هل هناك علاقة بين الاكتئاب ومواقع التواصل الاجتماعي؟
لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي من أهم طرق التفاعل والتواصل مع عائلتك وأصدقائك المقربين وزملاء العمل، كما أنها تبقيك على إطلاع بأحدث الأخبار في مختلف المجالات التي تهمك، بالإضافة إلى خدمات التسلية والترفيه التي تقدمها، ومع زيادة انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وزيادة استخدامها والاعتماد عليها تظهر العديد من النظريات التي تربط بين هذه المواقع وبعض الاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب.
سنتعرف معًا في هذا المقال على أهم تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية، وسنكتشف معًا ما إذا كان هناك علاقة بين الاكتئاب ومواقع التواصل الاجتماعي.
ماذا قدمت وسائل التواصل الاجتماعي لحياتنا؟
نحن البشر كائنات اجتماعية بالفطرة ونحتاج أن نكون بجانب بعضنا البعض لنعيش حياة أكثر سعادة ونجاح، فتواصلنا الجيد يساعدنا في الحفاظ على صحتنا النفسية وسعادتنا، ويخفف من التوتر والقلق والاكتئاب، كما أن ضعف الروابط الاجتماعية والعزلة يشكلان خطرًا كبيرًا على الصحة النفسية للشخص وقدرته على النجاح والتقدم في حياته، وقد ساهم ظهور تطبيقات التواصل الاجتماعي في تجاوز المسافات وتعزيز العلاقات بين الأشخاص ومساعدتهم على بناء علاقات جديدة والتواصل مع أشخاص جدد.
على الرغم من الآثار الإيجابية الكثيرة لوسائل التواصل الاجتماعي إلا أن لها بعض التأثيرات السلبية على مختلف الأصعدة، فمعظم الأشخاص الذين يقضون وقتًا طويلًا على وسائل التواصل يأخذون هذا الوقت على حساب حياتهم الحقيقية، فهم قد يهملون الاهتمام بالتغذية الجيدة وممارسة التمارين الرياضية ما ينعكس سلبًا على صحتهم الجسدية، كما أن تركيزهم على التواصل مع أصدقائهم عبر وسائل التواصل المختلفة قد يضعف من تركيزهم في العمل والدراسة، بالإضافة إلى أن الدراسات الحديثة تربط بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وارتفاع نسبة الاكتئاب لدى المستخدمين، فكيف يحدث ذلك؟
ما هو الاكتئاب؟
لا يعني شعورك بالحزن لبضعة أيام أنك تعاني من الاكتئاب، فالاكتئاب هو حالة صحية ونفسية تؤثر على مزاجك وأفكارك وسلوكك، ومن الممكن أن تؤدي إلى الكثير من المضاعفات الجسدية والنفسية، كما يؤثر الاكتئاب أيضًا على علاقاتك مع الوسط المحيط بك وإنجازك في العمل أو الدراسة، بالإضافة إلى أنه يصنف الآن ضمن أهم أسباب العجز حول العالم، ومن أهم العوامل المؤهبة للانتحار وإيذاء النفس.
وفقًا لدراسة (Suma.2022) التي أجريت في مستشفى توماس جيفرسون الجامعي، يعتبر الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18-29 عامًا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بثلاث مرات من أولئك الذين تكون أعمارهم أكثر من 60 عام.
هل هناك علاقة بين الاكتئاب ومواقع التواصل الاجتماعي؟
ارتفعت نسبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كثيرًا وخاصة بين الشباب الذين يشكلون الشريحة العمرية الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، وقد أكدت الدراسات العلمية الحديثة أن الفترة الأكثر تأثيرًا على تطور الدماغ هي مرحلة المراهقة والشباب المبكر، وأن آخر المناطق تطورًا هي المناطق المسؤولة عن المعرفة والعاطفة، كما أن عملية تطور الدماغ بشكل عام وهذه المناطق الأخيرة بشكل خاص تتأثر بشكل كبير بالمؤثرات الخارجية والتي تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي من أهمها.
