أسباب التردد في طلب العلاج النفسي وطرق التغلب عليها والتعامل معها
تزايد الوعي حول الأمراض والاضطرابات النفسية وضرورة علاجها في السنوات الأخيرة. يرجع هذا في جزء كبير منه إلى الحملات الهادفة لزيادة الوعي بأعراض ومخاطر الاكتئاب والإدمان واضطراب ثنائي القطب، بالإضافة إلى أن العديد من المشاهير يتحدثون عن مشاكلهم النفسية بشكل علني.
وعلى الرغم من هذا التقدم، فإن العديد من الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة لا يطلبونها، فقد أظهرت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية أن ما بين 30 و80% من الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية لا يسعون للعلاج، وهذا يشمل 50% من الأشخاص المصابين بالاضطراب ثنائي القطب، و55% من الأشخاص المصابين بنوبات الهلع، و56% من المصابين بالاكتئاب الشديد، و78% من الأشخاص الذين يعانون من الإدمان. إن السؤال المطروح هنا: بما أنَّ مشاكل الصحة النفسية أصبحت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، وتوفرت الرعاية الطبية بشكل أسهل، لماذا يطلب عدد قليل نسبيًا من الناس المساعدة؟
أسباب التردد بطلب العلاج النفسي
يوجد العديد من الأسباب التي تدفع الناس لعدم طلب المساعدة عندما يعانون من مشكلة أو اضطراب نفسي، من أهمها:
الخوف من وصمة العار
على الرغم من التقدم الهام في السنوات الأخيرة في تسليط الضوء على أهمية رعاية الصحة النفسية، يخشى الكثير من الناس من وصمة العار إذا اعترفوا أنهم بحاجة إلى المساعدة.
في الحقيقة إن الاكتئاب وغيره من الاضطرابات النفسية قد تصيب أي شخص وليست علامة على الضعف، ولكن معظم الأشخاص الذين يعانون من اضطراب نفسي يشعرون بعدم الأمان وغير متأكدين بالفعل من أنفسهم وموقعهم في الحياة، وقد يكون من الصعب عليهم المخاطرة بطلب المساعدة أو الاعتراف بالمشكلة للطبيب أو الشريك أو العائلة أو حتى لأنفسهم.
قد لا يعتقدون أنهم بحاجة للمساعدة
هناك عدة حالات يجهل فيها الناس أنهم بحاجة للمساعدة لحل مشاكلهم النفسية. يعتبر هذا التجاهل نوعًا من الإنكار، لأنهم يعتقدون أن الآثار المترتبة على الاعتراف بالمشكلة النفسية وطلب المساعدة كثيرة للغاية، وقد يبتكرون أسبابًا عديدة تبرر عدم حاجتهم للمساعدة، من جهة أخرى يمكن ألا يدرك الناس أنهم بحاجة إلى المساعدة لأنهم ببساطة لا يدركون أن ما يمرون به هو مشكلة صحية نفسية يجب علاجها بشكل فعال. وفي بعض الحالات الشديدة قد لا يدري الشخص وضعه الصحي بالضبط، ويحدث هذا عادةً عند حوالي نصف الأشخاص المصابين بالفصام واضطرابات ذهانية أخرى، إذ يعاني هؤلاء من وضع نفسي مرتبك لدرجة أنهم لا يدركون أن هناك شيئًا خاطئًا.
حالتهم النفسية تجعل طلب المساعدة صعبًا
العديد من الاضطرابات النفسية تجعل طلب المساعدة صعبًا لأسباب مختلفة، وحتى إذا كان الشخص المصاب بالاكتئاب يعتقد أن التغيير ممكن وطلب المساعدة ضروري، فإن العثور على معالج نفسي وتحديد موعد قد يندرج تحت فئة “المهام الصعبة”، هذه المهمة ليست صعبة في ظل الظروف العادية، ولكنها قد تصبح أصعب بشكل كبير عندما تكون مكتئبًا، من جهة أخرى يمكن أن يجعل اضطراب القلق الاجتماعي احتمال إخبار طبيبك عن مشكلتك أمرًا معقدًا للغاية.
إن الإصابة باضطراب نفسي يمكن أن تجعل من الصعب للغاية طلب العلاج بمبادرة من الشخص ذاته، وهنا تظهر أهمية دعم الأصدقاء والعائلة ولماذا نحتاج إلى برامج وحملات لمساعدة الأشخاص الذين ليس لديهم هذا الدعم.
