اضطراب الوسواس القهري (OCD) من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا التي تؤثر على التفكير والسلوك، وتسبب للشخص رغبات قهرية وأفكار وسواسية متكررة غير مرغوب فيها وقد يصعب السيطرة عليها. 

لكن يظل السؤال الذي يطرحه الكثيرون هل اضطراب الوسواس القهري يعد خللًا نفسيًا أم عضويًا؟ في مقالنا هذا نهدف لإلقاء نظرة عامة عن هذا الاضطراب لفهمه بطريقة أوضح، ونستكشف أهم أسبابه وأعراضه وعلاجه والاضطرابات المصاحبة له.

ما هو اضطراب الوسواس القهري؟

يُعد اضطراب الوسواس القهري مرضًا أو اضطرابًا نفسيًا بشكل رئيسي وليس عضويًا، ولكنه يتضمن بالاضافة إلى ذلك بعض الجوانب البيولوجية والعقلية، يجعل هذا التفاعل بين الجانب النفسي والدماغ تصنيفه أكثر تعقيدًا، فهو ليس مرضًا عقليًا بالمعنى التقليدي مثل الفصام، ولكنه يتعلق بتغيرات في التفكير والسلوك ترتبط بالتغيرات العصبية في الدماغ.

أسباب اضطراب الوسواس القهري

اضطراب الوسواس القهري (OCD) هو حالة نفسية معقدة محل جدل دائم، تتطلب فهماً عميقاً للأسباب التي تؤدي إلى ظهورها. يتأثر هذا الاضطراب بعدة عوامل، تشمل العوامل البيولوجية، الوراثية، والنفسية. لا يوجد سبب واحد محدد لهذا الاضطراب، بل هو نتيجة لتفاعل عوامل متعددة. فيما يلي نستعرض أبرز الأسباب الرئيسية التي تسهم في حدوثه:

العوامل النفسية

تعتبر العوامل النفسية من أبرز الأسباب وراء ظهور اضطراب الوسواس القهري. وتشمل هذه العوامل:

• التوتر والقلق: يعاني الأفراد المصابون بالوسواس القهري غالبًا من مستويات مرتفعة من القلق، مما يؤدي إلى ظهور الوساوس والسلوكيات القهرية كوسيلة للتعامل مع هذا القلق.
• التجارب السابقة: يمكن أن تؤدي التجارب السلبية أو الصدمات النفسية إلى تطوير هذا الاضطراب. 
• أنماط التفكير السلبي: يميل المصابون بالوسواس القهري إلى التفكير في أسوأ السيناريوهات، مما يزيد من القلق والتوتر.
• الخوف من المجهول: يسعى المصابون إلى التحكم في كل شيء من حولهم لتقليل الشعور بالقلق وعدم اليقين.
• الضغوط النفسية: يمكن أن تؤدي الضغوط الحياتية إلى تفاقم أعراض الوسواس القهري.

العوامل العضوية

على الرغم من أن اضطراب الوسواس القهري يُعتبر عادةً اضطرابًا نفسيًا، إلا أن هناك أدلة تشير إلى وجود عوامل عضوية تلعب دورًا في حدوثه. وتشمل هذه العوامل:

• العوامل الوراثية: يمكن أن تكون الاصابة بالوسواس القهري لأسباب وراثية، حيث تلعب الجينات عند الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من الاضطرابات النفسية دورًا هامًا في ظهور الوساوس القهرية.
• العوامل البيئية: يحفز التعرض لصدمات نفسية صعبة أو ضغوطات حياتية شديدة إلى زيادة ظهور أعراض السلوكيات القهرية والوساوس. 
• خلل في الدوائر العصبية: تشير الأبحاث إلى وجود خلل في كيمياء الدماغ  مثل السيروتونين لدى المصابين بالوسواس القهري.
• التغيرات الكيميائية في الدماغ: تشير الأبحاث إلى أن الاختلال في توازن بعض المواد الكيميائية ومستوى الناقلات العصبية في الدماغ، مثل السيروتونين، يمكن أن يؤدي إلى زيادة الأعراض. 
• العوامل المرتبطة بالعدوى: تلعب العدوى بالجراثيم العقدية خاصةً في الأطفال إلى استجابة مناعية تؤثر على الدماغ، تؤدي إلى ظهور الأعراض القهرية.

أعراض اضطراب الوسواس القهري

تشمل أعراض اضطراب الوسواس القهري نوعين أساسيين: 

• الوساوس:  تشمل أفكار أو تخيلات متكررة وغير مرغوب فيها، مثل الأفكار المتعلقة بالنظافة أو الخوف من إيذاء النفس أو الآخرين أو الحاجة إلى الترتيب.
• السلوكيات القهرية: تصرفات متكررة يقوم بها الشخص للتخفيف من القلق والوساوس، مثل غسل اليدين بشكل مفرط، أو التحقق المتكرر من الأشياء.

تأثير الوسواس القهري على حياة المصابين

يظهر تأثير اضطراب  الوسواس القهري في جوانب متعددة من الحياة اليومية للأفراد المصابين به. مما يجعل من الضروري فهم كيفية تأثيره على جوانب الحياة، والتي تشمل التأثيرات التالي: 

التأثير على الصحة النفسية

يعاني الأشخاص المصابون بالوسواس القهري من أفكار وسواسية متكررة تسبب لديهم مشاعر القلق والتوتر. التي تمتد لساعات طويلة بشكل يومي؛ مما يؤدي إلى شعورهم الدائم بالضيق. 

