ملخص كتاب الإسعافات الأولية العاطفية لجاي وينش
رغم أننا جميعًا نسعى لطلب العلاج عند حدوث أي مرض أو مشكلة جسدية، لكن ردة فعلنا تختلف عند الشعور بالحزن أو الوحدة أو التعرض للرفض أو فقدان شخص عزيز.
يؤكد الكاتب والطبيب النفسي جاي وينش في كتابه “الإسعافات الأولية العاطفية” على اختلاف الأذيات النفسية عن مقابلاتها الجسدية في الآثار وطرق التطبيب والاهتمام، ويعرض في كتابه مجموعة من الاستراتيجيات والوصفات والنصائح حول مختلف الحالات النفسية، بشكل يساعد على تجاوزها والتعلم منها، لنستعرض في هذا المقال أهم ما ورد في هذا الكتاب القيم، مع أبرز الدروس والنصائح المستفادة منه.
أهمية العلاج النفسي والعاطفي
يؤكد الكاتب على امتداد كتابه على أهمية السعي الداخلي نحو الشفاء والعلاج، وعلى أن علاج الإنسان لجراحه العاطفية والنفسية يبدأ من داخل نفسه.
يتحدث الكاتب في الفصل الأول من كتابه عن جرح التعرض للرفض، وما يتركه من شعور بالألم والخذلان والإحباط وتحطيم للثقة بالنفس، كما يطرح الكاتب أهمية العمل على تعزيز الثقة بالنفس بهدف تجاوز ألم الرفض، ويقترح لهذا كتابة خمس أو ست صفات إيجابية تراها في نفسك على ورقة خاصة، ثم ترتيب هذه الصفات وفق أهميتها بالنسبة لك، ثم اختيار صفة أو اثنتين والتعبير عنهما بأفكارك وأحاسيسك الخاصة في فقرة، يحفز هذا التمرين ثقتك بنفسك ويعزز من هويتك الذاتية.
يقترح الكاتب أيضًا الاعتياد على مخاطبة النفس بعبارات إيجابية وتشجيعية، ومحاولة التعرف على أشخاص جدد تجد قواسم مشتركة بينك وبينهم في علاقات مليئة بالمحبة والثقة.
التأثير السلبي للوحدة والعزلة
ينتقل وينش في الفصل الثاني من كتابه للتحدث عن شعور الوحدة والعزلة، ويؤكد فيه على أن الإصابة بالوحدة هي نتيجة لظروف البيئة الاجتماعية التي نتعرض لها، وليس خطأ الإنسان أو اختياره، فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، حتى وإن رغب في ظروف معينة أن يبقى بمفرده لبعض الوقت.
ينبه الكاتب إلى التصورات الخاطئة التي ترتسم في أذهان الأشخاص الوحيدين حول أنفسهم والآخرين، مثل: شعورهم بالغضب والرفض لأنفسهم، أو أن الآخرين لن يتقبلونهم.
يبدأ علاج الوحدة وفق نصيحة الكاتب بالنقاط التالية:
- التخلص من شعور التشاؤم والتحلي بالتفاؤل والأمل.
- توقع حدوث أشياء إيجابية في الحياة، والتركيز عليها مهما كانت بسيطة أو صغيرة.
- التواصل مع الأصدقاء بشكل أسبوعي.
- ضبط النفس وكبحها عن الانجرار وراء الأفكار المتشائمة والسلبية التي تلتهم ذكاءنا الاجتماعي، وتجنبنا التواصل مع الآخرين لا شعوريا.
- التحلي بالجرأة والانخراط في المناسبات المختلفة.
- التعرف على أشخاص جدد أو حتى تربية حيوان أليف.
كيف يمكن تجاوز ألم الفقد؟
يناقش الكاتب في الفصل الثالث ألم الفقد سواء للأشخاص أو الأحوال، ويؤكد على أن الأوقات الأولى من الفقد هي الأصعب، حيث يشعر فيها الفاقد بالضياع وعدم تقبل ما حصل، فيصبح عاجزًا عن معرفة ما يجب فعله.
يشرح الكاتب أن للفقد آثار تطال الهوية الذاتية، مثل: خسارة عمل أو شخص عزيز، وأن من يختبر تجربة الفقد يميل إلى العزلة وقطع جميع العلاقات والصلات التي تربطه وتذكره بما تم فقدانه، مما يؤدي إلى فقدانه جزء من ذاته وهويته.
يبدأ تجاوز الفقد في رأي الكاتب بـ:
استرجاع ما تم فقدانه خطوة بخطوة، والتحلي بالجرأة والقوة لزيارة الماضي واستعادته، والتحلي بالإيمان وتقبل أن الأشياء والأحوال لا تدوم على حالها، وأن الفقد سنة من سنن الحياة.
التخلص من الشعور بالذنب ودوره في العلاج النفسي
يشير الكاتب في الفصل الرابع إلى شعور الذنب، ويصفه بكونه شعورًا ذو حدين، إذ يعد من جهة أحد علامات الضمير اليقظ، ويظهر عندما نتجاوز المبادئ والفضائل الشخصية أو عندما نتسبب بالأذى لشخص آخر بشكل مقصود أو غير مقصود.
من جهة أخرى، يصبح شعور الذنب سامًا ومضرًا عندما يستمر فترة طويلة من دون وجود أسباب واضحة تفسره، يكون هذا الأمر أكثر شيوعًا عند الناجين من الحروب والحوادث، حيث تطبع هذه الأحداث ذكريات مؤلمة في أذهان الناجين، خاصة عند فقدان أشخاص مقربين فيها.
