حفاظ الطفل على خصوصيته واحترام خصوصية الآخرين ووضع حدود صحية معهم، يعتبر من أهم بنود التربية الإيجابية التي تحمل مفهومًا واسعًا، والتي تعتبر مهمة لكل أفراد المجتمع وخاصة بالنسبة للآباء الذين يُعتبرون المسؤول الأول عن تنشئة طفل سليم يكبر ليصبح فرد فعال في مجتمعه.
أكدت الدراسات (2019 ,.Chen et al) أن التربية الإيجابية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بزيادة صحة الأطفال ورفاهيتهم وتقليل الاكتئاب (حتى بعد البلوغ)، ما يدفعنا إلى ضرورة تحسين علاقة الأبوة والأمومة لتعزيز صحة سكان المجتمع ورفاهيته.
تعليم الخصوصية للطفل
هناك العديد من الطرائق لتعليم الطفل الحفاظ على خصوصيته، من ضمنها:
التأكيد على أن الحفاظ على الخصوصية لا يقتصر على طفلك وحده
أول نقطة يجب أن يفهمها طفلك، هو أن الحفاظ على الخصوصية لا يعني خصوصيته وحده فقط، إنما خصوصية الآخرين أيضًا، لأننا عندما نحافظ على خصوصية الآخرين ومساحتهم الشخصية سيحترمون خصوصيتنا وحدودنا الشخصية.
التأكيد على احترام المساحة الشخصية
من القواعد الأولى لاحترام الخصوصية هي احترام المساحة الشخصية للآخرين، وتؤكد الدراسات (2014 ,.Smith et al) أن المساحة الشخصية أمر جوهري بالنسبة للبشر وعدم احترامها يؤدي إلى نتائج سلبية، لكن الأطفال لا يفهمون هذه الحقيقة، فهم يحبون الاقتراب من الآخرين؛ لذلك من المهم تعليمهم الحفاظ على مسافة معينة من الآخرين، لأن الاقتراب الشديد يمكن أن يدفع الأفراد إلى الشعور بعدم الارتياح.
هناك العديد من الطرق التي يمكنك من خلالها جعل طفلك يفهم كيفية البقاء على مسافة مريحة من أي شخص، على سبيل المثال: إذا كان طفلك أصغر من أن يفهم وحدات الطول، فاطلب منه الوقوف ويديه على وركه وتأكد من أن مرفقيه لا يلمسان الآخرين من حوله، أما إذا كان طفلك كبيرًا بما يكفي لفهم ذلك، فاطلب منه البقاء على مسافة قدمين من الآخرين، واجعله يتدرب على الحفاظ على مسافة آمنة عند التفاعل مع الآخرين في المنزل وخارجه.
استخدام الكتابة
يمكن تعليم الأطفال مفهوم الخصوصية عن طريق الكتابة عن المواقف التي قد يواجهها الطفل في حياته اليومية في المجتمع، وهنا تستطيع أن تكتب كل القواعد التي يمكن لطفلك أن يطبقها من أجل الحفاظ على الخصوصية واحترامها على ورقة (على سبيل المثال: يجب ألا ألمس الآخرين عندما أتحدث معهم، أو يجب أن أغلق الباب عندما أستخدم الحمام، أو يجب أن أطلب الإذن قبل أن أدخل الغرفة)، ثم ضع هذه الورقة في مكان يمكن لطفلك قراءتها فيه عدة مرات خلال النهار، ويمكنك أيضًا كتابة قواعد مختلفة على أوراق مختلفة، وبمجرد أن يبدأ طفلك في اتباع قاعدة معينة بجدية واستمرار يمكنك إزالة الورقة التي دونت عليها القاعدة.
امنح طفلك الخيار عندما تريد الاقتراب منه
علم طفلك أن رأيه مهم جدًا فيما يخص مساحته الشخصية ووضع حدوده الخاصة، لذلك اسأله عما إذا كان يشعر بالراحة عندما تعانقه أو تقبله؛ لأن منح الطفل القدرة على تحديد مساحته الشخصية سوف يساعده على فهم أن الآخرين من حقهم القيام بذلك أيضًا.
شجعه على طلب الإذن
يحب معظم الأطفال الصغار أخذ كل ما يجدونه جذابًا، سواء كان ذلك في منزل شخص ما أو في أحد المتاجر، لذلك علّم طفلك الفرق بين الأشياء التي يمتلكها والأشياء التي تخص الآخرين، وأخبره أنه إذا أراد إلقاء نظرة على شيء يخص شخصًا آخر فعليه طلب إذنه ليتمكن من ذلك، بالإضافة إلى ضرورة تعليمه أن يطرق الباب ويطلب الإذن قبل دخول أي مكان.
