فعالية العلاج النفسي عن بُعد
ازداد الاعتماد على التكنولوجيا في السنوات الأخيرة لتسهيل حياة الناس وتحقيق إمكانية الوصول لكافة الخدمات. لقد جعلت وسائل التواصل الاجتماعي من العالم الكبير قرية صغيرة كما يُقال، ولعل من أهم الخدمات التي حققتها وسائل التواصل هذه إمكانية الوصول إلى الاستشارات الطبية والمعلومات الصحية بسرعة وفعالية، ومع زيادة الاهتمام بالصحة النفسية وضرورة تعزيزها والحفاظ عليها، تم تصميم العديد من المواقع والتطبيقات التي تعمل على تقديم خدمات العلاج النفسي والاستشارات النفسية عبر الإنترنت، مثل منصة لبيه والتطبيقات الخاصة بها، فكيف يمكن التعامل مع هذه المنصات والتطبيقات؟ وما هي أهم فوائدها وإيجابياتها؟ وكيف يمكن تحقيق الاستفادة القصوى منها؟
ما هو العلاج النفسي عن بعد؟
يشير مصطلح العلاج النفسي عن بعد إلى تقديم خدمات العلاج النفسي أو الاستشارات النفسية عبر الإنترنت من خلال المواقع والتطبيقات الإلكترونية المختلفة. تستخدم مصطلحات مختلفة للإشارة لهذا النوع من العلاج ولعل من أهمها العلاج النفسي الإلكتروني أو العلاج النفسي أون لاين، وعلى عكس العلاج النفسي التقليدي الذي يتطلب ذهابك إلى عيادة اختصاصي الأمراض النفسية أو المعالج النفسي، فإن العلاج النفسي عن بعد يتيح لك إمكانية التواصل مع معالج نفسي أو مستشار نفسي مرخص باستخدام أي جهاز متصل بالانترنت كجهاز الكمبيوتر أو الهاتف الذكي، وعلى الرغم من وجود بعض القيود على هذا النوع من العلاج النفسي إلا أنه سرعان ما انتشر بشكل كبير ولاقى قبولًا لدى عدد كبير من الناس. تشمل الأدوات والتقنيات الأساسية للتواصل خلال العلاج النفسي عن بعد ما يلي:
- البريد الإلكتروني.
- تطبيقات الهواتف الذكية.
- الرسائل الفورية SMS.
- الاتصال الهاتفي.
- تطبيقات الدردشة النصية والصوتية.
- محادثات الفيديو.
من هم المعالجون النفسيون عبر الإنترنت؟
ربما تتمثل أهم المخاوف المحيطة بالعلاج النفسي عن بعد بشخصية المعالجين النفسيين، وهل هم مؤهلون لدرجة كافية أو حاصلون على شهادات مناسبة لتقديم خدمات العلاج النفسي؟ ليس عليك أن تقلق حول هذا الأمر، خصوصًا إذا كنت تستخدم منصات ومواقع موثوقة مثل منصة لبيه والتطبيقات الخاصة بها، فتمامًا كما يحصل المعالجون النفسيون التقليديون على شهادات وتراخيص تخولهم ممارسة المهنة، فإن المعالجين النفسيين عن بعد يتلقون تعليمًا وتدريبًا مماثلًا أيضًا بل ويخضعون إلى اختبارات دورية، والحقيقة أن أغلب المعالجين النفسيين التقليدين الذي يقدمون خدمات العلاج النفسي التقليدي في العيادة يقومون أيضًا بتقديم خدمات الاستشارة النفسية الإلكترونية بالتنسيق مع أحد المواقع والتطبيقات المختصة بهذا الشأن.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العلاج النفسي عن بعد يخضع لشروط وقواعد خاصة للتأكد من حصول الأشخاص على أفضل الخدمات، ومع ذلك فمن الصعب جدًا تنظيم الممارسة الفعلية للعلاج النفسي عبر الإنترنت نظرًا لأن المعالجين يمكن أن يعملوا من أي مكان في العالم ما يجعل من الصعب تطبيق قوانين ممارسة المهنة عليهم خصوصًا إذا كانوا يعملون عبر مواقع ومنصات غير موثوقة.