يبدأ الشفاء من شعور الشخص بالذنب بـ:
السعي للحصول على السلام الداخلي، عبر إصلاح الضرر الذي تم إلحاقه بالآخرين والاعتذار منهم بصدق وتعويضهم عما حصل؛ أو مسامحة النفس في حال كان الاعتذار غير ممكن، وعيش حياة لائقة وسليمة، والقيام بالأعمال الصالحة والجيدة للآخرين.
يؤكد الكاتب على أن مسامحة النفس عملية مستمرة وليست قرارًا وحيدًا، تبدأ بالإقرار بأنك قد عذبت نفسك بما فيه الكفاية، وأن شعور الذنب باستمراره لا يقدم شيئًا مثمرًا.
التفكير الزائد وتأثيراته السلبية
يساعدنا التفكير على تحليل الأمور والبحث عن الحلول والإيجابيات، وتهدئة النفس وضبط مشاعرها في المواقف الموترة، لكن يؤكد الكاتب في فصله الخامس على أن إدمان التفكير والإفراط فيه يضر بالصحة العقلية جدًا، ويعقد الأمور والمشاكل على صاحبه، ويزيد من الغم والتعاسة ويهدد علاقاته الاجتماعية.
ينصح الكاتب بالتحلي بالطاقة والإصرار على التخلص من التفكير المفرط وردعه قدر الإمكان، وعدم الانجرار وراءه، والانشغال بما يمنعه ويحد منه عبر القيام بأي عمل أو نشاط يشغل الذهن، ويشجع الكاتب أيضًا على عدم كبت الغضب والطاقة السلبية في النفس، إنما تنفيسها عبر ممارسة لعبة تسمح بذلك مثل: الملاكمة أو حتى ضرب وسادة.
النهوض بعد الإخفاق والنجاح بعد الفشل
يطرح الكاتب مشكلة الفشل والإخفاق في الفصل السادس من كتابه، وشعور الفشل الذي يرافقه، وخطورة الاستسلام له والانغماس فيه. إن الاستسلام للفشل في نظر الكاتب وتقبله على أنه حقيقة دائمة ترافق الشخص يضر بالتقدير الذاتي له، ويهدم ثقته بنفسه، ويسلبه الطاقة والاندفاع والأمل للتقدم والمحاولة من جديد.
يقترح الكاتب للوقاية من عقبات الفشل الاستعانة بالأصدقاء والحصول على تشجيعهم، وآرائهم التي قد تساعد على إيضاح الأمور وكشف غموضها.
يدعو أيضًا إلى تجربة أشياء جديدة وطرق مختلفة، وعدم الجمود في طريقة واحدة أو شيء واحد، والأهم من كل ما سبق، ضرورة تحمل المسؤولية تجاه أفعالنا والتخلي عن الأفكار البالية التي تحد من قدراتنا وإيماننا بذاتنا، ويمكن في النهاية وعند نفاد طاقتنا الاستعانة بخبير ومختص يوضح لنا الأخطاء والمشاكل التي نرتكبها، فلا عيب في ذلك أبدًا.
نصائح هامة لزيادة تقدير الذات
يناقش الكاتب في الفصل الأخير من الكتاب مشكلة الإقلال أو الإفراط في تقدير الذات، يبين فيه أن قلة تقدير الذات وعدم إعطائها حقها كاملًا يترافق مع نسبة أعلى للإصابة بالاكتئاب والإحباط، ثم الفشل في تحقيق الإنجازات والخوف من الخوض في غمار المجهول والاستكشاف، مما يشكل حلقة مفرغة من التقدير المنخفض للذات وينتج عنه في ذات الوقت الفشل المستمر.
من جهة أخرى يشكل فرط تقدير الذات خطرًا للإصابة بالنرجسية، التي تملك الضرر الأكبر على علاقات الشخص الاجتماعية، فيميل الشخص النرجسي إلى لوم الآخرين على الأخطاء والكذب إن اقتضى الأمر، حتى إن كان هو المخطئ.
يؤكد الكاتب على ضرورة أن يكون الإنسان معتدلًا في تقديره لذاته، لأن هذا ما يشكل ثقته بنفسه، ويجعله يدرك نقاط الضعف والقوة في شخصيته، ويعترف بها من دون أن يعتبرها نقصًا أو حتى يخفيها ليظهر الغرور.
يتضمن تقدير الذات باعتدال تجنب القسوة على النفس، ومراعاة طبيعتها البشرية التي لا تخلو من النقص والأخطاء، والمسارعة إلى إسكات الأصوات الانتقادية التي تجول في الذهن، ومعالجة نقاط الضعف وتقدير نقاط القوة، فتزداد الثقة بالنفس ولا يتحول الإطراء الذي نحصل عليه من الآخرين إلى غرور وتكبّر.
في الختام يركز الكاتب على وحدة نفس وجسد الإنسان، ومثلما لا يجب إهمال الجروح الجسدية خوفًا عليها من الالتهاب، لا يجب أيضًا إهمال الجروح النفسية خوفًا من تفاقم تأثيراتها، وتذكر بأن الحياة تجارب مستمرة وغير متوقعة، ويجب على الشخص خوضها بصبر وإيمان بالنفس، وعند تجاوز الآلام حدها وطاقة تحملنا، فلا بأس بمراجعة المختصين طلبًا للعلاج والمساعدة، فالاعتراف بالمشكلة هي أولى خطوات الشفاء.