كيف تؤثر العلاقات العاطفية على تحسين أو تدهور الصحة النفسية؟
تؤثر العلاقات الاجتماعية والعاطفية في حياتنا منذ ولادتنا وحتى وفاتنا، ويختلف تأثير هذه العلاقات تبعاً لعددها ومدى قوتها وأهميتها لدينا، فالعلاقات العاطفية والاجتماعية تملك تأثيراً كبيراً على الصحة النفسية والجسدية بشكل عام.
يرجح العديد من الأطباء أن أحد الأسباب الرئيسية للأمراض النفسية هو الصعوبات التي نواجهها أثناء تعاملنا مع التوتر والصراعات النفسية الناتجة عن العلاقات العاطفية أو الاجتماعية التي تحيط بحياتنا؛ على الرغم من أن العلاقات الرومانسية يمكن أن توفر الراحة والأمان والدعم الاجتماعي والمرونة، إلا أنها يمكن أن تكون أيضاً مصدراً للتوتر والقلق والاكتئاب.
في هذا المقال سنتعرف على تأثير العلاقات العاطفية والاجتماعية وكيفية التعامل معها وحماية نفسك من تدهور صحتك النفسية.
ما هو تأثير انعدام العلاقات على الصحة النفسية؟
يمكن للوحدة أن تسبب عواقب وخيمة على صحتك النفسية والجسدية، فالشعور بالوحدة يمكن أن يتسبب في حدوث اضطراب في نمط النوم وارتفاع ضغط الدم وزيادة الكورتيزول(هرمون التوتر)، بالإضافة للتأثير السلبي على جهازك المناعي وتقليل الشعور العام بالرضى، يمكن القول بأن الشعور العام بالوحدة يشكل عامل خطر يزيد من الاكتئاب والانتحار والسلوك المعادي للمجتمع.
كبار السن معرضون لخطر الإصابة بالوحدة بشكل أكبر، وذلك بسبب انخفاض قدرتهم على الحركة مما يجعل لقاءهم بأشخاص آخرين أمراً صعباً، لكن كبار السن الذين يظلون على تواصل مع الآخرين من حولهم ويتمتعون بعلاقات قوية يملكون نوعية حياة أفضل من الكبار المصابين بالوحدة، ويكونون أكثر رضا عن حياتهم، وخطر إصابتهم بالخرف والأمراض النفسية أقل.
الأشخاص اليافعون معرضون لخطر الشعور بالوحدة أيضاً، ويمكن أن يكون لنقص العلاقات الاجتماعية تأثير مباشر على الصحة البدنية للشباب، وذلك من خلال زيادة خطر الإصابة بالسمنة والالتهابات وارتفاع ضغط الدم، والتي قد تسبب حدوث مشاكل صحية طويلة الأمد مثل: أمراض القلب والسكتة الدماغية والسرطان، لكن الحصول على علاقات اجتماعية أو عاطفية يساعد في الحماية من تدهور الصحة الجسدية والنفسية.
من المهم إدراك حقيقة أن الوحدة تختلف عن العزلة، فالشعور بالوحدة يعد مشكلة كبيرة غالباً، لكن البقاء بمفردك قد لا يمثل مشكلة على الإطلاق، حيث يعيش الكثير من الناس بمفردهم ويعيشون حياة سعيدة ومرضية.
هل التوتر الناتج عن العلاقة العاطفية يسبب مشاكل نفسية؟
اضطراب العلاقات العاطفية والاجتماعية مرتبط بعدد كبير من المشكلات النفسية مثل: اضطرابات القلق والرهاب والاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب واضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات الأكل واضطرابات تعاطي الكحول والمخدرات، لكن المرض الأكثر انتشاراً وتمت دراسته بشكل أكبر من غيره هو الاكتئاب.
السؤال المهم هو ما إذا كان اضطراب العلاقة العاطفية يسبب مرضاً نفسياً أم أن المرض النفسي هو الذي يسبب توتر العلاقة، تشير إحدى الدراسات أن المشاركين غير المصابين بالاكتئاب في العلاقات العاطفية غير المرضية كانوا في البداية أكثر عرضة بثلاث مرات تقريباً للإصابة بالاكتئاب من أولئك الذين يعيشون في علاقات عاطفية مرضية.
ما هو تأثير العلاقات القوية على الصحة النفسية؟
يؤثر عدد علاقاتك وقوتها على صحتك العقلية والجسدية بشكل كبير، حيث إن فوائد الروابط الاجتماعية على الصحة عديدة لكن الفوائد المؤكدة تشمل انخفاض معدلات القلق والاكتئاب وارتفاع احترام الذات وزيادة التعاطف مع الآخرين، ويمكن أن تساعد العلاقات القوية والصحية على تقوية جهاز المناعة لديك والتعافي من الأمراض، وتزيد من فترة حياتك بيولوجياً.
