يشكل فقدان أحد الأبناء صدمة كبيرة تؤثر على كل جوانب الحياة، حيث إن الألم الذي يتبع فقدان الطفل ينتج عنه العديد من المشاعر السلبية كالإحباط والحزن وفقدان الأمل، وقد يؤدي إلى اضطرابات نفسية كالاكتئاب والقلق المستمر، ولكن بمرور الوقت ومن خلال اتباع بعض الخطوات والنصائح ستتمكن من الشفاء من صدمة الفقد وتقبل الأمر.
ما هي المراحل التي قد تمر بها عند فقدان طفل؟
يعد فقدان الأبناء أمرًا صعبًا ويختلف تأثيره من شخص لآخر، ويوجد عمومًا 5 مراحل يمكن أن يمر بها المرء الذي فقد شخصًا عزيزًا كالابن، وبفهم هذه المراحل وتقبل الواقع يمكن أن يكون لصدمة الفقد تأثير أخف.
وهذه المراحل هي:
الإنكار
ينتج عن الفقدان العديد من الاضطرابات النفسية والجسدية، وقد بينت a study (O’Connor,2019) الآثار القاسية التي تتركها الفجيعة سواء على الصعيد الجسدي أو النفسي، حيث بينت نتائج الدراسة ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض وارتفاع نسبة الوفيات بعد وفاة أحد الأحباء، إذ يساهم الحزن الشديد في ظهور أعراض جسدية ونفسية وتغيرات ملحوظة في الجهاز المناعي عند الأشخاص المفجوعين، وعادةً ما يكون الإنكار رد الفعل الأول لمحاولة تقليل الألم الهائل للخسارة، إذ يكون من الصعب تصديق فقدان شخص مهم في حياتك، وخاصةً عندما يتعلق الأمر بفقدان أحد الأبناء.
الغضب
إن الغضب هو أيضًا رد فعل شائع للحزن، فإذا فقدت أحد أفراد أسرتك، فقد تجد نفسك تتساءل عن سبب حدوث ذلك، وتغضب من نفسك ومن العالم، أو من الظروف المحيطة، وقد تجد نفسك تتساءل عن كيفية المضي قدمًا في الحياة، الأمر الذي قد يستغرق وقتًا طويلًا للتكيف مع الواقع الجديد.
المساومة
عند توقع خسارة أحد الأبناء، تكون على استعداد لفعل أي شيء لتخفيف الألم أو منع حدوثه، فتحاول المساومة لتغيير الموقف، فتجد نفسك تتفاوض مع ذاتك، أو مع الأشخاص من حولك في محاولة لإبعاد الأذى عن طفلك، وقد تبدأ بإطلاق الوعود على سبيل المثال:
“يا إلهي، إذا شفي طفلي، فسوف أقوم بتغيير حياتي للأفضل”، إذ يسمح هذا السلوك بالتعبير عن مشاعر الخوف من الفقدان.
Depression
عند فقدان أحد الأبناء من الطبيعي أن تشعر بالاكتئاب الشديد، والذي قد يظهر من خلال العزلة وحصول تغيرات في طريقة التفكير والسلوك والنوم، الأمر الذي قد يؤدي إلى ما يسمى بمتلازمة الحزن طويل الأمد.
بينت a study (Shear,2012) أن الحزن المستمر هو حالة تحدث عند ما يقارب 7% من الأشخاص المفجوعين، إذ يعاني هؤلاء الأشخاص من القلق المفرط بسبب وفاة أحد الأحباء، مع الإفراط في استرجاع الذكريات والمواقف، وأشارت الدراسة إلى ضرورة تقديم المساعدة للأشخاص الذين يعانون من حزن معقد بسبب عدم قدرتهم على فهم الفجيعة.
التقبل
التقبل هو المرحلة الأخيرة، حيث إن الاعتراف بما تشعر به وقبوله أمر ضروري، فقبول نفسك ومشاعرك لا يعني أنك لم تعد تشعر بالأسى لفقدان طفلك، بل يعني إدراكك بأن الأمر خارج عن إرادتك وتبدأ في التطلع إلى المستقبل والتخطيط له من جديد.
