يلقي الإدمان بظلاله على حياة الكثير من الأشخاص، ويمتد أثره ليشمل جميع جوانب الحياة العملية والشخصية والاجتماعية للشخص المصاب به، وإلى جانب التكبيل والاستنزاف الذي يضعه الإدمان في حياة الشخص، تتعاون مشاعر الخجل والعار والخوف والوحدة؛ لتزيد من حالة المصاب سوءًا وأسى.
على الرغم من أن الجهد الأكبر للخروج من قاع الإدمان يقع على المصاب به، إلا أن الدعم والتعاطف والتشجيع المقدم من الآخرين عناصر لا تقل أهمية عن جهد القضاء على الإدمان. تعرف معنا في هذا المقال كيف يمكنك مساعدة صديق لك يتعالج من الإدمان؟
ثقف نفسك حول الإدمان
يلقي المجتمع في العموم نظرة قاسية ومعنّفة على الشخص المصاب بالإدمان، ويضع كامل الأسباب والعوامل عليه من دون تفكير مسبق في الظروف والأحوال التي أجبرته على سلوك هذا الطريق، ويلصق به جميع صفات الضعف والكسل والتقصير.
صحيح أن مفتاح الخروج من الإدمان يقع في الجهد الذي سوف يبذله صاحبه، إلّا أن الوقوع في الإدمان ليس ببساطة الكسل والتقصير الذي يتخيله الآخرون. الحقيقة أن الشخص المدمن، يعاني أيضًا من الوحدة والألم والهم والقلق والإرهاق، وفي لحظة من الضعف والتعب استخدم ما يدمن عليه ليخفف من صعوبة الحياة التي يعانيها.
إن دعم الصديق الذي يعاني من الإدمان، يبدأ من الاعتراف بكونه يعاني وليس بكونه ضعيفًا، وبأنه يحتاج المساعدة وليس بتأنيبه ولومه. تؤكد الدراسة (Ranganathan et al., 2004) على أن العلاج الفعال للإدمان والتغلب الحقيقي والمستمر عليه يتحقق بتطبيق خطة علاجية تتمحور حول العائلة والدائرة المقربة للمصاب بالإدمان، تشمل هذه الخطة جميع الأفراد، وتقييم دور كل منهم، حتى يشكل الجميع موجة واحدة تحمل معها المصاب بالإدمان نحو ضفة الشفاء والصحة.
ركّز على بناء الثقة
إن المدمن غير سعيد بوضعه، ولكنه مرهق من ظروفه الصعبة، وأيضًا من الإدمان الذي ينهش في طاقته وحياته. يشعر المدمن بالخجل من نفسه، ومن الإخفاق والضعف الذي هو فيه، ويخجل أيضًا من طلب المساعدة والاعتراف بما يمر به، ويشعر بالضعف والخوف وفقدان الأمل من قدرة الواقع على التغير نحو وضع يكون فيه هو أكثر قوة وصحة وسيطرة على نفسه وحياته.
يحتاج المدمن، من أجل الوصول إلى الواقع الأفضل، أن يتخذ الخطوة الأولى ويبدأ في طلب المساعدة. تستطيع أنت تقديم هذه المساعدة والدعم والتشجيع أيضًا عندما تنسج بينكما علاقة يملؤها الثقة والتعاطف والتفاهم.
تثبت الدراسة (Carter et al., 2009) أن أي علاقة اجتماعية يهدف فيها الطرفان إلى تقديم المساعدة لبعضها بعضًا، يجب أن تبنى على الثقة.
يجب أن يثق الطرفان ببعضهما بعضًا؛ حتى يتمكنا من إخراج الجانب الضعيف والخائف والمرتبك من الداخل والخفاء إلى العلن. ابتعد عن النقد والتقريع واللوم، واستمع لصديقك وأصغي له بتركيز عندما يتحدث، واعترف بألمه ومعاناته، وصادق على أن ما يمر به ليس صحيًا، وبأنه مرهق ويحتاج المساعدة، وأكد له أن الشفاء والصحة الجيدة من حقه وبأنه قادر عليها، يساعده هذا على امتلاك هدف يحارب من أجله، واستعادة ثقته بنفسه وبناء ثقته بك.