قواعد وأخلاقيات العلاج عبر الإنترنت
حددت الجمعية الأمريكية لعلم النفس الشروط التي ينبغي أن تحققها برامج العلاج النفسي عن بعد، ومن أهم هذه الشروط:
- أن يكون لدى المعالج والعميل فهمٌ كاف للتكنولوجيا وآلية العمل المستخدمة في الموقع، وكلاهما قادر على استخدام الأدوات المطلوبة للتواصل مع ضمان بقاء معلومات العميل محفوظة بسرية تامة.
- يلتزم المعالج النفسي بتقديم خدمات الاستشارة النفسية ضمن اختصاصه فقط، وعند سؤاله حول إحدى القضايا من خارج اختصاصه، ينبغي عليه أن يحول الحالة إلى معالج آخر مختص.
- يلتزم المعالج النفسي عن بعد بمواصلة عملية التدريب والتعلم لتقديم أفضل رعاية ممكنة، وتكمن أهمية ذلك في البقاء على إطلاع دائم بأهم الأبحاث والعلاجات الحديثة ومحاولة تضمينها ضمن أساليبه العلاجية.
- الالتزام بالقوانين واللوائح الخاصة بتقديم خدمات العلاج عن بعد في كل دولة.
ما هي أهم إيجابيات العلاج النفسي عن بعد؟
خلال السنوات القليلة الماضية، ازداد شيوع خدمات العلاج النفسي عن بعد بشكل كبير، وذلك لأن هذا النوع من العلاج لديه العديد من الجوانب الإيجابية تجعله خيارًا مقبولًا لدى الكثير من الأشخاص حول العالم، ومن أهم هذه الفوائد والميزات:
- سهولة الوصول: لقد ظهرت ميزات العلاج عن بعد في ظل جائحة كوفيد-19 بسبب حظر التجول الذي فرضته أغلب دول العالم وصعوبات التنقل الناتجة عنه، بالإضافة لذلك يمكن أن يكون هناك عدة عوائق تمنعك من الحصول على العلاج النفسي التقليدي، فعلى سبيل المثال قد تعيش في مدينة أو بلدة لا يتواجد فيه أخصائي صحة نفسية أو معالج نفسي وعندها ينبغي عليك السفر للحصول على خدمات الدعم النفسي، ولكن بفضل تقنيات العلاج عن بعد يمكنك الاستفادة من خدمات العلاج النفسي من منزلك دون الحاجة للاهتمام بمشاكل التنقل.
- أقل كلفة من العلاج النفسي التقليدي: قد لا تستطيع تحمل تكاليف العلاج النفسي التقليدي أو قد لا يغطيها برنامج تأمينك الصحي، وعلى العموم لا يضطر الأشخاص الذين يرغبون بالتقدم لخدمات العلاج النفسي عن بعد لدفع أجور العيادة أو التكاليف المرتبطة بالنقل، ما يجعل العلاج النفسي عن بعد أقل كلفة بكثير من العلاج النفسي التقليدي.
- ملائمة أكثر: يتيح لك العلاج النفسي عن بعد جدولة جلسات العلاج بما يتناسب مع حياتك ووفقًا لجدول أعمالك والتزاماتك العائلية بشكل أكثر من العلاج النفسي التقليدي الذي يتطلب تحديد مواعيد معينة لجلسات العلاج.
- الخصوصية: قد يشعر بعض الأشخاص بالخجل عند زيارتهم لعيادة الطبيب النفسي ويخافون من مواجهة أصدقائهم أو أفراد عائلتهم، بينما يتيح العلاج النفسي عن بعد الاستمتاع بخصوصية وسرية كاملة، ويمكنك جدولة موعد جلساتك عندما تكون وحيدًا في منزلك.
يوضح الجدول التالي أهم أوجه المقارنة بين العلاج النفسي في العيادة والعلاج النفسي التقليدي:
العلاج النفسي عن بعد | العلاج النفسي في العيادة |
إمكانية وصول أفضل. | وصول أصعب. |
تكلفة أقل. | تكلفة العلاج والخدمات المرتبطة به أكبر. |
خصوصية أكبر. | قد تكون الخصوصية أقل. |
ملائمة أكثر لجدول الحياة اليومية. | تحتاج لمواعيد وتفرُّغ أكثر. |
إمكانية التفاعل والتواصل أقل مع المعالج. | إمكانية تفاعل وتواصل أكبر. |
ما مدى فعالية العلاج النفسي عن بعد؟
مع ازدياد انتشار العلاج النفسي عن بعد في جميع أنحاء العالم ازدادت التساؤلات حول مدى فعالية هذا العلاج، وهل يمكن اعتباره بديًلا مناسبًا للعلاج النفسي التقليدي، ومن أجل التحقق من ذلك أجريت العديد من الدراسات التي أظهرت أنَّ العلاج النفسي عن بعد فعَّال بنفس فعالية العلاج النفسي التقليدي في تعزيز الصحة النفسية والحفاظ عليها، وقد وجدت إحدى هذه الدراسات التي أجريت في ألمانيا أن العلاج السلوكي المعرفي عن بُعد كان قادرًا على علاج الاكتئاب والقلق والاضطرابات العاطفية المرتبطة بالأمراض الجسدية بنفس كفاءة العلاج النفسي التقليدي في العيادة. بالإضافة لذلك، أظهرت عدة أبحاث واستطلاعات رأي أن العلاج النفسي عن بعد حقق للأشخاص الذين يتلقون العلاج مستويات عالية من الرضا وشعروا براحة وخصوصية أكبر وساعدهم ذلك على تجاوز مشاكلهم النفسية بنجاح.
ما هي أهم سلبيات العلاج النفسي عن بعد؟
يجب الانتباه للنقاط التالية عن التفكير بالعلاج النفسي عن بُعد:
- قد لا تغطي شركات التأمين الصحي تكاليف العلاج النفسي عن بعد: للأسف فإن بعض برامج التأمين الصحي لا تغطي تكاليف العلاج النفسي عن بعد، لأن هذا النوع من العلاج لا يزال حديثًا، ولم يدرج بعد ضمن قوائم العلاج التي تغطيها شركات التأمين الصحي.
- لا يمكن الوثوق بكل مواقع أو تطبيقات العلاج النفسي عن بعد: قد يكون الحفاظ على سرية وخصوصية معلوماتك الشخصية مصدر قلق كبير عند تلقيك العلاج النفسي عن بعد، وللتأكد من أن أسرارك في أيدي أمينة عليك أن تتأكد من اختيار الموقع أو التطبيق الأكثر موثوقية للحصول على هذه الخدمات.
- غياب التواصل والتفاعل المباشر: يساعد التواصل المباشر مع المعالج النفسي عند التواجد في العيادة على فهم حالتك بشكل أكبر وبالتالي القدرة على تقديم العلاج بشكل مناسب، إذ يعتمد العلاج النفسي على ملاحظة حركاتك ولغة جسدك وهو أمر قد يكون أصعب عند حصولك على الاستشارة النفسية عن بعد.
في النهاية، تذكر أن العلاج النفسي عن بعد هو وسيلة فعالة وملائمة لمساعدتك على تجاوز اضطرابات الصحة النفسية، لكن هذا لا يعني أنه مناسب للجميع، فذلك يعتمد على حالتك وشدة أعراضك. إذا كنت مهتمًا بتجربة العلاج النفسي عن بعد فعليك أن تختار بعناية الموقع أو التطبيق المقدم للعلاج وأن تتحدث مع المعالج النفسي بشكل صريح ودون مخاوف، في بعض الحالات قد يطلب المعالج النفسي عن بُعد أن تراجع أحد مراكز تقديم خدمات العلاج النفسي التقليدي للتأكد من حصولك على أفضل نتائج وخاصة في حال وجود اكتئاب شديد أو أفكار انتحارية أو غيرها من الأشكال الأكثر خطورة من اضطرابات الصحة النفسية.