اضطراب الشخصية الانعزالية
يعاني كثير من الأشخاص من الخجل والارتباك عند التحدث وسط حشد من الناس أو عند مقابلة أشخاص جدد أو في بعض المواقف الاجتماعية الأخرى، وهذا الخجل طبيعي ويتراجع عادة مع تطور مهارات التواصل الاجتماعي لدى الشخص وزيادة قدرته على التصرف في المواقف المختلفة، لكن بعض الأشخاص يكون لديهم خجل شديد يدفعهم لتجنب معظم المواقف الاجتماعية، حتى لو انعكس ذلك سلبًا على حياتهم وعرّضهم لخسارة علاقتهم مع من يحبون أو الوظيفة التي يعملون بها، هؤلاء الأشخاص يعانون من اضطراب الشخصية الانعزالية.
سنتعرف معًا في هذا المقال على هذا الاضطراب وأهم أعراضه وعلاماته وكيفية تشخيصه وعلاجه.
ما هو اضطراب الشخصية الانعزالية؟
اضطراب الشخصية الانعزالية هو أحد أنماط الاضطرابات الشخصية، يقوم الشخص المصاب خلالها بتجنب المواقف الاجتماعية التي يمكن أن يحدث فيها رفض أو نقد له، ويشعر المصاب بالخجل الشديد والإحساس بعدم ملائمته للوسط المحيط وزيادة حساسيته تجاه الرفض والأحكام السلبية من قبل الآخرين، ويعتبر من الاضطرابات النفسية الشائعة، لأنه يؤثر على 2.5% من البالغين حول العالم.
قد تلاحظ أعراض اضطراب الشخصية الانعزالية في مرحلة الطفولة، وغالبًا ما يترافق مع مشاعر عدم الراحة والقلق المستمرين في مرحلة المراهقة وبداية البلوغ، لكن تشخيص هذا الاضطراب غالبًا ما يتم بعد عمر 18 عام، وذلك بسبب الحاجة للتأكد من أن سلوكيات الشخص قد أصبحت دائمة وغير مرنة ولا تتلاشى بسهولة مع مرور الوقت.
يجب التمييز بين اضطراب الشخصية الانعزالية والحالات التالية:
- الرهاب الاجتماعي: يتميز اضطراب الشخصية الانعزالية بقلق وتجنب أكبر من الذي يحدث في اضطراب الرهاب الاجتماعي، ولكن من الممكن أن نرى كلا الاضطرابين معًا.
- اضطراب الشخصية الفصامية: يتسم كلا الاضطرابين بالعزلة الاجتماعية، ولكن مرضى اضطراب الشخصية الفصامية ينعزلون لأنهم لا يهتمون بالآخرين، بينما يكون مرضى اضطراب الشخصية الانعزالية منعزلين بسبب خوفهم من الرفض والانتقاد من الآخرين.
ما هي أسباب اضطراب الشخصية الانعزالية؟
إن السبب الدقيق الكامن وراء اضطراب الشخصية الانعزالية غير معروف، ولكن يعتقد أن كلًا من العوامل الوراثية والبيئية تلعب دورًا مهمًا في تطور هذا الاضطراب، فقد أكدت دراسة (Isomura.2015) أن هناك انتشار لاضطراب الشخصية الانعزالية في العائلات، ولكن دون معرفة الآليات والعوامل الوراثية المسؤولة عن ذلك.
كما أن دور العوامل البيئية مهم جدًا وخاصة في مرحلة الطفولة، فالخجل الذي يكون طبيعيًا لدى الأطفال الصغار يمكن أن يستمر حتى مرحلة المراهقة والبلوغ، وتزداد شدته ليصل لاضطراب الشخصية الانعزالية، كما أظهر معظم المصابين بهذا الاضطراب وجود قصص سابقة لرفض من قبل الأهل أو الأصدقاء، وهذا ما أثر بشكل سلبي على تقديرهم لذاتهم وشعورهم بالأهمية.
ما أعراض وعلامات اضطراب الشخصية الانعزالية؟
بالنسبة للأشخاص المصابين بهذا الاضطراب يكون الخوف من الرفض قويًا للغاية ويختارون الانعزال بدلًا من خطر التجاهل أو الرفض في التفاعلات الاجتماعية المختلفة، وتتفاوت شدة هذا الاضطراب بين الأشخاص، فقد يكون خفيفًا يؤثر بشكل بسيط على الحياة، أو شديدًا يشل حياة المصابين به ويمنعهم من الدراسة أو العمل والاستمتاع بحياتهم، بالإضافة إلى خوفهم من التعرض للرفض والإذلال من قبل الآخرين، ويكون الشخص المصاب بهذا الاضطراب:
- يقلق من قول أو فعل شيء خاطئ.
- يقلق في المواقف الاجتماعية المختلفة.
- يتجنب التفاعل في أماكن العمل.
- يتجنب مشاركة المشاعر مع الأشخاص الآخرين.
- يتجنب اتخاذ القرارات.