شجع على المساعدة الطبية الخبيرة
إن تجاوز الإدمان عملية صعبة تستغرق الوقت والجهد والصبر الكثير، يحتاج فيها الشخص إلى الدعم والتشجيع المستمر، لكن الأهم، أنه يحتاج أيضًا إلى خطة صحيحة مثبتة طبيًا، تحت إشراف اختصاصيين يملكون الخبرة الحقيقية التي تساعد على التغلب على الإدمان، أيضًا من المهم فهم أن الإدمان ليس نمطًا واحدًا يستجيب لعلاج واحد، بل تعتمد الخطة العلاجية للإدمان على نوع ونمط الشيء الذي يدمنه، وتفيد الأدوية في بعض أنواع الإدمان، بينما يملك العلاج النفسي السلوكي ومجموعات الدعم فائدة أقوى في أنواع أخرى من الإدمان.
إلى جانب كل ما سبق، لا تنسَ أن الإدمان نتيجة لظروف قاهرة اختبرها صديقك وليس خيارًا قاصدًا، ويجب أن يشمل العلاج هذه الظروف ويصححها حتى لا ينكس صديقك ويتراجع عن علاجه. تثبت الدراسة (Burtscheidt et al., 2001) أن العلاج النفسي والنفسي السلوكي يملك أهمية كبيرة جدًا في علاج الإدمان، وأنه عنصر لا ينبغي تجاهله في ضمان نجاح الخطة العلاجية، واستعادة ثقة المدمن بنفسه وجسده وحياته.
يساعد العلاج النفسي، إلى جانب علاج الإدمان، على تعليم المصاب كيفية التعامل مع الظروف الصعبة التي يمر بها، وعليه إدراك أنّ الحل لهذه الظروف والأحوال يقع في مجال بعيد عن الإدمان وسمومه.
إذا كنت تريد مساعدته حقًا، لا تكتفي بأن تطلب منه هجر الشيء الذي يدمنه والصبر والتحمل على ظروفه الصعبة فقط، بل كن عمليًا واقترح عليه اللجوء إلى مركز لإعادة التأهيل وعلاج الإدمان، وابحث عن عناوين هذه المراكز في مدينتك وقدمها له، واذهب معه في أول لقاء حتى يتشجع، واقترح عليه زيارة طبيب نفسي يساعده على التعامل مع حياته ونفسه بصورة أكثر صحةً وتنظيمًا.
اعتني بنفسك جيدًا
إن اعتناءك ومساعدتك لصديقك أمر رائع جدًا منك، لكن لنفسك حق عليك، حق في الراحة والسكينة عند الإرهاق، وفي طلب المساعدة والاستشارة النفسية من الخبير عند الحيرة والضياع، وفي تناول الطعام المفيد وممارسة التمارين الرياضية من أجل الحفاظ على جسد قوي. إن اعتناءك بنفسك ضرورة من أجل اعتنائك بصديقك، تثبت الدراسة (Richards et al., 2013) أن الاعتناء بالذات يبث فيها الطاقة الإيجابية والحيوية التي تنتشر وتترك أثرها المحرك والمنهض في حياة الآخرين المحتاجين عند مساعدتهم.
إن الإدمان ليس النهاية، إنه مرحلة ومحطة صعبة يمر بها الفرد لظروف قاهرة دفعته إلى هذا الطريق، وتجاوز هذه المحطة يحتاج إلى تقديم الأصدقاء والعائلة المساعدة للمصاب، وإعادة غرس الأمل والثقة بالذات والنفس في داخله حتى يتحرك من جديد ويعمل الخير لنفسه.
إن الأطباء والمختصين النفسيين على استعداد دائم لتقديم المساعدة والعلاج، ويجب اللجوء لهم عند الحاجة للمساعدة التي هي حق للجميع، وواجب على أنفسهم.
يمكنك تعلم المزيد عن الصحة النفسية ومساعدة الآخرين عبر استشارة طبيبك النفسي على موقع وتطبيق Labayh.
الدراسات:
1- Ranganathan, S. (2004). Families in Transition: Victims of Alcoholism and New Challenges Ahead. International Journal for the Advancement of Counselling.
2- Carter, M. (2009). Trust, power, and vulnerability: a discourse on helping in nursing.. The Nursing clinics of North America.
3- Burtscheidt, W., Wölwer, W., Schwarz, R., Strauss, W., Löll, A., Lüthcke, H., Redner, C., & Gaebel, W. (2001). Out-patient behaviour therapy in alcoholism: relapse rates after 6 months.. Acta Psychiatrica Scandinavica.Richards, K. (2013). Self-care is a lifelong journey.. Nursing economic$.