يُقال دومًا أن من يحب الآخر يضحي من أجله، وأن الشخص المتفاني يضع مصلحة الآخرين قبل مصلحته ويهتم بهم ويلبي احتياجاتهم، لكن عندما تضع احتياجات الآخرين باستمرار قبل احتياجاتك تصبح العلاقة قائمة على الاعتمادية، وتتوقف عن كونها علاقة صحية، وتؤثر بشكل سلبي على نفسيتك وشخصيتك، فما هي الاعتمادية، وكيف يمكن الحد من تأثيراتها السلبية؟
ما هي الاعتمادية؟
تتداخل الاعتمادية مع الارتباط المتعلق بالطفولة، وفي هذا النوع من العلاقات يعتمد أحد الطرفين على الآخر اعتمادًا كاملًا، ما يُضعِف شخصيته ويؤثر عليه سلبًا، فيصعب عليه اتخاذ أي قرار مهما كان بسيطًا، مثل: ماذا يريد أن يرتدي أو يأكل، لأنه يرفض تحمل مسؤولية أي قرار يريد اتخاذه، فيدع غيره يتخذ القرارات، حتى ولو كانت متعلقة بحياته بشكل كبير، وتعاني النساء عمومًا من هذا الاضطراب أكثر من الرجال، ويحدث لعدة أسباب منها:
أسباب وراثية وبيولوجية، إذ لوحظ وجود نشاط زائد في الدماغ عند من يعانون الاعتمادية، وذلك استجابةً للأوضاع الاجتماعية والعاطفية التي يعيشونها من ضغط وتوتر دائمين.
يساهم تسلط الأهل المبالغ به في الطفولة في تكوين شخصية اعتمادية في المستقبل، فقد أشارت a study (Fischer.1992) إلى ارتفاع معدلات الاعتمادية عند الأبناء عندما يكون أهلهم متسلطين مقارنة بغيرهم، وخاصة التسلط القادم من جهة الأب أكثر من الأم، إذ لم تجد الدراسة أي علاقة لتسلط الأم في تكوين شخصية اعتمادية عند الأطفال.
يساهم سوء المعاملة الجسدية أو الكلامية في الطفولة في تنمية شخصية اعتمادية في المستقبل لدى الطفل، إذ أشارت a study (Reyome.2007) نُشرت في مجلة العنف العاطفي، أن هناك علاقة بين طريقة معاملة الطفل في الصغر وظهور الشخصية الاعتمادية لديه، إذ إن العديد من الأشخاص الذين يأتون للعلاج يكون لديهم قصة تعرض لسوء معاملة وإهمال في الطفولة، وهذا ما يساعدنا في فهم تصرفاتهم وتقديم الرعاية المناسبة لهم.
ما صفات الشخصية الاعتمادية وكيف تؤثر على العلاقات؟
تظهر الاعتمادية في جميع أنواع العلاقات بين الآباء والأبناء، وبين الأصدقاء، وبين الشريكين، فهي حالة من عدم التوازن بين الطرفين، وهناك بعض العلامات التي تفهم من خلالها أنك تعاني من الاعتمادية:
- تتكل على الطرف الآخر بكل شيء وتخاف أن يتركك، لذا تقوم بأي شيء من أجله خوفًا من فكرة الهجر والبقاء وحيدًا.
- تشعر أنك في حالة توتر دائم خوفًا من حدوث أي مشكلة معه قد تزعجه وتغضبه منك.
- تحتاج إلى سؤاله حول كل تصرف تريد القيام به مهما كان الأمر بسيطًا وسخيفًا.
- تعتذر دومًا، وتشعر بالذنب والأسى تجاهه حتى لو كان هو الذي أزعجك.
- توافق على كل ما يقوله، وتقوم بكل ما يريدك أن تفعله حتى لو كان عكس رغبتك وإرادتك.
- تحتاج إلى محبة الآخرين لتشعر بقيمتك وبالرضا عن نفسك، لأنك دومًا ما تتكلم مع نفسك بطريقة سلبية وبقلة تقدير واحترام.
هذا كله يؤثر على العلاقة ويضعفها، فمهما كنت تحب الطرف الآخر، وتهتم به عليك الاهتمام بنفسك أيضًا، وعندما نتحدث عن الاعتمادية لا نشير إلى العلاقات التي يعتني بها الطرفان ببعض، بل إلى تلك التي تتضمن اهتمامًا كبيرًا من أحد الطرفين يصل إلى مرحلة تضر به وتؤذيه.