الظروف الاقتصادية والاجتماعية والخدمية
هناك عدد من القضايا والظروف التي يمكن أن تجعل من الصعب الوصول إلى الرعاية الصحية النفسية، ومن أهم هذه الظروف مدى توافر الرعاية النفسية وإمكانية الوصول إليها، بشكل خاص في المناطق الريفية النائية، لأن هذه المناطق غالبًا ما تكون محرومة من الخدمات الطبية ولا سيما خدمات رعاية الصحة النفسية. يتأثر كبار السن بشكل خاص بهذه المشكلة لأن الكثيرين منهم يعانون من مشاكل في السفر ويواجهون صعوبة في التنقل.
تشكل التكلفة المادية للعلاج مشكلة هامة أيضًا، فعلى الرغم من أن معظم شركات التأمين تغطي علاج اضطرابات الصحة النفسية إلى حد ما، لكن ليس لدى الجميع تأمين صحي. يواجه بعض السكان ذوي الدخل المنخفض أيضًا ضغوطًا إضافية يمكن أن تزيد من فرص إصابتهم بالاضطرابات النفسية، ويخلق صعوبات في علاجها.
الخوف من العلاج وتأثيراته الجانبية
قد يكون لدى الشخص الذي يعاني من مشكلة تتعلق بالصحة النفسية بعض الأفكار غير الصحيحة حول طرق العلاج ونوعيته واختلاطاته وتأثيراته الجانبية.
إن الصورة النمطية القديمة للمريض المستلقي على الأريكة يصف أحلامه لمدة ساعة كل يوم بينما يستمع المعالج بصمت غير دقيقة نهائيًا، وهناك أيضًا مفاهيم أكثر إثارة للقلق، مثل العلاج النفسي من خلال إجراء جراحة على الدماغ أو العلاج بالصدمات الكهربائية.
بالإضافة لذلك قد يخشى بعض الناس ببساطة إخبار شخص غريب بمشاكلهم، ولكن الحقيقة أن العلاج النفسي بأنواعه المختلفة لا يثير الخوف أو القلق على الإطلاق. عادة ما يكون مكان العلاج هادئ تمامًا ولن تضطر إلى مناقشة أي شيء لا تشعر بالراحة خلاله. قد يتضمن العلاج أنوعًا مختلفة من الأدوية أيضًا، وتعطى هذه الأدوية تحت إشراف طبي بجرعات مدروسة ولا تؤدي إلى تأثيرات جانبية هامة. يستفيد معظم الناس من العلاج النفسي، ويلاحظ كثير من الأشخاص تحسنًا ملحوظًا في وقت قصير نسبيًا.
طرق ونصائح هامة لتشجيع الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية على طلب الدعم والمساعدة
من المهم تسليط الضوء على كيفية تجاوز العقبات التي تمنع المرضى من طلب الرعاية الصحية النفسية، ومن أهم الطرق لذلك:
استعراض التجارب الإيجابية
أفادت الدراسات أن التحدث عن التجارب الإيجابية السابقة لطلب المساعدة أو الدعم تملك تأثيرًا كبيرًا على قرار الشخص الذي يعاني من مشكلة نفسية على طلب المساعدة. يمكن أن يشمل ذلك أيضًا إخبار الناس بمراكز الرعاية الصحية النفسية ومعرفة الخدمات المقدمة فيها، وتسهيل وصولهم لهذه الخدمات.
الدعم الاجتماعي والتشجيع من العائلة والأصدقاء
للدعم الاجتماعي والعائلي تأثيرات إيجابية كبيرة تدفع لزيادة طلب المساعدة، مثل أن يقدم الوالدان الدعم والتشجيع على طلب الرعاية الصحية النفسية لأحد أفراد العائلة، أو يكون للأصدقاء تجارب إيجابية سابقة. ومن المثير للاهتمام، ملاحظة أن الشباب أكثر قابلية لطلب المساعدة أو التوصية بها من أجل صديق، بدلًا من طلب المساعدة بأنفسهم. يجب إبقاء الشخص على اتصال مع الأصدقاء والعائلة، وإشراكه في الأنشطة الاجتماعية، وزيادة اجتماعه مع العائلة والأصدقاء بانتظام.
الانضمام لمجموعات دعم
قد يساعدك التواصل مع الآخرين الذين يواجهون تحديات مماثلة في التغلب عليها. إن مجموعات الدعم للأمراض النفسية متوفرة في العديد من المجتمعات أو عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، كما أن توفير مراكز مجانية في المناطق الريفية خاصة يساهم بشكل كبير في تخطي أحد أهم الحواجز لطلب المساعدة الصحية عند الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية.