يعتبر انفصال الأبوين فترة صعبة تحمل تغيرات كبيرة لجميع أفراد الأسرة، وتتطلب منهم قدرة كبيرة على التكيف مع ظروف الحياة الجديدة بعيدًا عن الأشخاص الذين اعتادوا أن يكونوا معهم، ويبقى التخوف الأكبر لدى الأهل حول صعوبة تكيف الأطفال مع هذا التغيير، وتأثير هذا الانفصال على الصحة النفسية لأطفالهم، فعادة ما يعتبر الأهل أن سعادة أطفالهم وصحتهم النفسية والجسدية هي الأولوية القصوى في حياتهم، ولذلك يخافون من تأثرها بشكل كبير بعد الانفصال.
سنتعرف معًا في هذا المقال على أهم الطرق التي تساعد الأبوين على الحفاظ على الصحة النفسية لأطفالهم بعد الانفصال.
كيف يؤثر انفصال الأبوين على الصحة النفسية للطفل؟
إن انفصال الأبوين هو تجربة صعبة للأسرة ويجب التعامل معها بحذر لتقليل الخسائر والتأثيرات السلبية على الأبوين والأطفال قدر الإمكان، ليس المطلوب فقط إيجاد طرق جديدة للتواصل بين الأبوين بعد انتهاء العلاقة بينهما، بل ينبغي أن يتعلما معًا طرقًا جديدة للتواصل مع الأطفال، وأن يحافظا على علاقات صحية معهم، وأن يتفقا سويةً على أهمية الصحة النفسية لأطفالهم، والحرص على ألا تتأثر بشكل سلبي بعد الانفصال.
تختلف تأثيرات انفصال الأبوين من طفل لآخر، فبعض الأطفال يمكن أن يتقبلوا هذا الأمر ويتفهموه، ولكن لسوء الحظ معظم الأطفال يعانون من صعوبة في تقبل الانفصال والتكيف مع الوضع الجديد، وتتضمن أهم التأثيرات السلبية للانفصال على الطفل ما يلي:
تراجع الأداء الدراسي: إن الظروف القاسية الجديدة المرتبطة بالانفصال تعمل على تشتيت انتباه الطفل وتقلل من تركيزه في المدرسة، وهذا الأمر سيؤدي إلى تراجع الأداء الدراسي للطفل، وقد أكدت a study (Nusinovici.2018) انخفاض معدل التحصيل الدراسي لدى الأطفال بعد انفصال الأبوين.
صعوبة التعامل مع الآخرين: تتضمن عملية الانفصال الحاجة لإجراء تغييرات عديدة كتغيير السكن وتغيير المدرسة ومقابلة أصدقاء جدد، وقد لا يستطيع الطفل التعامل مع كل هذه التغيرات دفعة واحدة.
زيادة الحساسية العاطفية: يعاني الأطفال بعد انفصال الأبوين من عدة مشاعر كالفقد والغضب والارتباك والقلق، وأظهرت a study (Çaksen.2022) ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب لدى الأطفال بعد انفصال الأبوين ولا سيما الأطفال الصغار بالعمر.
الغضب والانفعال الشديد: يشعر الأطفال بالاستياء والحزن بعد انفصال الأبوين، وقد يؤدي هذا إلى إحساس الطفل بالغضب والانفعال الشديد، وينعكس ذلك على الوسط المحيط بالطفل، معظم الأطفال يهدأون بعد فترة من الوقت إلا أن بعضهم قد يبقون غاضبين لفترات طويلة جدًا.
الشعور بالذنب: يبحث الطفل غالبًا عن السبب الذي أدى لانفصال والديه، وقد يشعر في لحظة ما أنه هو السبب في كل ما حدث، ويزيد الشعور بالذنب بدوره أيضًا من الاكتئاب والتوتر لدى الطفل.
تراجع الصحة الجسدية للطفل: خلال الفترة الأولى من الانفصال يعاني كلا الأبوين من صعوبة في التعامل مع أطفالهم وتأمين احتياجاتهم الأساسية، ومن الممكن أن يعاني الطفل في هذه الفترة من مشاكل في التغذية أو اضطرابات النوم، وقد يلجأ بعض الأطفال للتدخين أو استخدام بعض الأدوية السيئة بعد انفصال الوالدين وينعكس ذلك بشكل سلبي على صحتهم الجسدية.
خسارة الإيمان بالزواج والعائلة: أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين عاشوا تجربة انفصال الأبوين يكون لديهم معدلات أعلى للطلاق في علاقاتهم المستقبلية، والسبب الأهم في ذلك هو أن الطفل قد نشأ بعيدًا عن جو الأسرة المتكاملة وفقد إيمانه بضرورتها وأهميتها.
كيف تحافظ على الصحة النفسية للطفل بعد انفصال الأبوين؟
على الرغم من تعدد الآثار السلبية للانفصال على الصحة النفسية للطفل، لكن يمكن أن نخفف الكثير منها عبر اتباع بعض النصائح والتوصيات لتقديم الدعم الكافي للطفل خلال هذه الفترة القاسية، ومن أهم هذه النصائح:
كن صريحًا مع طفلك
لعل أهم نصيحة للتعامل مع الأطفال بعد انفصال الأبوين هي التحدث إليهم بصراحة عن الموضوع، وتجنب إخفاء ما حدث أو إخباره أن والده قد ذهب في رحلة عمل مثلًا، سيشعر طفلك طبعًا بالحزن عند سماعه للخبر ولكن سيشعر بأنه قادر على التحدث معك عن الموضوع وسيثق بك بشكل أكبر.
ذكره أنه محبوب بالنسبة لوالديه
احرص دائمًا على تذكير طفلك بأن كلا والديه يحبانه كثيرًا وأنه مهم بالنسبة لهما، فطفلك سيبقى مع أحدكما فقط بعد الانفصال وسيبتعد قليلًا عن الطرف الأخر، ومن المهم للغاية العمل على تبرير غياب شريكك السابق، فقد يقول الطفل أن والدي لا يحبني وينبغي أن يعيش معنا ولماذا تركني وحيدًا، من المهم شرح الأمور للطفل وإخباره أن والده يحبه ولكنه لا يستطيع البقاء معه بعد الآن.
الاهتمام بالصحة الجسدية للطفل
على الرغم من الآثار السلبية للانفصال عليك لكن ينبغي ألا تجعل ذلك يلهيك عن الاهتمام بالصحة الجسدية لطفلك، من الضروري الحرص على أن يتناول طفلك غذاء صحي ومتوازن ويشرب كميات كافية من المياه ويحصل على قسط كاف من النوم، فالحصول على صحة جسدية جيدة يساعد على الحفاظ على الصحة النفسية.
تجنب إظهار الخلافات أمام الطفل
قد تنسى أنت وشريكك السابق الكلام الذي قيل أثناء الخلاف، وقد لا يترك أي آثار نفسية سلبية لديك أو لديه، إلا أن الأطفال يتمتعون بذاكرة قوية ومن الممكن أن يحتفظون بهذه المواقف ويراجعوها في أذهانهم كثيرًا، لذلك من المهم أن تتجنب إظهار الخلافات أمام الطفل.
اقض وقتًا ممتعًا مع طفلك
يساعدك قضاء وقت ممتع مع طفلك على تجاوز الآثار السلبية للانفصال بشكل أفضل، قد يكون ذلك عبارة عن الاستماع لبعض الموسيقى معًا أو مشاهدة فيلم أو القيام بنشاط رياضي أو حتى الذهاب إلى التسوق، هذه الأمور البسيطة لا تحتاج إلى تنسيق، وهي تشعر الطفل بأن الحياة مستمرة وأنه قادر على الاستمتاع بحياته على الرغم من انفصال الأبوين.
لا تنسَ الاهتمام بنفسك أنت أيضًا
عليك الاهتمام بصحتك الجسدية والنفسية لكي تكون قادرًا على تقديم الدعم الكافي لطفلك بعد الانفصال، من الممكن أن تخصص بعض الوقت للاسترخاء أو تلجأ للتحدث إلى صديق مقرب أو اختصاصي دعم نفسي؛ لكي تستطيع التعامل مع هذه الفترة بشكل أفضل.
حافظ قدر الإمكان على الروتين المعتاد مع طفلك
يساعد الحفاظ على الروتين مع طفلك على منحه إحساسًا أكبر بالأمان والراحة وهذا ما يمكنه من التعامل مع الانفصال بشكل أفضل، حاول أن تحافظ على حياة ابنك كما هي قدر الإمكان كمواعيد لعبه مع أصدقائه أو مواعيد دروس الرياضة وحتى مدرسته وأصدقائه، وتجنب القيام بتغييرات كبيرة إلا إذا اضطررت.
لا شك أن الفترة التالية للانفصال هي فترة صعبة ومليئة بالمشاعر والأفكار السلبية، وعلى الرغم من ذلك ينبغي عليك أن تكون قويًا وأن تحاول حماية طفلك وصحته النفسية من التأثيرات السلبية للانفصال، النصائح السابقة مهمة للغاية ويمكنك دومًا التواصل مع معالجك النفسي عبر تطبيق لبيه لمساعدتك على تخطي هذه الفترة الحساسة وتجاوز تأثيراتها السلبية.
الدراسات:
1- Simon Nusinovici, Bertrand Olliac, Cyril Flamant, Jean-Baptiste Müller, Marion Olivier, Valérie Rouger, Géraldine Gascoin, Hélène Basset, Charlotte Bouvard, Jean-Christophe Rozé and Matthieu Hanf, Impact of parental separation or divorce on school performance in preterm children: A population-based study, Nantes University Hospital, Nantes, France, 2018 Sep 7
2- Hüseyin Çaksen, The effects of parental divorce on children, Divisions of Pediatric Neurology and Genetics and Behavioral-Developmental Pediatrics, Department of Pediatrics, Necmettin Erbakan University, Meram Medical Faculty, Meram, Konya, Turkey, 2022 Mar.