ممارسة العلاج التدبري المبني على اليقظة الذهنية
يعرف التدبر mindfulness أنه عبارة عن نمط من الوعي، يعطي من خلاله الشخص اهتمامًا هادفًا ولطيفًا لنفسه في اللحظة الراهنة (الزمن الحاضر)، مع حالة التسليم والقبول، دون إصدار أحكام، ومن غير تشبث بالأفكار أو المشاعر التي قد تتسلل أو تتدفق، وما يرتبط بها من ردود الأفعال.
والتدبر من وجهة نظر الخدمة الاجتماعية الإكلينيكية تقنية علاجية هدفها تدريب العملاء على تحقيق الوعي والحفاظ عليه، من أجل تخفيف الأعراض العقلية والجسدية المؤلمة، وتحسين الجودة الشاملة للحياة.
يلخص “باير” (2014, Baer) بعض الإرشادات الخاصة بممارسة العلاج التدبري:
- الانتباه والتركيز الدقيق على نشاط ما، مثل التنفس أو المشي أو الأكل.
- ممارسة العلاج التدبري بطريقة ودودة واهتمام وتقبل، مع الامتناع عن التقييم والنقد الذاتي.
- التيقظ عندما ينساق الانتباه وراء عوامل تشتت الانتباه، مثل الأفكار أو المشاعر أو الذكريات والأوهام.
- الملاحظة الذهنية لحالة الانسياق ثم العودة مرة أخرى إلى بؤرة الاهتمام.
- في حال نشوء أحاسيس أو عواطف جسدية، لاحظ كيف تشعر، وأين تقع في الجسم، وكيف تتغير، دون أن تتصرف بناءً عليها.
- ملاحظة التجارب الداخلية مع تسميتها بإيجاز واضح، مثل “الحزن” أو “الرغبة في التحرك” أو غير ذلك.
كما يعود الفضل إلى حد كبير في تطور العلاج التدبري المبني على اليقظة الذهنية في وعي المجتمعات العلمية والطبية خلال العقود القليلة الماضية؛ فقد أثبتت البحوث العلمية الفوائد الهائلة لممارسة اليقظة الذهنية لصحتنا الجسدية والعقلية، وقد أوصى بعض المستشارين بالتركيز على اليقظة الذهنية بشكل كبير كمنهج للمرضى المصابين بالاكتئاب والتوتر والامراض المرتبطة بالقلق، كما أصبحت تمرينات اليقظة الذهنية معتمدة في المدارس وأماكن العمل أيضا؛ لمساعدة الطلبة والموظفين على أن يكونوا أكثر تركيزًا وإنتاجًا وأقل استجابة للضغوطات.
وقد أظهرت البحوث العلمية فوائد اليقظة الذهنية في عدة جوانب:
- الصحة الجسدية:
تساعدنا اليقظة الذهنية على التأقلم بشكل أفضل مع مجموعة من الظروف التي تشمل الآلام المزمنة وأمراض القلب والسرطان، وقد أثبتت تعزيزها للجهاز المناعي وتحسين استجابتنا للأمراض المختلفة التي تتراوح من البسيطة كالإنفلونزا إلى المتوسطة كالصدفية وحتى الخطيرة كفيروس نقص المناعة المكتسبة.
- الصحة العقلية:
استُخدمت اليقظة الذهنية بشكل متزايد لمساعدة الأشخاص الذين يواجهون اضطرابات مثل: الاكتئاب الدوري والإدمان والأمراض المرتبطة بالقلق والإجهاد العام، وقد أظهر الأشخاص الذين مارسوا اليقظة الذهنية انخفاضًا في مستوى هرمون الكورتيزول الذين يعد مؤشرًا على الإجهاد.
- الوضوح والتركيز:
أظهر ممارسو اليقظة الذهنية أداء أفضل في الاختبارات التي تقيس الانتباه والاستيعاب والذاكرة العاملة والحل الإبداعي للمشكلات، وبما أن حياتنا العملية أصبحت مثقلة بالمعلومات والمدخلات فقد أشارت الدراسات إلى أنّ اليقظة الذهنية قد تحسن من الوضوح وإتخاذ القرارات.
