حقائق ومعلومات عن العلاج بالحرمان الحسي أو العزل الإدراكي
يعد العلاج بالحرمان الحسي أو ما يسمى بالعزل الإدراكي أحد أنواع العلاج الداعمة في سياق العديد من الاضطرابات النفسية، مع آثار علاجية مثبتة علميًا في تخفيف الألم والتوتر والقلق، ومع ذلك تُثار الكثير من الضجة حول فوائد ومخاطر العلاج بالحرمان الحسي، وفي مقالنا هذا، نقدم أهم الحقائق والمعلومات عن العلاج بالحرمان الحسي، وكيف يطبق هذا النمط من العلاج، وما الأمراض والاضطرابات التي يفيد فيها.
ما هو العلاج بالحرمان الحسي؟
يعود اختراع العلاج بالحرمان الحسي Sensory Deprivation إلى الطبيب وعالم الأعصاب الأمريكي جون سي. ليلي في عام 1954، وكان يهدف من تطبيق هذا العلاج إلى دراسة أصل الوعي عند الإنسان عبر قطع كامل الإحساسات الخارجية عن الدماغ.
يمكن تطبيق العلاج بالحرمان الحسي بطرق مختلفة، ففي السنوات الأولى لظهور هذا العلاج كان يعتمد وضع الشخص ضمن غرفة معزولة صوتيًا وبصريًا، وتكون مملوءة بكمية كافية من ملح كبريتات المغنيسيوم ومدفأة حتى درجة حرارة الجلد الخارجية. تمنع الغرفة المعزولة وصول التنبيهات البصرية والسمعية، ويسهل الملح الموجود في الماء تخفيف جميع الإحساسات الجسدية اللمسية، ويخفف حتى الشعور بالجاذبية الأرضية. تستمر أغلب جلسات العلاج بالحرمان الحسي نحو ساعة من الزمن.
ما هي الفوائد المحتملة للعلاج بالحرمان الحسي؟
عبر قطع جميع المنبهات الخارجية عن الدماغ، يبدأ شعور الاسترخاء بالتطور تدريجيًا عند الشخص الذي يخضع للعلاج. يترك هذا الاسترخاء عند استمراره لفترة معينة من الزمن آثارًا عديدة على الصحة الجسدية والنفسية للشخص، وتشمل:
- الاسترخاء العميق: يستخدم الدماغ حواسه المختلفة لمعرفة البيئة المحيطة به والتفاعل معها، لكن فرط الإحساسات الجسدية لمدة طويلة قد تؤهب للإصابة بالتوتر والقلق النفسي والفيزيولوجي. يساعد العلاج بالحرمان الحسي على وضع الشخص في حالة عميقة من الاسترخاء، وبينما يسترخي الجسم، تتحول موجات الدماغ الكهربائية من موجات بيتا، التي ترتبط مع حالة اليقظة والتنبه، نحو موجات ثيتا الكهربائية، التي ترتبط مع حالة الاسترخاء العميق والأفكار الحيوية العميقة.
- علاج مشاكل النوم والأرق: تماثل جلسة الحرمان الحسي لمدة ساعة من الزمن النوم في السرير لمدة 6 ساعات. تساعد حالة الاسترخاء العميق التي يختبرها الجسم خلال الحرمان الحسي في حل مشاكل النوم المختلفة وخاصة الأرق، والذي غالبًا ما يكون ناتجًا عن تراكم القلق والتوتر والاكتئاب. إذ أشارت دراسة إلى أن الأشخاص الذي خضعوا لبرنامج علاج بالحرمان الحسي مدة أسبوع من الزمن، أنهوا هذا البرنامج بدرجة منخفضة من الاكتئاب، والقلق، والتوتر، ومستويات مرتفعة من التفاؤل والنوم الجيد.
- علاج الاكتئاب والقلق: أثبتت دراسة أجريت عام 2018 أن جلسة واحدة من العلاج بالحرمان الحسي ترافقت مع انخفاض شديد في حالة القلق والتوتر النفسي عند مجموعة واسعة من مرضى اضطرابات القلق المختلفة (مثل: اضطراب الكرب التالي للصدمة PTSD، واضطراب القلق المعمم، واضطراب الهلع، والرهاب، واضطراب القلق الاجتماعي)، بالإضافة إلى اختبار المرضى تحسنًا في المزاج، وانخفاض التوتر العضلي، والألم، وازدياد السعادة والنظرة الإيجابية للذات.
- تخفيف الألم: تساعد حالة الاسترخاء العميق التي يشعر بها الشخص أثناء خضوعه للعلاج بالحرمان الحسي في تخفيف الألم والتوتر والإرهاق الذي يعانيه.
- زيادة القدرة الإبداعية والتركيز: أثبتت دراسة أجريت عام 2014 زيادة القدرة الإبداعية والتفكير والتركيز عند الأشخاص الذين خضعوا لجلسات من العلاج بالحرمان الحسي بشكل منتظم.
ما هي الخرافات التي ترتبط بالعلاج بالحرمان الحسي؟
مثلما يملك العلاج بالحرمان الحسي فوائد عديدة، تنتشر الكثير من الأفكار الخاطئة والخرافات حوله، تتضمن أهمها:
- قد يغرق الشخص في أثناء العلاج بالحرمان الحسي: من الشائع حدوث النوم في أثناء جلسة العلاج بالحرمان الحسي، نتيجة حالة الاسترخاء العميق التي يشعر بها الشخص. تثير فكرة النوم أثناء العلاج الخوف عند بعض الأشخاص من الغرق داخل خزان المياه، لكن هذا مستحيل الحدوث، حتى في حال النوم داخل الخزان، يبقى الشخص النائم مستلقيًا على ظهره، ويكون من الصعب جدًا عليه الاستدارة. وحتى في حالة تمكنه من ذلك، سيستيقظ فورًا بسبب الألم الحارق الذي سيتركه الملح على عينه وأنفه. بالإضافة إلى أن ماء خزان الحرمان الحسي يكون أكثر كثافة بنحو 1.2 -1.3 مرة من ماء المسبح التقليدي، نتيجة وجود ملح كبريتات المغنيسيوم فيه، ما يجعل من الصعب جدًا الغرق أو الغطس داخله.
- يسبب العلاج بالحرمان الحسي الهلوسات: يبدو أن جلسات العلاج بالحرمان الحسي قصيرة الأمد، التي تستمر نحو 60-90 دقيقة، لا تسبب أي هلوسات سمعية أو بصرية عند الأشخاص الأصحاء والسليمين عقليًا. من الشائع أن يرى الأشخاص في أثناء جلسة العلاج ومضات وبقع من الألوان وأعينهم مغلقة، تسمى هذه الومضات بالفوسفينات Phosphenes، وهي لا تعد هلوسات، وإنما تنجم عن استمرار نشاط الشبكية في العين بعد زوال التنبيه البصري والضوء.
- خزان الحرمان الحسي غير نظيف: يعتقد العديد من الأشخاص أن خزانات الحرمان الحسي غير نظيفة ومليئة بالجراثيم والفيروسات، بسبب كثرة استخدام نفس الخزان من قبل عدة أشخاص، لكن هذا غير صحيح. تكون خزانات الحرمان الحسي في الحقيقة نظيفة جدًا، بداية بسبب خضوعها للتنظيف المستمر اتباعًا للقوانين الملزمة لاستخدامها، بالإضافة إلى أن تركيز الملح العالي في ماء الخزان يمنع نمو الجراثيم فيه، وأيضًا يقوم الأشخاص الذين يستخدمون خزان الحرمان الحسي بالاستحمام قبل وبعد جلسة العلاج. مع هذا ينصح باستخدام سدادات أذنية قبل البدء بجلسة العلاج، بالإضافة إلى تجنب العلاج في حال وجود جروح في الجسم، حتى لا تلتهب.
ظهرت في السنوات الأخيرة علاجات متطورة بدأت تحل محل العلاج بالحرمان الحسي، خصوصًا وأن نتائجها أفضل وتأثيراتها الجانبية أقل، وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن العلاج بالحرمان الحسي يجب أن يجرى تحت إشراف الطبيب أو المعالج المختص، ووفق استطباب واضح ومحدد، مع مراقبة سير العلاج ومعدلات الاستجابة وتحسن الأعراض.