ما هو النوم القهري؟ وكيف أتعامل معه؟
يقضي الإنسان ثلث حياته تقريبًا في النوم، فهو دون أدنى شك جزء لا يتجزأ من الحياة يوفر لنا الراحة والسكون لكي نستمر في عيش حياة صحية ومنتجة، فالجميع يرغب بنوم هادئ بعد يوم عمل شاق، ولكن ليس الأمر بهذه البساطة بالنسبة للأفراد الذين يعانون من النوم القهري، فكيف يمكن أن يتحول صديق الإنسان الوفي من نعمة إلى نقمة؟ وكيف يمكن للنوم أن يكون نومًا قهريًا يعيق حياة الإنسان؟ وما هي أفضل الطرق للتعامل معه؟ إن كنت تبحث عن إجابات لهذه الأسئلة فهي ما سنتحدث عنه في هذا المقال.
مفهوم النوم القهري
يعرف النوم القهري narcolepsy بحسب منظمة الطب الأمريكية APA بأنه اضطراب يتكون من النعاس المفرط أثناء النهار مصحوبًا بنوبات قصيرة من النوم أثناء ساعات الاستيقاظ، وقد تحدث نوبات النوم هذه في أي وقت أو أثناء أي نشاط، بما في ذلك المواقف التي يحتمل أن تكون خطرة مثل: أثناء قيادة السيارة وتستمر هذه النوبات من بضع ثوانٍ إلى بضع دقائق.
غالبًا ما ترتبط النوبات بهلوسة النوم وشلل النوم، وتتميز بالدخول الفوري إلى نوم حركة العين السريعة دون المرور بالمراحل الأولية المعتادة من النوم، وتعود أسباب النوم القهري أو ما يسمى التغفيق غالبًا إلى نقص مادة الهيبوكريتين الكيميائية في الدماغ (المعروفة أيضًا باسم orexin)، والتي تنظم اليقظة، ويُعتقد أن نقص الهيبوكريتين ناتج عن مهاجمة الجهاز المناعي لذاته عن طريق الخطأ، لكن هذا لا يفسر جميع حالات النوم القهري، وغالبًا ما يكون السبب الدقيق له غير واضح حتى الآن.
أنواع النوم القهري
وللنوم القهري نوعان:
- النوع الأول: المعروف باسم النوم القهري مع الجمدة، ويعتمد هذا التشخيص على وجود مستويات منخفضة من هرمون (هيبوكريتين) أو يبلغ الفرد عن الجمدة والشعور بالنعاس المفرط أثناء النهار في اختبار النوم الخاص.
- النوع الثاني: المعروف باسم النوم القهري دون الجمدة حيث يعاني الأشخاص المصابون بهذه الحالة من النعاس المفرط أثناء النهار ولكن عادةً لا يعانون من ضعف عضلي، وعادة ما يكون لديهم أيضًا أعراض أقل حدة ولديهم مستويات طبيعية من هرمون الدماغ هيبوكريتين.
ما هي أعراض النوم القهري؟
يصيب النوم القهري 1 من 2000 شخص، ومتوسط الوقت من ظهور الأعراض حتى التشخيص هو من 5 إلى 15 عامًا، حسب دراسة (Scammell, 2015).
تشمل أعراض النوم القهري:
- النعاس المفرط أثناء النهار
تبدأ أعراض النوم القهري بالنوم المستمر أثناء النهار، فغالبًا ما يكون النعاس أثناء النهار هو أول الأعراض التي تظهر، حيث ينام الأشخاص المصابون بالنوم القهري دون سابق إنذار، ويمكن أن يحدث في أي مكان وفي أي وقت، على سبيل المثال: أثناء العمل أو التحدث مع الأصدقاء.
قد ينام الأشخاص لبضع دقائق فقط أو ما يصل إلى نصف ساعة، وبعد الاستيقاظ يشعرون غالبًا بالانتعاش ولكنهم يشعرون بالنعاس مرة أخرى، ويمكن أن يكون الأمر خطيرًا بشكل خاص إذا حدث ذلك أثناء القيادة، بالإضافة إلى انخفاض في مدى الشعور باليقظة والتركيز خلال اليوم.
- الجمود
أحد الأعراض الأخرى للنوم القهري، هو ما يسمى الجمود أو الجمدة وهي نوبات مفاجئة من الشلل الجزئي أو الكامل للعضلات الإرادية، وتنجم هذه النوبات عن مشاعر قوية، وغالبًا ما تكون بسبب المشاعر الإيجابية مثل تلك المرتبطة بالضحك أو رؤية صديق بشكل غير متوقع. ومع ذلك، عند بعض الناس، يمكن أن تحدث الجمدة بسبب المشاعر السلبية الشديدة مثل: الإحباط أو الغضب أو الخوف أو المفاجأة.
