كيف تعالج حالات الوسواس القهري الشديدة؟
تصنف الثقافة الشعبية الوسواس القهري على أنه ببساطة شخص منظم للغاية أو مرتب أو نظيف. ولكن العيش مع شخص مصاب به أو التعامل معه عن كثب قد يبين مدى آثاره المدمرة على الشخص. فاضطراب الوسواس القهري هو اضطراب مزمن من اضطرابات الصحة النفسية، تؤدي فيه الوساوس التي لا يستطيع الشخص السيطرة عليها إلى سلوكيات قهرية. وعندما تصبح الحالة شديدة، يمكن أن تتداخل الوساوس والسلوكيات مع العلاقات والمسؤوليات وتقلل بشكل كبير من جودة الحياة وتُنهك الشخص.
ما هي أعراض اضطراب الوسواس القهري؟
غالبًا ما يبدأ الوسواس القهري خلال سنوات المراهقة أو سنوات الشباب. قد تكون الأعراض خفيفة بالبداية وتزداد شدتها على مر السنين. أو قد تؤدي الأحداث المجهدة إلى تفاقم الأعراض. الوسواس القهري له نوعان مميزان من الأعراض:
- الوساوس: هي الأفكار المتطفلة وغير المرغوب فيها.
- الدوافع القهرية: هي السلوكيات التي يقوم بها الشخص من أجل محاولة تخفيف التوتر أو القلق والتي يتحكم بها بشكل بسيط أو لا يتحكم بها إطلاقًا.
على الرغم من عدم وجود تشخيص رسمي لاضطراب الوسواس القهري “الشديد”، ولكن هناك العديد من الأشخاص يشعرون أن أعراضهم شديدة وأنها تؤثر بشدة على حياتهم، بالإضافة إلى ذلك من الممكن أن يؤدي الوسواس القهري غير المعالج إلى زيادة في شدة الأعراض.
الأعراض الوسواسية
تميل الأفكار الوسواسية للتمحور حول موضوع محدد، مثل الخوف من الجراثيم أو الحاجة إلى التنسيق أو الأفكار المتطفلة حول إيذاء النفس أو الآخرين. وتشمل العلامات ما يلي:
- عدم الرغبة بلمس الأشياء التي لمسها الآخرون.
- القلق من عدم وضع الأشياء بطريقة معينة.
- التساؤل الدائم عن فكرة قفل الباب أو إطفاء الأنوار.
- تصورات عن مواضيع متطفلة محظورة.
- الأفكار المتكررة عن القيام بأشياء غير مرغوبة.
الدوافع القهرية
هي سلوكيات متكررة لا يستطيع المريض تجاهلها، وقد يعتقد أن القيام بها سيخفف التوتر، ولكن هذا التأثير مؤقت، ما يدفعه إلى القيام بها مرارًا وتكرارًا. ومن الممكن أن تتبع هذه الدوافع القهرية موضعًا محددًا أيضًا، مثل العد أو الغسل أو الحاجة المستمرة للطمأنينة. وتشمل العلامات ما يلي:
- غسل اليدين بشكل مفرط، حتى لو كان الجلد متضررًا.
- ترتيب الأشياء بطريقة دقيقة، حتى لو لم يكن ذلك ضروريًا أو هناك شيء آخر ينبغي القيام به.
- التأكد من قفل الباب أو مراقبة الفرن أو الأشياء الأخرى والتحقق أنها لا تعمل بشكل متكرر، حتى لو كان ذلك يعني عدم الخروج من المنزل.
- العد أو تكرار كلمات أو جمل بصمت، على الرغم من الرغبة بالتوقف.
ما الذي يسبب الوسواس القهري؟
ليس لدينا فهم كامل لأسباب الوسواس القهري، ولكن هناك العديد من العوامل المساهمة المحتملة:
- الأسباب الوراثية: تشير بعض الأبحاث إلى زيادة خطورة الإصابة باضطراب الوسواس القهري إذا كان هناك قريب من الدرجة الأولى مصاب به، خاصةً إذا بدأ بالتطور في مرحلة الطفولة. لا يزال هناك حاجة لتحديد جينات معينة مسؤولة عنه.
- البنية الدماغية ووظيفتها: يبدو أن هناك صلة بين الوسواس القهري والتغيرات في القشرة الأمامية والبنى تحت القشرية للدماغ. يمتلك الأشخاص المصابون باضطراب الوسواس القهري أيضًا من دارة عصبية مفرطة النشاط بين قشرة الفص الجبهي، التي تؤثر على اتخاذ القرارات، والنوى الدماغية، والتي تعد جزءًا من نظام المكافآت في الدماغ. وقد يُشارك ذلك أيضًا هرمونات مثل السيروتونين والغلوتامات والدوبامين.
- العوامل البيئية: قد يتطور الوسواس القهري نتيجة حدث صادم في مرحلة الطفولة، ولكن هناك حاجة لإجراء مزيد من البحوث لتأكيد هذه النظرية بشكل كامل. كما يتظاهر عند الأطفال في بعض الأحيان أعراض للوسواس القهري بعد الإصابة بالمكورات العقدية (PANDAS).