تعرض لك وسائل التواصل الاجتماعي على الدوام مجموعة كبيرة من المنشورات لأشخاص يحظون بمتابعات وتعليقات الكثيرين أو تظهر لك صورًا لأشخاص حققوا إنجازات مهمة أو سافروا إلى مناطق جديدة أو اشتروا منزل كبير أو سيارة حديثة، وعلى الرغم من أن نسبة مهمة من هذه المنشورات والصور قد تكون مزيفة وغير واقعية، إلا أن تعرضك المتكرر لهذه الأفكار والمنشورات قد يؤدي إلى الشعور بعدم الرضا عن شكلك وإنجازاتك وحياتك الخاصة، وبأن الأشخاص الآخرين قادرين على التأثير على مجموعة كبيرة من الأشخاص عبر أفكارهم ومنشوراتهم بينما أنت لا تحظى إلا بمجموعة ضئيلة من المتابعين والتعليقات، وذلك يؤدي لشعورك بالحزن وغياب الدعم وهو يزيد من خطر الاكتئاب لديك.
بالإضافة إلى مشكلة المقارنة مع الآخرين، من الممكن أن تثير وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا مشاعر العزلة والوحدة وهي تجعل الشخص يركز بشكل أكبر على علاقاته الافتراضية وتواصله الالكتروني وذلك على حساب علاقاته الحقيقية مع عائلته وأصدقائه المقربين منه.
كما أن التواصل الإلكتروني لا يستطيع نقل كافة المشاعر المهمة عند التحدث، فقد تظن أن صديقك غاضب منك لأنه لم يرسل لك مجموعة كبيرة من الوجوه الضاحكة ردًا على الصورة التي أرسلتها، في الوقت الذي يكون فيه صديقك قد ضحك كثيرًا إلا أنه نسي أن يقوم بالرد عليك، صعوبات التواصل هذه قد تؤدي إلى مشاكل وانفعالات كثيرة، وقد تؤثر على علاقتك بعائلتك وأصدقائك، وحتى أنك قد تخسر العديد من الأشخاص الداعمين لك وهذا ما يزيد من خطر الاكتئاب لديك.
أظهرت a study (Brian.2020) زيادة حدوث الاكتئاب لدى الشباب الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة، وأن هذه الزيادة مرتبطة بمدة الاستخدام فهي تزيد كلما زادت فترة استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي، كما وجدت a study (Vidal.2020) ارتباطًا مهمًا بين ارتفاع نسبة الاكتئاب والأفكار الانتحارية لدى المراهقين وبين استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي.
كيف يمكن الحد من التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي؟
على الرغم من السلبيات الكثيرة لوسائل التواصل الاجتماعي على صحتنا النفسية والجسدية، إلا أننا قد نجد صعوبة كبيرة في التخلي عنها، وذلك لأنها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من يومنا ووسيلة تواصل مهمة للعائلة، وحتى أنها مهمة في مجالات العمل والدراسة، ولكن ينبغي علينا العمل للاستفادة من هذه الميزات مع أقل آثار سلبية ممكنة وذلك يتم عبر اتباع بعض النصائح وأهمها:
- تحديد وقت مخصص لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ما يخفف من تأثيرها على صحتك النفسية ويمنع هدر الكثير من الوقت.
- التركيز على العلاقات مع الأشخاص المقربين ومحاولة رؤيتهم بشكل فعلي بدلًا من التواصل معهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي فقط.
- محاولة حذف بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي من الهاتف المحمول واقتصار وجودها على جهاز الكمبيوتر فقط، فإن وجودها على هاتفك المحمول سيسهل عليك الدخول إليها وسيسمح لها بالتأثير عليك بشكل أكبر.
- الابتعاد عن متابعة صور وأخبار وتعليقات الأشخاص الذين يشعرونك بعدم الرضا عن حياتك الخاصة.
هذه النصائح ليست النصائح الوحيدة التي تساعدك على الحد من التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي على صحتك النفسية، ويمكنك دومًا التواصل مع معالجك النفسي عبر تطبيق لبيه لمساعدتك على تعلم المزيد من الاستراتيجيات والطرق المناسبة للحد من التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي.
الدراسات:
1- Suma P. Chand; Hasan Arif, Depression, Thomas Jefferson University Hospital, July 18, 2022.
2- Brian A. Primack, Ariel Shensa, Jaime E. Sidani, César G. Escobar-Viera, Michael J. Fine, MD, Temporal Associations Between Social Media Use and Depression, College of Education and Health Professions, University of Arkansas, December 10, 2020
3- Carol Vidal, Tenzin Lhaksampa, Leslie Miller, Rheanna Platt, Social media use and depression in adolescents: a scoping review, Department of Psychiatry and Behavioral Sciences, Johns Hopkins School of Medicine, Baltimore, MD, USA, 2020 Feb.