الوسواس القهري هو اضطراب نفسي يتطلب تشخيصه وجود مجموعة محددة من المعايير، وعلى الرغم من أن معظم حالات الوسواس القهري تكون خفيفة، إلا أن بعضها يكون شديدًا، ويؤثر بشكل كبير على نوعية حياة الشخص وقدرته على التقدم والإنجاز في مجالات العمل والدراسة، وفي جميع الحالات يجب عدم الاستهانة بالوسواس القهري والعمل على تشخيصه وعلاجه بأسرع وقت لتجنب المضاعفات والاختلاطات الممكنة.

ما هو اضطراب الوسواس القهري؟

الوسواس القهري من الاضطرابات النفسية الشائعة، وفيه يعاني الشخص باستمرار من أفكار وأحاسيس غير مرغوبة (الوساوس) والتي تدفعه للقيام بسلوكيات متكررة (سلوكيات قهرية) للتخلص من هذه الوساوس. 

تتداخل هذه الأفكار والسلوكيات مع الحياة اليومية للشخص وتمنعه من القيام بمهامه اليومية، وعادةً ما يكون اضطراب الوسواس القهري حالة مزمنة تدوم لفترات طويلة ولكن الأعراض يمكن أن تظهر وتختفي على شكل نوبات.

يعاني جميع الأشخاص من بعض الهواجس والدوافع القهرية في مرحلة ما من حياتهم، فمثلًا من الشائع أن تقوم بإعادة التحقق من إطفاء الموقد أو إحكام قفل الباب أو إغلاق صنبور المياه، إلا أن هذه السلوكيات لا تؤثر على حياتك ولا تستغرق الكثير من الوقت، أما بالنسبة لمرضى الوسواس القهري فالأفكار تكون مستمرة وتطفلية والسلوكيات تكون صارمة، وعادةً ما يؤدي عدم القيام بالسلوكيات إلى ضائقة وانزعاج كبير، وقد يرتبط مع خوف شديد من العواقب المحتملة لعدم القيام بالسلوكيات القهرية.

هل يعتبر الوسواس القهري من الاضطرابات النفسية الشائعة؟

كان يُعتقد سابقًا أن الوسواس القهري نادر جدًا، لكن في السنوات الأخيرة أظهرت الدراسات أن اضطراب الوسواس القهري يعتبر من الاضطرابات النفسية الشائعة جدًا، وقد أظهرت دراسة (Dan J.2019) أن الوسواس القهري يؤثر على 2-3% من البشر، وهو أكثر شيوعًا لدى النساء، ويمكن أن يؤثر الوسواس القهري على أي شخص، لكن متوسط عمر ظهور هذا الاضطراب هو 19 سنة، وما يقارب 50% من المصابين بالوسواس القهري تبدأ لديهم الأعراض في مرحلة الطفولة والمراهقة.

ما أهم أعراض الوسواس القهري؟

تقسم أعراض الوسواس القهري إلى أفكار وسواسية وسلوكيات قهرية، تؤثر هذه الأعراض بشكل كبير على نوعية حياة الشخص، فعلى سبيل المثال: قد تمنعك الأعراض غالبًا من إنجاز مهامك اليومية في الوقت المحدد أو قد يؤدي انغماسك في ممارسة السلوكيات إلى منعك من النوم ليلًا، وفي الحقيقة فأنت تعلم أن هذه الأعراض تسبب لك المشاكل لكنك غير قادر على إيقافها، وهذه الأعراض من الممكن أن تظهر وتختفي كما أنها تقل أو تزيد مع مرور الوقت.

1- الأفكار والهواجس

هي عبارة عن أفكار وتصورات داخلية غير مرغوبة، ولا يستطيع الشخص المصاب بالوسواس القهري التحكم بها، ويدرك معظم المصابين أنها غير منطقية وغير عقلانية، ومن أهم الأمثلة الشائعة عنها:

• الخوف من التعرض للمواد الملوثة كالجراثيم والسطوح المتسخة.
• الخوف من التسبب بضرر لنفسك أو لشخص أخر لأنك لست حريصًا بما فيه الكفاية.
• حاجة ملحة إلى الترتيب والدقة والتناسق والكمال.
• الخوف من الاعتداء أو الأذى.

2- السلوكيات القهرية

أفعال متكررة يشعر الشخص المصاب بالوسواس القهري أنه يجب عليه القيام بها لتخفيف الوساوس أو التخلص منها، لا يرغب الأشخاص المصابون بالوسواس القهري في أداء هذه السلوكيات القهرية ولا يستمتعون بها، إلا أنهم يشعرون أنهم مضطرون لأدائها وإلا فإن قلقهم سيزداد سوءًا، ومع ذلك فهي لا تساعد على تخفيف الوساوس إلا بشكل مؤقت، فسرعان ما تعود الوساوس مما يدفعهم للقيام بالسلوكيات القهرية مجددًا، ومن أهم الأمثلة على السلوكيات القهرية:

• ترتيب الأشياء بطريقة محددة ودقيقة.
• الاستحمام والتنظيف وغسيل اليدين بشكل متكرر.
• جمع واكتناز الأشياء التي ليس لها قيمة شخصية أو مالية.
• فحص الأشياء بشكل متكرر مثل الأبواب والموقد وصنوبر المياه.
• التحقق باستمرار من أنك لن تسبب ضررًا لشخص ما.
• بعض الطقوس المتعلقة بالأرقام كالعد أو تكرار شيء لعدد معين من المرات أو الإفراط في تفضيل رقم معين أو تجنب بعض الأرقام.
• تجنب المصافحة أو لمس الأشياء التي يلمسها الآخرون كمقابض الباب.