- لديه إحساس مستمر بالنقص وبأنه غير ملائم للبيئة المحيطة به.
- يعاني من عدم الثقة بالأشخاص الآخرين.
- يعاني من تدني احترام الذات.
- لديه الرغبة في الانعزال بعيدًا عن الآخرين في معظم الأوقات.
كيف يتم تشخيص اضطراب الشخصية الانعزالية؟
إذا شعرت بأن لديك بعض الأعراض السابقة عليك استشارة طبيبك أو معالجك النفسي لتقييم حالتك عبر أخذ قصة مرضية مفصلة وإجراء فحص سريري شامل، وعلى الرغم من عدم وجود أي تحاليل مخبرية نوعية لتشخيص اضطراب الشخصية الانعزالية فمن الممكن أن يطلب طبيبك بعض التحاليل لاستبعاد أن تكون بعض الأسباب الجسدية هي المسؤولة عن الأعراض.
وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية DSM-5 يتم تشخيص اضطراب الشخصية الانعزالية عند تواجد أربعة من المعايير التالية:
- تجنب الأنشطة التي تتضمن تواصل اجتماعي كبير خوفًا من النقد أو الرفض.
- عدم الرغبة في التواجد مع الأشخاص الآخرين ما لم تكن متأكدًا من أنهم يحبونك.
- غياب العلاقات الاجتماعية القوية خوفًا من التعرض للسخرية من الآخرين.
- الانشغال بالتفكير بالنقد أو الرفض في المواقف الاجتماعية.
- الشعور بعدم الكفاءة المجتمعية أو الدونية.
- التردد في المخاطرة أو القيام بأشياء جديدة خوفًا من الإحراج.
- تجنب المشاركة في المواقف الاجتماعية بسبب الشعور بعد الملاءمة.
ما هي علاجات اضطراب الشخصية الانعزالية؟
إن علاج اضطرابات الشخصية وخاصة اضطراب الشخصية الانعزالية هو أمر صعب؛ لأن الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات لديهم جذور عميقة من الأفكار والسلوكيات الانعزالية والتي قد تكون مقاومة للتغيير، لكن ما يساعدنا في علاج هذا الاضطراب هو أن الأشخاص المصابين به يدركون ضرورة العلاج، وذلك لأن الاضطراب يسبب لهم ضائقة كبيرة ويؤثر على حياتهم بشكل سلبي.
هناك العديد من الخيارات العلاجية لاضطراب الشخصية الانعزالية ومن أهمها:
العلاج النفسي الحركي:
العلاج النفسي الحركي هو شكل من أشكال العلاجات النفسية، يساعد على إدراك الأفكار الواعية كما يساعد على فهم تأثير التجارب السابقة على السلوكيات الحالية، وهذا ما يسمح بدراسة الآلام والصراعات العاطفية السابقة وحلها.
العلاج السلوكي المعرفي:
هو أحد أنواع العلاج النفسي يساعدك فيه المعالج النفسي في التعرف على الأفكار غير الصحية واستبدالها بأفكار أخرى صحية وسليمة.
العلاج الدوائي:
لا يوجد أدوية محددة لعلاج اضطرابات الشخصية، ولكن من الممكن أن يصف طبيبك النفسي بعض الأدوية الحالة للقلق أو المضادة للاكتئاب لمساعدتك في مواجهة هذا الاضطراب، لا تستخدم هذه الأدوية إلا بإشراف الطبيب، وذلك لأنها قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا ما أُسيء استخدامها.
يعتمد اختيار العلاج المناسب على حالة المريض، بالإضافة إلى رأي الطبيب النفسي أو المعالج النفسي الذي يتابع الحالة، وقد أكدت دراسة (Lampe.2016) أن العلاج المناسب لاضطراب الشخصية الانعزالية يترافق مع تحسن كبير في شعور الأشخاص المصابين وعلاقتهم مع الوسط المحيط بهم، بالإضافة إلى تحسن أدائهم في مجالات العمل والدراسة.
على الرغم من أن اضطراب الشخصية الانعزالية يشكل تحديًا صعبًا للأشخاص المصابين به إلا أنه حالة يمكن علاجها وتخطيها، يمكنك التواصل مع معالجك النفسي عبر تطبيق لبيه لمساعدتك على تقييم حالتك والوصول للعلاج المناسب.
الدراسات
K Isomura, M Boman , C Rück , E Serlachius , H Larsson , P Lichtenstein , D Mataix-Cols, Population-based, multi-generational family clustering study of social anxiety disorder and avoidant personality disorder, Department of Clinical Neuroscience,Karolinska Institutet,Stockholm,Sweden, JUN 2015.
Lisa Lampe, Avoidant personality disorder as a social anxiety phenotype: risk factors, associations and treatment, Discipline of Psychiatry, Sydney Medical School, University of Sydney and CADE Clinic, Royal North Shore Hospital, Sydney, New South Wales, Australia, JAN 2016.·