كيف يمكنني التعامل مع تقلباتي المزاجية؟
يختبر جميع البشر تقلبات مزاجية من فترة لأخرى، وتتميز بتغير سريع وواضح في الحالة المزاجية والعاطفية، تتراوح من حالة الرضى والسعادة إلى العصبية والغضب أو حتى الاكتئاب.
قد يكون سبب هذه التقلبات واضحًا في بعض الأحيان، لكن من الممكن في أحيان أخرى ألا تتمكن من تحديد السبب الرئيسي لهذه التبدلات في حالتك المزاجية. تؤثر تقلبات المزاج على الحياة العامة والشخصية خصوصًا عندما تزداد في شدتها وتكرارها، سنتحدث في هذا المقال عن الأسباب المحتملة لتقلبات المزاج، وكيف يمكنك التعامل معها.
ما هي أسباب تقلبات المزاج؟
لا يوجد سبب رئيسي واحد لتقلبات المزاج المتكررة، لأن الحالة المزاجية تتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل الداخلية الجسدية (الهرمونات، والأمراض، والأدوية)، والعوامل الخارجية البيئية (العلاقات الاجتماعية، والعمل، وهموم الحياة المتنوعة)، مع هذا لا تحمل جميع العوامل ذات التأثير على المزاج وتغيراته، إذ يملك بعضها تأثيرًا أكبر يجب الاهتمام به والانتباه إليه في عملية تدبير تقلبات المزاج المتكررة والمرهقة. إليك فيما يلي أهم العوامل المؤثرة في المزاج:
الأمراض والأذيات الجسدية: رغم أن المزاج يقع ضمن خانة الحالة العاطفية والنفسية، ولكن لا يمكن فصل الحالة العاطفية والنفسية عن الحالة الجسدية والفيزيولوجية، بل تتفاعل الحالتان سوية ضمن الكثير من المحاور، لعلك تتذكر يوم إصابتك بالزكام، كيف فقدت شغفك تجاه الكثير من الأمور، ورغبت بالنوم والراحة فقط حتى تصل للشفاء، ينطبق هذا الأمر على الكثير من الأمراض والأذيات الجسدية المتنوعة، وبالأخص الأمراض العصبية.
وجدت دراسة (Broome et, al. 2015)، أن ارتجاج الدماغ والجلطة الدماغية والتصلب اللويحي وداء باركنسون واضطرابات النوم أو حتى الأمراض الغدية مثل: أمراض الغدة الدرقية وداء السكري، تملك جميعها تأثيرًا لا يستهان به على الحالة المزاجية للشخص المصاب بها.
التغيرات الهرمونية: من المؤكد والمعروف تأثير الهرمونات الواسع على الحالة الجسدية والنفسية للشخص، خاصة عند النساء، بسبب التغيرات الهرمونية الدورية المرافقة للدورة الشهرية أو حتى مع التغيرات الهرمونية والجسدية المرافقة لحالة الحمل وسن اليأس.
على الجانب المقابل، من الممكن أن تحدث التقلبات المزاجية عند الأطفال والمراهقين خلال فترة نموهم الجسدي والتطورات والتغيرات البنيوية التي يختبرونها، تكون هذه التقلبات المزاجية طبيعية يختبرها جميع الفتيان والفتيات في مثل هذه الأعمار، تتراجع هذه التقلبات المزاجية مع اقتراب الشخص من سن البلوغ وانتهاء فترة المراهقة.
الاضطرابات النفسية: رغم أن الجميع يختبر التقلبات المزاجية بشكل طبيعي من فترة لأخرى نتيجة أسباب عديدة غير مرضية، إلا أنه يمكن لهذه التقلبات أن تكون عرضًا أو دليلًا على اضطراب نفسي موجود.
إن الاكتئاب يعتبر من أشيع الاضطرابات النفسية، ويمكن للتقلبات المزاجية أن تترافق مع الاكتئاب عند إهماله وعدم علاجه، حسب دراسة (Bowen et, al. 2017) التي نشرت في مجلة آفاق علم النفس، أظهرت أن تقلب مزاج الشخص بكثرة من العصبية إلى الحزن العميق أو حتى الغضب الشديد، قد يكون من أعراض الاكتئاب.
