لا شك أن الصحة النفسية تُعَدُّ مهمة كما الصحة الجسدية، فهي تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة والسعادة العامة للأشخاص. وفي هذا السياق، يأتي دور الامتنان ليبرز كأداة قوية في تحسين الصحة النفسية وتعزيز العافية العامة، إذ يعتبر الامتنان مفهومًا عميقًا يعكس الشكر والامتنان للأشياء الإيجابية في حياتنا، والذي قد يغير نظرتك للأشياء الصغيرة في حياتك.

ما هو تعريف الامتنان؟

الامتنان هو أحد المشاعر الإيجابية الذي ينطوي على الشكر والتقدير تجاه الأشياء الإيجابية في الحياة، فهو يعبر عن امتناننا للنعم والفرص والتجارب الإيجابية التي نعيشها، بغض النظر عن حجمها أو أهميتها، ويرتبط بالعديد من الفوائد على الصحة النفسية والجسدية، إذ يعد الامتنان فرصة لنا للتركيز على الجوانب الإيجابية والقيمة الحقيقية التي تحملها الحياة، والاعتراف بالخير الذي يأتي إلينا من خلال الآخرين والظروف المحيطة بنا.

 أثار تأثير الامتنان اهتمام العلماء منذ القدم، إذ هناك العديد من الدراسات التي تبين التأثير الإيجابي الذي يمكن أن يحدثه الامتنان على الأشخاص والمجتمعات، فعندما تشعر بالامتنان، لشيء ما أو لشخص ما في حياتك وتستجيب بمشاعر إيجابية كمشاعر الحب والصدق، فإن ذلك يُظهر تأثيرًا إيجابيًا على الصحة النفسية.

ما هي فوائد الامتنان على الصحة النفسية؟

إن ممارسة الامتنان يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي كبير على الصحة النفسية، إذ كشف العلماء واختصاصيو الصحة النفسية عن العديد من الفوائد ومنها ما يلي:

تخفيف الاكتئاب

إن تراجع الاكتئاب هو واحد من الفوائد العديدة التي يمكن الحصول عليها من ممارسة الامتنان بانتظام، إذ أظهرت دراسة (Reppold CT et al, 2019) هدفت إلى تقييم تأثير الامتنان على عينة من البالغين فيما يتعلق بالصحة النفسية، وقد شملت الدراسة 1337 مشارك، وطُلب من المشاركين ممارسة الامتنان لمدة 14 يومًا، وإدراج اللحظات التي كانوا ممتنين لها خلال اليوم.

أظهرت النتائج التي تم تحليلها تراجع مستوى الاكتئاب وزيادة مستوى السعادة والرضا عن الحياة لدى نسبة كبيرة من المشاركين.

تخفيف القلق

إن ممارسة الامتنان لها دور أساسي للحد من جذب الأفكار السلبية، وبالتالي تقليل أعراض التوتر والقلق، وذلك من خلال تهدئة الجهاز العصبي، فعندما تكون مركزًا على الأشياء التي تشعر بالامتنان لها، يمكن تنظيم معدل ضربات القلب وضغط الدم، مما يقلل من الشعور بالتوتر والقلق، وقد أشارت دراسة (Cregg, et al., 2021) شملت 3675 مشارك إلى أن ممارسة الامتنان كان له تأثير واضح في تقليل أعراض القلق وتحسين جودة الحياة.

تحسين الحالة المزاجية

عندما تكون ملتزمًا بممارسة الامتنان، يصبح لديك توجه أكثر إيجابية تجاه الحياة، إذ تتحول عادات الشكوى والتذمر المستمر إلى شكرٍ وتقدير على الأشياء الإيجابية، مما يقلل من الانزعاج والتوتر ويحسن المزاج والحالة المزاجية، فالتركيز على الإيجابيات وتجاهل السلبيات يعمل على زيادة الشعور بالسعادة والرضا ويساهم في تحسين المزاج بشكل عام.

 أشارت نتائج  دراسة (Martínez et al., 2019)  شملت 124 من كبار السن، 74 امرأة و50 رجلاً، تتراوح أعمارهم بين 60 و89 عامًا، أن ممارسة الامتنان بشكل منتظم أدى إلى زيادة درجات الرضا عن الحياة، والسعادة الذاتية والتفاؤل الذي بدوره يساهم في تحسين الحالة المزاجية.