ما هي مضاعفات الوسواس القهري ولماذا عليك ألا تستهين به؟

لا يقتصر تأثير الوسواس القهري على نوبات الأفكار الوسواسية والسلوكيات القهرية بل يمكن أن ينجم عنه بعض المضاعفات الخطيرة، ولعل من أهمها:

استخدام بعض المواد الضارة

قد يلجأ بعض الأشخاص المصابين بالوسواس القهري إلى الإفراط في التدخين أو شرب الكحول أو حتى تعاطي المخدرات؛ وذلك كطريقة منهم لتهدئة النفس وتخفيف بعض أعراض الوسواس القهري، وهذه المواد تؤثر بشكل سلبي على الصحة النفسية والجسدية وتؤهب للإصابة بمجموعة كبيرة ومتنوعة من الأمراض.

ضعف الإنتاجية والتأثير على العمل والدراسة

يمكن أن يكون إنجاز بعض المهام صعبًا عند معاناتك من الوسواس القهري، فمن المحتمل أنك تقضي الكثير من الوقت في ممارسة السلوكيات القهرية، ما يعطلك عن أداء مهامك في العمل، أو أنك لا تملك الوقت الكافي للقيام بمراجعة دروسك وأداء الوظائف المنزلية؛ وهذا ما يؤثر على تحصيلك الدراسي.

مضاعفات وأمراض جسدية

يمكن أن تترافق بعض السلوكيات القهرية مع مشاكل صحية جسدية، وهذا ينطبق بشكل خاص على الأشخاص الذين لديهم سلوكيات التنظيف والغسيل المستمر، فقد يؤدي الاستحمام المتكرر أو فرك الجلد باستمرار أو التعامل مع مواد التنظيف لأكثر من مرة على مدار اليوم إلى تهيج وجفاف الجلد وتأخر شفاء الجروح، كما يمكن أن يؤدي أيضًا إلى الإصابة ببعض اضطرابات الجلد مثل: التهاب الجلد التماسي. 

أظهرت دراسة (LYNNE.2011) أن بعض مرضى الوسواس القهري كان لديهم علامات تجفاف وبعضهم تطور لديهم مضاعفات كلوية بسبب نقصان شرب السوائل، والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى الأفكار الوسواسية التي دفعتهم لتجنب شرب السوائل بهدف تقليل مرات الذهاب إلى المرحاض.

الشعور بالعار والخجل

يشعر معظم المصابين بالوسواس القهري بالخزي والعار من أنفسهم، ويمكن أن تؤدي ردود أفعال الآخرين تجاههم إلى ردات فعل سلبية منهم، فعند سماع المصاب بالوسواس القهري لأصوات الضحك أو الهمسات المتكررة أو التمييز الصريح بسبب ميوله الوسواسية قد يتأثر بشكل سلبي ويشعر باليأس وانعدام القيمة.

الاكتئاب والحزن المستمر

من الممكن أن تؤدي مشاعر العار والتوتر المستمرين المرافقين لمريض الوسواس القهري إلى إصابته بالاكتئاب، فالعيش طوال اليوم ولسنوات طويلة مع هكذا حالة صحية مرهقة قد يدفع الشخص لفقدان الأمل، ويجعل الحياة أكثر صعوبة، ويعرضه لخسارات متكررة في المجال المهني وحتى على مستوى العلاقات الشخصية، وهذا ما يجعله أكثر عرضة للاكتئاب من غيره.

هذه المضاعفات السابقة وغيرها الكثير قد تحدث لدى أي مريض بالوسواس القهري وتزيد من معاناته وآلامه، ولذلك ينبغي عليك ألا تستهين بالوسواس القهري وأن تسعى لعلاجه وذلك عبر التحدث إلى طبيبك عند وجود شكوك حول إصابتك أنت أو أحد أفراد عائلتك بالوسواس القهري، والذي سيقوم بتشخيص الاضطراب وتقديم العلاج المناسب لك.

يمكنك التواصل مع معالجك النفسي عبر تطبيق لبيه للحصول على معلومات أكثر عن هذا الاضطراب، وكيف يمكن علاجه والتعامل مع مضاعفاته على المدى الطويل.

الدراسات

Dan J. Stein, Daniel L. C. Costa, Christine Lochner, Euripedes C. Miguel, Y. C. Janardhan Reddy, Roseli G. Shavitt, Odile A. van den Heuvel, and H. Blair Simpson, Obsessive–compulsive disorder, Department of Psychiatry, University of Cape Town and SA MRC Unit on Risk & Resilience in Mental Disorders, Cape Town, South Africa, 2019 Aug.

LYNNE M. DRUMMOND, AZMATTHULLA KHAM HAMEED, and RUXANDRA ION, Physical complications of severe enduring obsessive-compulsive disorder, National OCD/BDD Service, South West London and St. George’s Mental Health Trust, London SW17 7DJ, UK, 2011 Jun