ما هي الخطوات التي يمكن اتباعها للتخفيف من أثر الفقد؟
يعد فهم المراحل الخمس السابقة المفتاح الرئيسي لتجاوز صدمة فقدان طفلك ولكن يوجد أيضًا بعض النصائح التي يمكنك اتباعها لتخفيف ألمك ومنها ما يلي:
لا تتجاهل مشاعرك
من المهم ألا تتجاهل مشاعرك، فهي ليست الطريقة الأكثر صحة للتعامل مع صدمة الفقدان، إذ يمكن أن يؤدي تجاهل المشاعر إلى خلق حواجز تتعارض مع قدرتك على متابعة الحياة بشكل طبيعي، لذا عليك منح نفسك الوقت والمساحة الكافية لتعبر عن مشاعرك بالكامل.
بينت نتائج a study (Burns,2007) أن محاولات قمع وتجاهل المشاعر عند التعرض لصدمات وأحداث قاسية يؤدي إلى ارتفاع مستويات الحزن بشكل ملحوظ، ولن يتمكن عندها الأشخاص من القيام بأي تغييرات.
تقبل المساعدة
عندما تتعرض للخسارة، فمن الطبيعي أن ترغب في عزل نفسك عن الآخرين، وقد تشعر أنهم لا يفهمون ما تمر به، إلا أن قضاء الكثير من الوقت بمفردك يزيد من صعوبة تقبل الأمر، لذا اطلب المساعدة عندما تحتاجها سواء كان ذلك في تحضير وجبة أو إجازة من العمل، أو التحدث عن شعورك مع شخص داعم، فقد يكون ما تحتاجه ببساطة هو وجود شخص يستمع إليك دون تقديم النصيحة، ويمكنك تحقيق ذلك من خلال التواصل مع أحد أفراد الأسرة أو مع صديق مقرب أو بطلب المساعدة المختصة من طبيب نفسي والذي يمكنه أن يقدم لك أدوات فعالة لتجاوز الصدمة والسيطرة على مشاعرك.
ممارسة تمارين الاسترخاء
ابحث عن نشاط يجلب لك الراحة والطمأنينة، وتأكد من عدم استخدام هذه الأنشطة كطريقة لتجاهل مشاعرك، بل كوسيلة مؤقتة تساعدك في تقبل الأمر وبث المشاعر الإيجابية، على سبيل المثال: ممارسة تمارين اليقظة والاسترخاء تساعدك في أن تصبح أكثر وعيًا باللحظة الحالية وغالبًا ما تسمح لك بالنظر إلى المواقف التي تثير حزنك بطريقة أكثر مرونة.
الانخراط في أنشطة اجتماعية
ابحث عن طرق لإضفاء ذكرى حسنة لفقدان طفلك، كالتبرع لجمعيات خيرية، أو التطوع مع منظمات تهتم بالأطفال، أو المشاركة في الأنشطة التي كان يستمتع بها طفلك بوجود أطفال آخرين، أو يمكن أن تجد طريقة لتشعر بالارتباط الدائم مع طفلك، على سبيل المثال: يمكنك الاحتفاظ بصورة تجمعك معه، أو زيارة مكانه المفضل، وقد يكون القيام بهذه الأشياء مؤلمًا في البداية، ولكن بمرور الوقت يمكن أن تساعدك على الشعور بالرضا والطمأنينة.
يعد الحزن على فقدان طفلك أمرًا صعبًا للغاية، وقد يعاني الآباء من الحزن والقلق والغضب لفترة طويلة، ما قد يؤدي إلى تحول هذه المشاعر إلى اضطرابات في الصحة النفسية، ولكن باتباع استراتيجيات التأقلم وإيجاد الدعم اللازم والتعبير عن مشاعرك ستكون قادرًا على تجاوز الأمر.
تواصل مع معالجك النفسي عبر تطبيق لبيه لمساعدتك على تجاوز صدمة الفقد والتعامل معها بشكل مناسب.
الدراسات
1- O’Connor MF. Grief: A brief history of research on how the body, mind, and brain adapt. Psychosom Med. 2019;81(8):731-738. doi:10.1097/PSY.0000000000000717
2- Shear MK. Grief and mourning gone awry: Pathway and course of complicated grief. Dialogues Clin Neurosci. 2012;14(2):119-128. doi:10.31887/DCNS.2012.14.2/mshe
3- Quartana PJ, Burns JW. Painful consequences of anger suppression. Emotion. 2007;7(2):400-14. doi:10.1037/1528-3542.7.2.400