ربما التأثير الأكبر الناتج عن العلاقات القوية الصحية هو التأثير المتدفق، فعلى الرغم من أن هذه العلاقات ستساعدك على الشعور بالرضى والسعادة بشكل أكبر، لكن العلاقات الصحية والتي ستعطي تأثيراً إيجابياً على شخصيتك وصحتك النفسية بشكل عام تساهم في جذب الأشخاص من حولك، حيث سيبدون رغبتهم في قضاء الوقت برفقتك، وبهذه الطريقة يولد الترابط الاجتماعي حلقة من ردود الفعل الإيجابية الدائمة.
كيف يمكنني تحسين العلاقات الخاصة بي؟
الشعور بالوحدة الناتج عن الاضطرابات العاطفية في العلاقات الخاصة بك قد يسبب لك العديد من المشاكل النفسية، لذلك من الأفضل القيام بعدة أمور لمعالجة هذه الاضطرابات مثل: تعزيز العلاقات الصحية مع الأشخاص الذين يقدمون لك الشعور بالراحة من خلال قضاء الوقت معهم، ومحاولة التحدث إلى شخص ما كل يوم.
هناك ثلاثة أنواع من طرق الاتصال التي تستطيع القيام بها:
1- اتصالات ودية: مع الأشخاص الذين يحبونك ويهتمون بك، مثل العائلة والأصدقاء.
2- اتصالات مقربة: مع الأشخاص الذين تراهم بانتظام وتشاركهم اهتماماتك، مثل زملاء العمل أو أولئك الذين تشاركهم تناول قهوة الصباح.
3- اتصالات منتظمة: مع الأشخاص الذين يشاركونك عضوية مجموعة ما أو الانتماء لمكان ما، مثل الأشخاص الذي يشاركونك في تشجيع فريقك المفضل أو الأشخاص الذين لديهم نفس الإيمان الخاص بك.
ربما تميل إلى البقاء مع الأصدقاء القدامى ولا تملك الرغبة لمقابلة أشخاص جدد، أو ربما تتجنب الأشخاص من ماضيك وتفضل الاختلاط بالأشخاص الذين لا يعرفون الكثير عنك، كن صادقاً مع نفسك بشأن عاداتك الاجتماعية من أجل الحصول على التغيير الذي تراه مناسباً.
فكر في أنواع العلاقات التي تربطك بالناس من حولك وأنواع العلاقات التي ترغب في إقامتها، قد تجد أنك ترغب في تكوين صداقات جديدة أو ربما ترغب في محاولة تقوية علاقاتك الحالية.
كيفية التعامل مع ضغوط العلاقة العاطفية؟
يمكنك التعامل مع الضغوط التي تعاني منها في علاقتك العاطفية من خلال بناء المرونة، وبالتالي التكيف بشكل أفضل مع الأحداث العصيبة أو المؤلمة، مما يساعد في الحفاظ على الأداء الصحي النفسي أو استعادته بسرعة.
من أجل بناء مرونة عالية خاصة بك فالخطوة الأولى هي أن تدرك وتفهم متى وفي أي المواقف يصيبك التوتر وكيف تظهر أعراضه على جسمك، والخطوة الثانية هي تطوير الاتزان، وهذا الأمر يتطلب أن تصبح أقل تفاعلاً وأكثر قبولاً للوضع الحالي والعواطف ونفسك، واتخاذ القرارات بشكل أكثر استقراراً.
والخطوة الثالثة والأخيرة هي التعامل مع شريكك بمرونة، وهذا هو عكس التكيف المرن الذي ذكرناه سابقاً، حيث يشمل التعامل المرن عدم الانخراط في التفكير الصارم أو تجنب السلوكيات والأفعال القهرية والتي ترتبط بنتائج صحية نفسية سلبية.
إن بناء علاقات عاطفية واجتماعية ذات تأثير إيجابي على الصحة النفسية والجسدية عملية تستمر مدى الحياة، على الرغم من أن استراتيجيات المساعدة الذاتية -مثل التأمل- قد تكون فعالة لدى العديد من الأشخاص، إلا أن المساعدة المهنية قد تكون ضرورية في بعض الأحيان.
تأثير العلاقات العاطفية والاجتماعية يختلف من شخص لآخر، وبالتالي فإن طريقة تحسين هذه العلاقات تختلف أيضاً، لذلك من الأفضل تجربة أساليب مختلفة لمعرفة الطريقة التي تناسبك، وغالبًا ما يكون التواصل مع من حولك هو الطريقة الأفضل للبدء بها، وبالتالي يجب عليك أن تجهز نفسك لمشاركة قصصك وتجاربك ووقتك مع الآخرين والاستماع لهم أيضاً.