- جودة الحياة:
كثير من المشاركين في برامج التدريب على اليقظة الذهنية أظهروا رضاء واستحسانًا عاليين لحياتهم، وكذلك العديد من الفوائد مثل زيادة في الوعي الذاتي، وزيادة في تقبل الانفعالات وزيادة في الإحساس بمشاعر الاخرين، ويدعم علماء الاعصاب هذه الفوائد الآن مع بحوث أظهرت أن التأمل الذاتي قد يعزز من مناطق في الدماغ مرتبطة بالسعادة وجودة الحياة والتعاطف.
إن اليقظة الذهنية تساعدك على إيجاد قدر من المساحة في خضم حياتك المزدحمة والمنشغلة، حيث يمكنك أن تجلس جانبًا لمدة نصف ساعة لممارسة منهجية اليقظة الذهنية وذلك لا علاقة له بالابتعاد أو العودة أو الدخول في حالة متغيرة، ولكن بأن تكون في وعي تام، وأن تكون مدركًا بالمكان، وبماذا يحدث من حولك، وأيضًا لا يعني ذلك أننا لا نستطيع أن ننجز أعمالنا بل على العكس؛ فمن خلال الممارسة المستمرة والتغيير المنظم من خلال اليقظة الذهنية سوف يصبح أداء العمل أكثر كفاءة وتركيزًا وإنتاجًا.
من أهم التقنيات العلاجية التي قدمها العالج التدبري والتي ثبت نجاحها منذ ظهوره منذ عقدين ما يلي:
- تمارين التنفس:
تمارين التنفس exercises breathing يمكنها أن تساعد على الاستقرار وخلق حالة ذهنية صافية، وذلك من خلال التنفس بطريقة عميقة ومنضبطة ومنتظمة، ويكون تركيز الانتباه على الأحاسيس الجسدية والعواطف والمشاعر.
بعد الانتهاء من تمارين التنفس يشعر الفرد عادة بزيادة التركيز، وتحديدًا التركيز العقلي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التأثيرات البدنية التي تحدثها تمارين التنفس، حيث يكون العقل مرتاحًا بما يكفي ليصبح أكثر وضوحًا وأقل تشوشًا.
- الحركة الجسدية:
يمكن للحركات الجسدية movement physical الواعية أن تساهم في تحقيق العلاج التدبري للخلاص من القلق أو الاكتئاب.
- الألفاظ ذات الدلالة:
الألفاظ ذات الدلالة cues verbal عبارة عن إشارات لفظية يمكن أن يقدمها المعالج للعميل؛ لتساعد على توجيه الوعي إلى جوانب محددة من التجربة الكلية التي يمر بها العميل. تساعد هذه الكلمات والجمل على تطوير مهارات التدبر التي يمكن استخدامها في الحياة اليومية.
- الصور الإرشادية:
الصور الإرشادية imagery guided عبارة عن صور موجهة باستخدام التدبر، هناك تمرينان للصور الإرشادية:
التمرين الأول عبارة عن تخيل الأفكار المقلقة على أنها بقع داكنة في سماء زرقاء صافية، عندما تظهر هذه البقع الداكنة (الأفكار المقلقة) يلاحظها العميل، ثم يشاهدها وهي تجتاح السماء وتعبر بعيدًا بين الغيوم.
التمرين الثاني عبارة عن تخيل الأفكار المقلقة كأوراق تنزلق على نهر متدفق، على أن الأوراق هي حاملات القلق، ويكون التخيل بوضع ورقة (قلق) على النهر بمجرد ظهوره، ثم مشاهدة الورقة وهي تمضي مع التيار دون محاولة لمسها أو الإمساك بها.
المراجع:
البرثين.عبد العزيز. العلاج التدبري كاتجاه جديد للخدمة الاجتماعية الإكلينيكية، جامعة ام القرى ،2020م
العرجان. سامي ، الشيخي. فاطمة اليقظة الذهنية دليلك خطوة خطوة نحو حياة أكثر سعادة، دار الفكر ،2020م