هل يفيد العطاء صحتي النفسية؟ وكيف أتوازن في عطائي؟
نعلم جميعًا أنّ العطاء يساعد الآخرين، حيث يمكنك إحداث فرق كبير في هذا العالم من خلال تقديم الوقت والدعم للأصدقاء والعائلة أو التطوع في المنظمات أو التبرع للجمعيات الخيرية، لكن هل تعلم أن الشعور الدافئ الذي ينتابك من مساعدة الآخرين مفيد لك أيضًا.
أظهرت الدراسات الحديثة أنّ العطاء يمكن أن يعزز صحتك الجسدية النفسية بعدّة طرق. تعرّف معنا على هذه الفوائد وكيف يمكنك تحقيق التوازن في عطائك.
كيف يؤثر العطاء على حياتنا؟
ينطوي العطاء على اللطف وتفهّم الأشخاص من حولنا، بالإضافة إلى الرغبة في منحهم أشياء لها قيمة، لكن غالبًا ما يتم تعريفه على أنه تفضيل الشخص للآخرين على الذات، ومع ذلك أظهرت الدراسات مؤخرًا أن العطاء هو في الواقع يصب في مصلحة من يقوم به، ويحصل على الكثير من الفوائد التي تخص صحته وسعادته، حيث يعتبر العطاء أحد أهم مبادئ الصحة النفسية السليمة، ويمكن أن يكون مفتاح الحياة الصحية والسعيدة.
كثرت في الأعوام الأخيرة الدراسات التي تسلط الضوء على أثر العطاء على صحتنا الجسدية والنفسية، حيث يقلل العطاء من شدة التوتر الذي تعاني منه، ويحارب الاكتئاب بشكل طبيعي، ويحثّك على تحقيق أهدافك، كما يدعم صحتك الجسدية، وقد تبيّن أيضًا أنّ العطاء يزيد من أعمارنا.
بالإضافة لذلك يساعدنا العطاء على التواصل الاجتماعي بشكل أفضل ويحسن علاقاتنا، فإننا عندما نعطي للآخرين، لا نجعلهم يشعرون بأنهم أقرب إلينا فحسب، بل نشعر بأننا أقرب إليهم، وذلك لأن الكرم واللطف يشجعنا على إدراك الآخرين في بيئة أكثر إيجابية ويعزز الشعور بالمجتمع والترابط بين الناس.
كما يساهم العطاء في تحسين الشعور والنظرة الإيجابية تجاه أنفسنا وإبعاد مشاعر كراهية الذات، وزيادة الثقة بالنفس، حيث نخلق من خلال التركيز على ما نعطيه بدلاً من التركيز على ما نتلقاه توجهًا خارجيًا أكثر انفتاحًا نحو المحيط، مما يحول تركيزنا بعيدًا عن أنفسنا.
ويعتبر الحفاظ على مستوى صحي من الوعي الذاتي والتفكير الإيجابي أمرًا هامًا، حيث يمنعك التفكير السلبي في كثير من الأحيان من ممارسة نشاطاتك اليومية، من خلال تضييع الكثير من الوقت في الاستماع إلى هذا الحديث الذاتي السلبي، والذي يدقق في كل تحركاتك ويزعجك بأفكار سلبية تجاه ذاتك والآخرين.
تضعف هذه الأفكار السلبية من ثقتك بنفسك ويمكن أن تؤدي إلى مشاكل عديدة. تكمن فائدة العطاء في صرف الانتباه عن هذه الأفكار السيئة بداخل كل شخص، حيث يصعب على حوارك الداخلي أن يكون سلبيًا تجاه ذاتك عندما ترى شخصًا آخر يستفيد من أفعالك اللطيفة.
ما هي الفوائد الصحية للعطاء؟
لا تعتبر الابتسامة رد الفعل الوحيد الذي يأتي من العطاء للغير، حيث تحدث أيضًا استجابة هرمونية واضحة في الجسم ردًا على مجرد القيام بشيء لطيف. يفرز الدماغ عدة هرمونات تجعلنا نشعر بالرضا عندما نساعد شخصًا ما أو نقدم الهدايا للآخرين، وتشمل:
- السيروتونين (المسؤول عن تنظيم المزاج).
- الدوبامين (الذي يمنحك إحساسًا بالسعادة).
- الأوكسيتوسين (الذي يخلق شعورًا بالتواصل مع الآخرين).
كما يمكن أن تشمل فوائد الصحة الجسدية والنفسية المرتبطة بالعطاء أو مساعدة الآخرين ما يلي:
1. خفض ضغط الدم
يعتبر العطاء مفيدًا بشكل كبير لصحة القلب والأوعية الدموية، حيث وجد الباحثون فعالية العطاء وتقديم المساعدة في خفض ضغط الدم وتحسين عمل القلب، بشكل مشابه للنتائج الإيجابية التي يحققها النظام الغذائي الصحي والتمارين الرياضية المنتظمة.
2. عمر أطول
قد يكون سر العيش لفترة أطول هو إعطاء المزيد للآخرين، حيث تشير a study (Oman et al, 1999) بعد جمع بيانات أكثر من 1970 رجل مسن خلال مدة زمنية طويلة، إلى أن الأشخاص المنخرطين بممارسة الأعمال الخيرية والتطوعية يميلون إلى العيش لفترة أطول من باقي الناس.