في هذا النوع من العلاقات يكون الطرف المعتمد متعلقًا بالطرف الأخر لدرجة كبيرة، ويخاف من الهجر والبقاء وحيدًا، لذا يتقبل أي تصرف حتى لو كان ينطوي على إساءة المعاملة عاطفيًّا ونفسيًا متغاضيًا عن تأثيرها السلبي الكبيرعليه.
تشير إحدى الدراسات (Dye.2020) إلى أن الأشخاص الذين يتعرضون لسوء المعاملة العاطفية أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب واضطراب القلق والتوتر من الذين تعرضوا للإساءة الجسدية واللفظية فقط، وتؤكد أن هذا النوع من الإساءة قد يكون الأكثر ضررًا بين أنواع سوء المعاملة المختلفة، وله عواقب قد تكون الأسوأ على الإطلاق، كما أنك تعطي كل ما لديك من طاقة للطرف الآخر، وإن كان لا يبادلك نفس المعاملة، فتخسر نفسك شيئًا فشيئًا، ورغم كل ذلك لا تستطيع المغادرة وتركه أبدًا حتى لو كنت تعرف أن هذا هو الخيار الصحيح، إلا أن حاجتك إليه وخوفك من الهجر يبقيك مهما كانت النتائج.
كيف تتعامل مع الاعتمادية وتخفف من تأثيراتها السلبية؟
العديد من الأشخاص الذين يعانون من الاعتمادية لا يطلبون المساعدة إلا عندما يشعرون أن حياتهم بدأت بالانهيار، لذا إليك بعض النصائح التي تساعدك على تخطي هذه المرحلة والخروج منها بأسرع وقت وبأقل الأضرار:
- تعلم التحدث بلطف وإيجابية مع نفسك، وتوقف عن انتقاد كل تصرف تقوم به، ودافع عن أفعالك إذا حاول أحد انتقادك أو إزعاجك أو التحكم بك. تقترح a study (Noronha.2018) أن واحدًا من أفضل الإنجازات التي تقوم بها بحق نفسك هو احترامها وتقديرها، لأنك بهذا تمتلك إرادة قوية وثقة بالنفس وقوة لاتخاذ القرار والإبداع، وهذا كله يرتبط مباشرةً باحترام الذات والشعور بقيمتها.
- حاول اتخاذ بعض الخطوات في طريق الانفصال، عبر القيام بنشاطات بعيدة عن العلاقات السامة، وإيجاد أصدقاء جدد، بمعنى آخر، قم بنشاطات تكون بها على طبيعتك ومريحة لك، لتستطيع من خلالها الخروج مما تشعر به والقيام ببعض التغييرات في حياتك، لأن ذلك يساعدك على الانفصال والتخلص من البؤس والتوتر والإساءة الدائمة التي تعيشها.
- حوِّل انتباهك إلى نفسك عندما تميل إلى التفكير والقلق الزائد على غيرك، وتعلم أن تقول “لا” لأي شخص يحاول التحكم بك والسيطرة عليك ويجبرك على القيام بما لا ترغب به. ستكون هذه المرحلة صعبة لذا حاول ألا تقسو على نفسك وتحمل الصعوبات التي ستمر بها.
مهما شعرت أنك بحاجة إلى شخصٍ معين ولا تستطيع العيش من دونه، ومهما كانت فكرة الرحيل صعبة وقاسية عليك والوحدة مخيفة بالنسبة لك، حاول دائمًا أن تستجمع قوتك وتتخذ القرارات الصحيحة للابتعاد عما يضرك ويؤذيك والمضي في طريق العلاج، حتى لو شعرت أن ذلك مستحيلًا إلا أنك عندما تتخذ أول خطوة وتتذوق طعم النجاح لن تتردد في الاستمرار.
الدراسات:
· Fischer J.D. and Crawford D.W. Codependency and parenting style. Journal of Adolescent Research.1992;7(3):352-363.
· Reyome M.D and Ward K.S. self-reported history of childhood maltreatment and codependency in undergraduate nursing students. Journal of Emotional Abuse. 2007;37-50.
· Dye H.L. Is emotional abuse as harmful as physical and/or sexual abuse?. Journal of Child & Adolescent trauma.2020;13(4): 399-304.
· Noronha L. A study on the self esteem and academic performance among the students. International Journal of Health Sciences and Pharmacy.2018;2(1):7pages