يمكن أن تسبب تداخلًا في الكلام أو ضعفًا تامًا في معظم العضلات، وعادة ما تتطور على مدى عدة ثوان وقد تستمر الأعراض لبضع دقائق، وتؤثر في البداية على الوجه والرقبة ثم تسبب ضعفًا في الجذع والأطراف، مع الحفاظ على العضلات المرتبطة بالتنفس. فعلى سبيل المثال: عندما يضحك الشخص، قد يسقط رأسه دون أن يتحكم بذلك، أو قد تفقد الركبتين قوتها فجأة مسببة السقوط.
يتميز الجمود الجزئي بالتلعثم، أما في النوبات الكاملة قد ينزلق الشخص على الأرض، واعيًا تمامًا ولكنه غير قادر على الحركة لمدة دقيقة أو دقيقتين. يعاني بعض الأشخاص المصابين بالنوم القهري من نوبة واحدة أو اثنتين فقط من الجمدة في السنة، وقد يعاني البعض الآخر من عدة نوبات في اليوم، وفي بعض الحالات يتم تشخيصها بالخطأ على أنها نوبة صرع.
- نوم حركة العين السريعة (REM)
يتميز النوم القهري أيضًا بالتنظيم المضطرب لنوم حركة العين السريعة (REM). إذ عادةً ما يدخل الأشخاص مرحلة نوم حركة العين السريعة بعد 60 إلى 90 دقيقة من النوم، لكن الأشخاص المصابون بالنوم القهري غالبًا ما ينتقلون بسرعة أكبر إلى نوم REM ويميلون إلى دخول نوم حركة العين السريعة في غضون 15 دقيقة من النوم.
وذلك يتضمن أحلامًا حية تشبه القصة، وحركات سريعة للعين، وشللًا في جميع عضلات الهيكل العظمي تقريبًا، باستثناء عضلات التنفس. يمكن أن يحدث نوم حركة العين السريعة عند الأشخاص المصابين بالنوم القهري في أي وقت من اليوم.
- شلل النوم
غالبًا ما يعاني الأشخاص المصابون بالنوم القهري من شلل النوم. وأثناء شلل النوم، لا يمكن للشخص التحرك أو الكلام، ويحدث عندما ينام الشخص أو عند الاستيقاظ، وعادة ما يكون لفترة قصيرة ويستمر بضع ثوانٍ أو دقائق؛ لكنه يمكن أن يكون مخيفًا، وقد يكون الشخص واعيًا وعلى دراية بحدوث ذلك ويمكنه تذكره بعد ذلك، ومن الجدير بالذكر أنه ليس كل من مر بتجربة شلل النوم يعاني من النوم القهري.
- الهلوسة
الهلوسة تحدث قبل النوم مباشرة أو بعد الاستيقاظ، ويكون لدى الشخص تجارب غريبة مخيفة تشبه الحلم وتكون المشاهد في كثير من الأحيان في بيئته الحقيقية، حيث يرى الناس أحيانًا أشياء غير موجودة، على سبيل المثال: قد يشعر كما لو أن هناك شخصًا غريبًا في غرفة نومه، لذا قد تكون هذه الهلوسة حية ومخيفة. ومن الجدير بالذكر حسب الدراسة السابقة أن الهلوسة وشلل النوم يحدثان أحيانًا في ما يقارب 20% من عامة السكان، فهما أقل إفادة من الناحية التشخيصية.
- أعراض أخرى
غالبًا ما يتضمن النوم القهري مشاكل إضافية قد تتطلب علاجًا مستقلًا، فعلى الرغم من الشعور بالنعاس كثيرًا في النهار، فإن الأشخاص غالبًا ما ينامون بشكل متقطع في الليل، وقد يعانون من اضطرابات نوم أخرى مثل: انقطاع النفس الانسدادي النومي، حيث يبدأ التنفس ويتوقف أثناء الليل، أو قد يتصرفون أو يتكلمون وهم نائمون كما يحدث في أحلامهم.
هذا بالإضافة إلى السلوكيات التلقائية، حيث ينام الشخص أثناء نشاط ما مثل الأكل والحديث ويواصل النشاط تلقائيًا لبضع ثوانٍ أو دقائق دون وعي بما يفعله، ولا يمكنه تذكر أفعاله، وقد يتحول خط اليد على سبيل المثال إلى خربشة غير مقروءة، أو قد يخزن الأشخاص الأشياء في أماكن غريبة ثم ينسون المكان الذي وضعوها فيه، فضلًا عن مشاكل الذاكرة والصداع والأرق والاكتئاب في بعض الحالات.