اقتراح أمثلة من خلال تأدية أدوار
بعض الأطفال غير قادرين على فهم معنى الخصوصية أو يجدون صعوبة في استيعاب هذا المفهوم؛ فإذا كان طفلك من هؤلاء الأطفال، تستطيع إيصال الفكرة إليه من خلال الافتراض وتأدية الأدوار، كأن تجعل جميع أفراد الأسرة يشكلون رتل انتظار لدخول الحافلة، واطلب من طفلك الوقوف خلفك على مسافة تراها مناسبة، أو اطلب منه إحضار جهاز التحكم عن بعد للتلفاز، وعندما يأتي لكي يعطيه لك، أوقفه على بعد مسافة مناسبة وخذه منه، وتأكد في أثناء قيامك بهذه الأنشطة أن تستمر في التأكيد على طفلك أنه بحاجة إلى الحفاظ على مسافة مناسبة ومريحة بينه وبين الآخرين.
اشرح قواعد المحادثات الخاصة
يكون معظم الأطفال (عندما يكبرون قليلاً) فضوليين تجاه عالم البالغين؛ فهم يحبون الاستماع إلى محادثات البالغين والمشاركة في آرائهم، لذلك اجعل طفلك يفهم أنه عندما يتحدث الناس بالهمس (أو بصوت منخفض) مع بعضهم البعض، فهذه علامة على أنهم لا يريدون أن يسمع الآخرون ما يقولونه، ومن ناحية أخرى، عندما يتحدث الناس بصوت عالٍ، يمكنه الانضمام إليهم، لكن عليه طلب إذنهم قبل القيام بذلك.
يمتد مفهوم الخصوصية في الوقت الحاضر ليشمل الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر الشخصية أيضًا، إذ يجد الأطفال هذه الأدوات جذابة للغاية، وغالبًا ما يحاولون النظر إلى الشاشات عندما يستخدمها الآخرون، لذلك علم طفلك أن القيام بذلك أمر غير محترم.
كن قدوة جيدة
يميل الأطفال إلى تعلم العادات من والديهم، لذلك بصفتك أحد الوالدين، طبق الخصوصية أمام أطفالك، كأن تطلب الإذن قبل التعامل مع الأشياء التي تخصهم مثل: الحقيبة المدرسية أو عند دخول غرفتهم أو الانضمام إلى محادثة يجريها طفلك مع صديقه، ستساعده هذه الطريقة على فهم كيفية ممارسة احترام الخصوصية، فالطريقة الوحيدة التي يمكن للوالدين من خلالها غرس الشعور باحترام الحدود والحفاظ على الخصوصية في أطفالهم هي من خلال فعل نفس الشيء.
بصفتك أب وبالغ في حياة الطفل، من مسؤوليتك إظهار الاحترام لخصوصية الآخرين، والانتباه إلى عدم تجاوز حدودك معهم، على سبيل المثال: نحتاج إلى التوقف عن الشعور بالفضول تجاه الآخرين وطرح أسئلة شخصية، أو التحقيق مع طفلك بعد زيارته لصديقه عما فعلته عائلة صديقه خلال الزيارة.
عندما يتعلم الأطفال الحفاظ على خصوصيتهم وخصوصية الآخرين ويُمنحون الخصوصية التي يحتاجون إليها، فإن ذلك يساعدهم على أن يصبحوا أكثر استقلالية ويبني ثقتهم بنفسهم، وباعتبارك أحد الوالدين، حاول تحقيق التوازن بين معرفة ما يفعله ابنك والثقة به في بعض الأمور الخاصة، ومعرفة متى يجب أن تتدخل، وتذكر أن توفير الخصوصية لطفلك والثقة يتيح له معرفة أنك تؤمن به وتثق به لاتخاذ خيارات جيدة ما يزيد من فرصة كونه فرد فعال في مجتمعه.
حمل تطبيق Labayh وتواصل مع المختصين لمعرفة أفضل طرق التربية الإيجابية والتعامل مع أطفالك لتعليمهم الحفاظ على الخصوصية والحصول عليها.
المراجع
1- Ying Chen, Jess Haines et al. “Positive parenting improves multiple aspects of health and well-being in young adulthood”. Nat Hum Behav. 2019 Jul;3(7):684-691. doi: 10.1038/s41562-019-0602-x. Epub 2019 May 6.
2- Karen E Smith, Kelly E Faig. “The role of flexibility in personal space preferences”. J Neurosci. 2014 Jul 30;34(31):10135-6. doi: 10.1523/JNEUROSCI.1997-14.2014.
3- How To Get Your Child To Respect Privacy and Personal Boundaries, www.parentcircle.com, retrieved 27/ 10/ 2023.
4- 5 WAYS TO TEACH KIDS HOW TO RESPECT PERSONAL SPACE, www.brainbalancecenters.com, retrieved 27/ 10/ 2023.
5- Why Teens Need Privacy From Their Parents, www.verywellfamily.com, retrieved 29/ 10/ 2023.