التأثير على الحياة اليومية

يؤثر هذا الاضطراب على الأنشطة اليومية بشكل كبير. ففي الحالات الشديدة قد يقضي الأفراد ساعات في تنفيذ الطقوس القهرية، مما يعوق قيامهم بالمهام اليومية الأساسية مثل الذهاب إلى العمل أو المدرسة. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تدهور الأداء الوظيفي والدراسي ويزيد من شعور الفشل والإحباط لديهم.

التأثير على العلاقات الاجتماعية

تؤثر الوساوس والسلوكيات القهرية على العلاقات الاجتماعية بشكل كبير. حيث يتجنب الأفراد المواقف الاجتماعية أو يعانون من الحرج والعزلة. مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة وزيادة تباعد العلاقات وتجنب التجمعات أو الأنشطة الاجتماعية.

التأثير على الصحة الجسدية

ينعكس السلوك القهري على الصحة العامة. فقد يعاني الأشخاص من الجروح أو التهابات جلدية نتيجة الإفراط في غسل الأيدي، علاوة على إصابتهم بمشكلات صحية أخرى، مثل اضطرابات النوم أو مشاكل الجهاز الهضمي نتيجة التعرض للتوتر الدائم.

هل هناك اضطرابات مصاحبة شائعة لاضطراب الوسواس القهري؟

غالبًا ما يترافق اضطراب الوسواس القهري مع اضطرابات نفسية أخرى، مما يزيد من تعقيد الحالة وتعرضها لمضاعفات خطيرة. وإليك أبرز الاضطرابات المصاحبة:

• اضطرابات القلق الأخرى: مثل اضطراب الهلع، والخوف الاجتماعي، واضطراب ما بعد الصدمة.
• الاكتئاب: حيث يؤثر القلق والتوتر الناتج عن الوساوس والأفعال القهرية على مزاجهم ويجعلهم يشعرون بالحزن واليأس والاكتئاب.
• اضطرابات المزاج: مثل اضطراب ثنائي القطب، حيث يتقلب المزاج بشكل كبير بين نوبات الاكتئاب والهوس.
• اضطرابات الأكل: يمكن للقلق والتوتر أن يؤثرا على العادات الغذائية، مثل فقدان الشهية العصبي أو الشره المرضي.
•  اضطرابات النوم: مثل الأرق أو اضطرابات النوم الأخرى، حيث يصعب على المصابين الاسترخاء والنوم بسبب الأفكار المتكررة والقلق.
• الإدمان: قد يلجأ بعضهم إلى إدمان الكحول أو المخدرات كوسيلة للتغلب على القلق والتوتر.

علاج اضطراب الوسواس القهري

من المهم فهم الجوانب المختلفة لاضطراب الوسواس القهري لتقديم العلاج والدعم المناسب للأفراد المصابين بهذا الاضطراب. جدير بالذكر أنه بالرغم من عدم وجود علاج نهائي لهذا الاضطراب، فهناك عدة استراتيجيات تسهم في العلاج يمكن من خلالها التحكم في الأعراض والمضاعفات بشكل فعال، من خلال الجمع بين مجموعة من العلاجات النفسية والدوائية تختلف من مريض لآخر بناءً على حالة كل فرد؛ لتقليل تأثير الوساوس والسلوكيات القهرية على حياتهم اليومية، وتشمل:

• العلاج الدوائي: يمكن أن تستخدم الأدوية المضادة للاكتئاب مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، أو أدوية أخرى للمساعدة في تنظيم الكيمياء الدماغية وتقليل الأعراض.
• الدعم والعلاج النفسي: يساعد في استكشاف الأسباب الكامنة وراء الاضطراب، وتقليل الشعور بالوحدة والقلق، وتحسين علاقاتهم الاجتماعية وقدرتهم على القيام بالأنشطة اليومية.
• العلاج السلوكي المعرفي: من أكثر العلاجات فعالية حيث يتضمن هذا العلاج تعريض الشخص تدريجيًا للمواقف التي تثير الوساوس لديه بهدف تغيير الأفكار السلبية والسلوكيات القهرية ومنعه من القيام بها.
• العلاج الجماعي: يمكن أن يساعد المصابين على الشعور بأنهم ليسوا وحدهم وأن يتعلموا من تجارب الآخرين.

في الختام، بينما يعتبر البعض اضطراب الوسواس القهري أنه اضطراب نفسي، يرى آخرون أن له أبعادًا بيولوجية وعضوية. ومن هنا يتضح لنا أنه اضطراب نفسي معقد غير محدد السبب، حيث تسهم مجموعة من العوامل النفسية والعصبية في حدوثه، مما يرفع مستويات التحدي لفهمه وتحديد العلاج المناسب له؛ للسيطرة على أعراضه وتحسين نوعية حياة الأشخاص المصابين به. إن كنت تعاني من أعراض الوسواس القهري. يجب عليك استشارة الطبيب النفسي وعدم التردد في طلب المساعدة من المتخصصين. حمل الآن تطبيق لبيه لإجراء اختبار الوسواس القهري.

المصادر: 1 2 3 4