3. توتر أقل
إذا كنت تعاني من التوتر والضغط لفترات طويلة، فقد تكون مساعدة الآخرين الحل الأفضل للتخلّص من ذلك. يمكن أن يقلل تقديم الهدايا أو التطوع من مستويات الكورتيزول في الدم، وهو يعتبر هرمون التوتر الذي يمكن أن يجعلك تشعر بالإرهاق أو القلق، حيث أظهرت a study (Han et al, 2018)، وجود علاقة بين انخفاض كل من مستويات الكورتيزول وأعراض التوتر عند الأشخاص عندما يقومون بأعمال تطوعية، بالمقارنة مع باقي الأيام.
4. شعور أفضل
يمكن أن يعزز العطاء من صحة الخلايا العصبية، من خلال إطلاق هرمون الإندورفين بالجسم، والذي يؤدي بدوره إلى تحسين المزاج وزيادة احترام الذات والشعور بالسعادة ومكافحة أعراض الاكتئاب.
كيف يمكنك تحقيق التوازن في عطائك؟
1. قدّم شيئًا قيّمًا للشخص الآخر
يكون العطاء أكثر فاعلية عندما تكون الهدية التي تقدمها ذات أهمية. فكر فيما يريده أو يحتاجه الشخص الآخر، حيث لا يتعلق الأمر دائمًا بالأمور المادية، بل بما تقدمه من نفسك. يكون التواجد في بعض الأحيان وتخصيص الوقت والاستماع لأحبائك الذي يمرون بأوقات عصيبة هو أعظم هدية يمكن أن تقدمها لهم.
2. تقبّل التقدير
من المهم أن تكون منفتحًا على الأشخاص الذين يعبرون عن تقديرهم لك، فالعطاء هو طريق ذو اتجاهين، والسماح لشخص ما بالتعبير عن امتنانه هو جانب مهم من جوانب هذا العطاء وجزء مما يجعلك تشعر أنك أقرب إليه. كما اكتشف باحثون في قسم علم النفس بجامعة كارولينا الشمالية، إن عاطفة الامتنان تعمل بشكل فريد لبناء علاقة متينة بين شخص ممتن وآخر قام بعمل لطيف أو قدم له المساعدة، لذلك من المهم عدم تجاهل شكر الآخرين لك وتعبيرهم عن امتنانهم ومحبتهم لك.
3. تقبل عطاء الآخرين
يخصص بعض الناس الكثير من الوقت لتقديم المساعدة للغير، لكن دون تقبّل رد الجميل منهم؛ لذلك من المهم أن نسمح للآخرين بفعل الأشياء من أجلنا، وهذا ما يدعى عطاء القبول؛ حتى لا يحرم أحبائك من فرصة الشعور بفرحة العطاء. قد يجعلك قبول عطاء الآخرين تشعر بعدم الراحة، إذا كنت تعتقد أنك غير محبوب أو لا تستحق هذه التصرفات الإيجابية. وعلى الرغم من أنه غالبًا ما يكون العطاء أحد أشكال التعبير عن الحب، إلا أن الكثير من الناس يستجيبون سلبًا لكونهم محبوبين.
4. أظهر الامتنان
تذكر أن الامتنان جزء مهم من هذه المعادلة، لذلك أظهر تقديرك للعطاء الموجه إليك، حتى لو كنت تشعر بالخجل أو عدم الارتياح، ودع الشخص الآخر يعلم ما يعنيه عطائه لك.
يعتبر العطاء الهدية التي تستمر في منحنا الكثير من الفوائد، وتوفر لنا الحياة كل يوم مئات الفرص لنكون كرماء ونقدم العون للآخرين. حاول أن تجعل هذا العطاء أسلوبًا للحياة، حتى نتمكّن من أن نصنع لأنفسنا عالم مليئًا بالخير والمحبة والسلام.
تقدم لك منصة لبيه الفرصة بالانضمام لمجتمعها الذي يقوم على العطاء وتقديم الدعم لك ولعائلتك، من خلال تحميل تطبيق لبيه على هاتفك الذكي مجانًا، وإنشاء حسابك بخطوات بسيطة. استفد من ى مختلف خدمات الصحة النفسية، واحجز موعد استشارتك النفسية عبر الإنترنت، أو انضم لبرامجنا العلاجية ومجموعات الدعم، واحصل على الكثير من المزايا الأخرى.
المراجع:
1- Why Giving is Good for your Health (health.clevelandclinic.org), Cleveland Clinic Platform, Retrieved 16/10/2023.
2- The Benefits of Generosity (psychalive.org), PsychAlive Organization, Retrieved 16/10/2023.
3- Oman D, et al. “Volunteerism and Mortality among the Community-dwelling Elderly.” Journal of Health Psychology. 1999;4(3):301-316. doi:10.1177/135910539900400301.
4- Han, S et al. “STRESS-BUFFERING EFFECTS OF VOLUNTEERING ON SALIVARY CORTISOL: RESULTS FROM A DAILY DIARY STUDY.” Innovation in Aging vol. 2, Suppl 1 75. 11 Nov. 2018, doi:10.1093/geroni/igy023.283.