تراجع التشتت

إن ممارسة الامتنان يساعد في التعامل مع الضغوط اليومية وكذلك الضغوط الأكثر خطورة من ذلك، كالمعاناة من مرض مزمن أو يهدد الحياة، إذ أن نتيجة تركيزك على الأشياء التي تشعر بالامتنان لها، تتغذى روحك وتعزز من قوتك الداخلية، مما يساعدك على التعامل بشكل أفضل مع التحديات والمواقف الصعبة.

كيف يمكنك ممارسة الامتنان؟

إن ممارسة الامتنان ليست أمرًا معقدًا أو صعبًا، ولا يتطلب أي أدوات أو تدريب خاص، وكلما مارست الامتنان أكثر، أصبحت صحتك النفسية أفضل، وباتباع الخطوات التالية يمكنك ممارسة الامتنان بشكل يومي:

الاستمتاع باللحظة الحالية

خذ وقتًا للتركيز على ما يحدث وما تشعر به في اللحظة الحالية، وعليك أن تكون أكثر وعياً باللحظة الحالية بدلاً من العيش في الماضي أو الإسقاط في المستقبل، وهذا ما يسمى باليقظة الذهنية والتي تعتبر من الأدوات الفعالة لممارسة الامتنان، فقد وجدت دراسة (Rogge RD et al., 2007) أن الأشخاص الذين مارسوا اليقظة الذهنية كعادة يومية يميلون إلى التمتع بقدر أكبر من الرضا في العلاقات الاجتماعية، وأشارت الدراسة أيضًا أن أولئك الذين يستخدمون اليقظة الذهنية لديهم استجابة أقل للضغوط النفسية، وبالتالي درجة أعلى من الامتنان والرضا.

تدوين اليوميات

كتابة اليوميات هي واحدة من الطرق الفعالة للتعبير عن الامتنان والشعور به. بواسطة كتابة يومياتك، تعطي لنفسك فرصة للتركيز على الأشياء الإيجابية والممتنة في حياتك اليومية، على سبيل المثال: يمكن تكريس وقت محدد للكتابة، قد يكون في الصباح لتستذكر الأحداث والتجارب التي حدثت خلال اليوم السابق، أو في المساء لتعبر عن الأشياء التي أثرت فيك خلال اليوم.

 ممارسات الامتنان

هناك مجموعة من الممارسات التي تساعد على الشعور بالامتنان مثل:

• ممارسة التأمل: إذ يهدف التأمل إلى تهدئة العقل وتحقيق الوعي بالأفكار والمشاعر والتجارب، ومن خلال التأمل يمكن أن يرتفع مستوى الامتنان عن طريق التركيز على الأشياء الإيجابية في حياتك وتقديرها بشكل أعمق.
• الصلاة: تعتبر الصلاة وسيلة للتعبير عن الامتنان والشكر لله على النعم والبركات في الحياة.
• تقديم الشكر: يمكن ذلك من خلال إظهار الشكر والتقدير للأشخاص أو الأشياء أو اللحظات أو الهدايا التي جلبت لك الفرح أو السلام أو الراحة.

لا شك أن ممارسة الامتنان خلال الحياة اليومية والتركيز على اللحظات الإيجابية له آثار إيجابية طويلة المدى، ودور كبير في الحفاظ على صحة نفسية سليمة، لذا إذا كنت تواجه صعوبة في ذلك، يمكنك التواصل مع المختص في تطبيق لبيه للبدء بممارسة الامتنان من خلال تقديم استراتيجيات وأدوات فعالة لذلك.

المراجع

1- Cunha LF, et al. Positive psychology and gratitude interventions: a randomized clinical trial. Front Psychol. 2019;10:584. doi:10.3389/fpsyg.2019.00584.

2- Cregg, et al. Gratitude Interventions: Effective Self-help? A Meta-analysis of the Impact on Symptoms of Depression and Anxiety. J Happiness Stud 22, 413–445 (2021). doi.org/10.1007/s10902-020-00236-6.

3- Isabel María Salces-Cubero, et al. Strengths in older adults: differential effect of savoring, gratitude and optimism on well-being, Aging & Mental Health, (2019) 23:8, 1017-1024, DOI: 10.1080/13607863.2018.1471585.

4- Barnes S, et al. The role of mindfulness in romantic relationship satisfaction and responses to relationship stress. J Marital Fam Ther. 2007;33(4):482-500. doi:10.1111/j.1752-0606.2007.00033.x.