على الجانب المقابل، تعد التقلبات المزاجية الشديدة والسريعة من العلامات الرئيسية لاضطراب ثنائي القطب بشكليه الأول والثاني، حيث يتقلب مزاج المصاب من الاكتئاب والحزن إلى الهوس والنشاط بشكل يؤثر على حياته العملية والشخصية والاجتماعية، أيضًا تتواجد التقلبات المزاجية في قائمة الأعراض المرافقة لاضطراب الشخصية الحدية، حيث تكون هذه الأعراض حسب دراسة (Biskin et, al. 2012) شديدة ومتغيرة باستمرار بين عدة حالات مزاجية وتستمر، من عدة ساعات إلى بضعة أيام.
تناول الأدوية: تملك بعض الأدوية، خاصة الأدوية المستخدمة في علاج الاضطرابات النفسية تأثيرًا على المزاج وتقلباته، أيضًا تؤثر بعض الأدوية عند إيقافها المفاجئ أو البدء بها على الحالة المزاجية. من المهم جدًا استشارة الطبيب عند الرغبة بتناول بعض الأدوية والالتزام بالخطة العلاجية والجرعات الدوائية التي يصفها؛ لتجنب أو حتى التخفيف من الآثار الجانبية للأدوية.
كيف تتعامل مع التقلبات المزاجية؟
يمكن للتقلبات المزاجية الشديدة والسريعة أن تؤثر بوضوح على حياتك من مختلف الجوانب، في مثل هذه الحالات يجب عليك استشارة الطبيب النفسي، الذي يعمل على وضع التشخيص المناسب وتحديد المشكلة الجسدية أو النفسية، قبل إعطائك العلاج الشافي.
تستخدم بعض العلاجات والأدوية النفسية مثل: معدلات المزاج والعلاج النفسي، والاستشارة النفسية، والعلاج المعرفي السلوكي في تدبير التقلبات المزاجية المرافقة للاضطرابات النفسية، ويشرف الطبيب النفسي على خطة العلاج ويقيم سيرها وتقدمها.
أما بالنسبة للتقلبات المزاجية الخفيفة فيمكنك أن تعمل على تدبيرها ذاتيًا خاصة عند معرفتك السبب المحرض لها، وهذه هي النقطة الأهم في العلاج، والتي تتمثل بمعرفة السبب المحرض، والعمل على تجنبه أو تعديل العوامل المؤهبة له، والتي قد تتعلق بنمط الحياة العام لك مثل: عدم الحصول على قسط وافر من النوم والراحة، أو التعرض لقدر كبير من التوتر والقلق في العمل.
بالمجمل، عليك اتباع نمط حياة صحي بممارسة التمارين الرياضية، وتناول غذاء سليم، والاهتمام بصحتك النفسية، واستشارة طبيبك النفسي دوريًا، وتعلم تقنيات التعامل مع التوتر والقلق، وأخيرًا الاهتمام بالنوم والحصول على القدر الكافي منه، ولا تتردد في التواصل مع معالجك النفسي عبر تطبيق لبيه عند الإحساس بأن الأمر يتجاوز الوضع الاعتيادي.
الدراسات
1. Broome, M., Saunders, K., Harrison, P., & Marwaha, S. (2015). Mood instability: Significance, definition and measurement. The British Journal of Psychiatry, 207(4), 283-285. doi:10.1192/bjp.bp.114.158543
2. Bowen R, Peters E, Marwaha S, Baetz M, Balbuena L. Moods in clinical depression are more unstable than severe normal sadness. Front Psychiatry. 2017;8:56. doi:10.3389/fpsyt.2017.00056
3. Biskin RS, Paris J. Diagnosing borderline personality disorder. CMAJ. 2012;184(16):1789-94. doi:10.1503/cmaj.090618