مع مزاجك المضطرب هو تكوين فهم عميق له ثم تقبله، ويمكن بعدئذٍ اتباع أحد تقنيات التعامل مع المزاج المضطرب التي تناسبك. وكن على يقين بأنك تمتلك القوة والقدرة للسيطرة على حياتك، وتحقيق التوازن والسلام الداخلي لحياة أكثر هناء وسعادة، وإذا كنت بحاجة إلى دعم خاص يناسبك يمكنك التواصل مع اختصاصي تطبيق لبيه في أي وقت.
المراجع
1- Rakofsky, J., & Rapaport, M. (2018). Mood disorders. CONTINUUM: Lifelong Learning in Neurology, 24(3), 804-827. June 2018.
2- Sekhon, S., & Gupta, V. (2020). Mood disorder. In StatPearls; StatPearls Publishing: Treasure Island, FL, USA.
3- Hollon, S. D., & Ponniah, K. (2010). “A review of empirically supported psychological therapies for mood disorders in adults”. Depression and anxiety, 27(10), 891-932. DOI: 10.1002/da.20741.
4- Griez, E. J., et al. (2005). Mood Disorders. John Wiley & Sons.
5- Chesin, et al. “Dialectical behavior therapy for mood disorders”.
6- Janis, et al. “Group therapy for mood disorders: A meta-analysis”. Psychotherapy research, Published online: 15 Sep 2020. DOI: https://doi.org/10.1080/10503307.2020.1817603.
7- How Can I Tell The Difference Between “Mood Swings” And Bipolar Disorder?, abcnews.go.com, retrieved on 3/7/2023.
8- Mood disorders, hopkinsmedicine.org, retrieved on 3/7/2023.
9- Mood Disorders, clevelandclinic.org, retrieved on 3/7/2023.
10- Mood Disorders Treatment, childmind.org, retrieved on 3/7/2023.
11- Dialectical Behavior Therapy (DBT): Definition, Techniques, and Benefits, verywellmind.com, retrieved on 3/7/2023.
12- What are the benefits of group therapy? medicalnewstoday.com, retrieved on 3/7/2023.