كيف تعالج أعراض الوسواس القهري الشديدة؟
توجد علاجات فعالة لاضطراب الوسواس القهري، ولكنها تتطلب الصبر. فمن الممكن أن يستغرق الأمر عدة أسابيع إلى عدة أشهر حتى يبدأ الشعور بالتحسن.
ما هي الأدوية التي يمكن أن يصفها الطبيب؟
عند البدء بالعلاج الدوائي يقوم الطبيب بوصف أقل جرعة ممكنة ويزيدها حسب الحاجة. قد يطلب الأمر بعض التجارب والأخطاء للعثور على الدواء والجرعة المناسبين. ويستطيع المريض أن يسأل طبيبه عن الآثار الجانبية المحتملة والتداخلات الدوائية. وإبلاغه عن الأعراض الجديدة أو المتفاقمة أثناء تناول هذه الأدوية ولا يجب التوقف عن أخذ الدواء إلا بإشراف الطبيب.
تشمل الأدوية المستخدمة في علاج الوسواس القهري مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات مثل:
- فلوكستين (بروزاك).
- فلوفوكسامين (لوفوكس).
- باروكستين (باكسيل، بيكسيفا).
- سيترالين (زولوفت).
- كلوميبرامين (أنافرانيل).
ما هي الأشياء التي يقوم بها المعالج النفسي؟
عادةً ما يكون العلاج خاصًا بكل مريض، ولكن على الأرجح قد يحتاج المريض إلى كل من المعالجة الدوائية والنفسية. ويعتبر العلاج السلوكي المعرفي (CBT) الطريقة الأكثر فعالية لعلاج الوسواس القهري. فهو نوع من العلاجات النفسية التي تعتمد على العلاقة بين الأفكار والمشاعر والسلوكيات، وتساعد المعالج على تعديل الأفكار للتأثير على الأفعال.
يعد التعرض ومنع الاستجابة (ERP أو EX/RP) نوعًا من أنواع العلاج السلوكي المعرفي، يعرّض فيه المعالج المريض لشيء يخاف منه تدريجيًا حتى يتمكن من تحسين مهارات التأقلم. فمن خلال زيادة التعرض والممارسة، ستزداد قدرته على التحكم بردات فعله. وإذا كان المريض معرضًا لخطر إيذاء نفسه أو لديه أفكار وهمية أو ذهان بسبب حالات أخرى، قد يكون العلاج في المشفى مفيدًا.
ماذا يتوجب على المريض القيام به في المنزل؟
- تناول جميع الأدوية حسب التوجيهات، حتى عند الشعور بالتحسن. أما إذا أراد التوقف، يستطيع الطبيب مساعدته على التخلص التدريجي من الأدوية بأمان.
- استشارة الطبيب أو الصيدلي قبل تناول أدوية إضافية أو مكملات لأنها تتداخل مع علاج الوسواس القهري.
- الانتباه إلى العلامات التي تدل على أنه يقوم بسلوكيات مكررة وغير منتج ويجب عليه إخبار طبيبه بشأنها.
- التدرب على ما تعلمه في العلاج السلوكي المعرفي. فهذه المهارات الجديدة ستساعده لبقية حياته.
- البحث عن طرق جديدة للتعامل مع القلق. قد تساعد التمارين الرياضية والتنفس العميق والتأمل في تخفيف التوتر.
- الانضمام إلى مجموعات الدعم. فمن المفيد التحدث إلى الأشخاص الذين يفهمونه حقًا.
خيارات علاجية حديثة
لا يُنصح عمومًا بالعلاجات الجراحية الحديثة للوسواس القهري الحاد ما لم تكن جميع الأدوية والعلاجات الأخرى غير فعالة. لأنها تترافق مع مخاطر كبيرة. التحفيز العميق للدماغ هو إجراء يقوم به الجراح بزرع الأسلاك الكهربائية في أجزاء معينة من الدماغ. ثم يرسل المحفز العصبي إشارات لتنظيم النشاط غير الطبيعي. تم استخدام هذا الإجراء لعلاج مرض باركينسون والرعاش مجهول السبب.
وهناك إجراء يسمى الاستئصال بالليزر، يقوم الجرَّاح فيه بعمل ثقب صغير بالجمجمة. وبمساعدة التصوير بالرنين المغناطيسي، يقوم شعاع ليزر بإجراء جرح بقطر بضعة ملليمترات لتثبيط الدارات المفرطة النشاط في الدماغ. وتستخدم هذه الجراحة لعلاج الصرع.
الخلاصة
الوسواس القهري هو حالة مزمنة ومنهكة تؤثر على كل جانب من جوانب الحياة. وفي بعض الأحيان قد تكون أعراضه شديدة. وعادةً ما يكون الجمع بين المعالجة الدوائية والنفسية فعالًا جدًا. ولكن قد يستغرق وقتًا حتى يحقق النتائج، وهناك أيضًا علاجات جديدة واعدة للوسواس القهري الحاد. يعد التواصل الجيد بين الطبيب والمريض أحد أهم العناصر الحيوية للعلاج الناجح، ومن المهم أيضًا الاستمرار في ممارسة الأشياء التي تعلمها المريض في جلسات العلاج.