كيفية التعامل مع اضطراب النوم القهري
بعد التشخيص السريري والطبي الصحيح للنوم القهري، يمكن للنقاط الآتية بحسب كتاب (Baumann et al., 2011) أن تساعدك في التعامل الصحيح لإدارة الأعراض وعيش حياة صحية.
- التعديل السلوكي: تعد التغييرات في نمط الحياة مهمة في إدارة أعراض النوم القهري مثل:
- الالتزام بجدول زمني وروتين للنوم: فمن المفيد الذهاب للنوم والاستيقاظ في نفس الوقت كل يوم، بما في ذلك عطلات نهاية الأسبوع.
- أخذ قيلولة: قم بجدولة قيلولة قصيرة على فترات منتظمة خلال اليوم، فأخذ قيلولة لمدة 20 دقيقة خلال النهار قد تكون منعشة، وتقلل أيضًا من النعاس لمدة ساعة إلى ثلاث ساعات، وفي بعض الأحيان قد يحتاج بعض الناس إلى قيلولة أطول.
- تجنب النيكوتين والكحول: يمكن أن يؤدي استخدام هذه المواد، خاصة في الليل، إلى تفاقم الأعراض.
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام: خطط لممارسة التمارين المعتدلة والمنتظمة قبل 4 إلى 5 ساعات على الأقل من موعد النوم، فقد يساعدك ذلك على النوم بشكل أفضل في الليل والشعور بمزيد من النشاط أثناء النهار.
- تجنب الوجبات الكبيرة والثقيلة قبل النوم مباشرة.
- التأقلم والدعم
يمكن أن يمثل التعامل مع النوم القهري تحديًا، لذا من الضروري اتباع هذه النصائح:
- إخبار الآخرين: أخبر صاحب العمل أو المعلمين عن حالتك، ثم اعمل معهم لإيجاد طرق للتكيف مع احتياجاتك، قد يشمل ذلك أخذ قيلولة أثناء النهار، ويمكنك تسجيل الاجتماعات أو الفصول الدراسية للرجوع إليها لاحقًا، بالإضافة أنه قد تجد أنه من المفيد الوقوف أثناء الاجتماعات أو المحاضرات، والمشي السريع خلال اليوم.
- كن آمنا أثناء القيادة: إذا كان عليك القيادة لمسافة طويلة، فاعمل مع مقدم الرعاية الصحية الخاص بك لإيجاد طرق للقيام برحلة آمنة، وضع جدولًا طبيًا يبقيك مستيقظًا أثناء القيادة، كأن تتوقف لأخذ قيلولة واستراحة للتمارين الرياضية كلما شعرت بالنعاس، ولا تقد إذا شعرت بالنعاس الشديد.
كما يمكن أن تساعدك مجموعات الدعم والاستشارات في التعامل مع النوم القهري.
- الأدوية
ناقشت دراسة (Wise et al., 2007) دور الأدوية في التعامل مع النوم القهري وإدارة أعراضه، ولكن من المهم الخضوع للتشخيص السريري من قبل الطبيب المختص واتباع علاج دوائي مناسب لكل حالة.
وفي الختام، إن التعامل بشكل صحي وفعال مع النوم القهري يتطلب الفهم الصحيح له بالدرجة الأولى لاتخاذ الخطوات نحو إدارته والسيطرة عليه، فهو ليس مرضًا نفسيًا بل حالة صحية تتطلب التشخيص والمتابعة والرعاية لما له من تأثير على الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية، وتأكد أنه من الضروري طلب المساعدة عند حاجتك لذلك بما يتناسب مع طبيعة الحالة، ويمكنك التواصل مع اختصاصي تطبيق لبيه للمزيد من المعلومات.
المراجع
1- Scammell, T. E. (2015). Narcolepsy. New England Journal of Medicine, 373(27), 2654-2662. DOI: 10.1056/NEJMra1500587
2- Baumann, et al. (2011).”Narcolepsy: pathophysiology, diagnosis, and treatment”. Springer Science & Business Media.
3- Wise et al. (2007). “Treatment of narcolepsy and other hypersomnias of central origin”. An American Academy of Sleep Medicine Review. Sleep, 12, December 2007. DOI: https://doi.org/10.1093/sleep/30.12.1712.
4- Narcolepsy, mayoclinic.org, retrieved on 3/7/2023.
5- Narcolepsy, apa.org, retrieved on 3/7/2023.
6- Narcolepsy, nhs.uk, retrieved on 3/7/2023.
7- Narcolepsy, ninds.nih.gov, retrieved on 3/7/2023