كيف تتعامل مع القلق من المستقبل؟
نميل بطبيعتنا كبشر للخوف والقلق بشأن مستقبلنا، وذلك بسبب الكثير من الأمور المجهولة والتحديات التي تفرضها الحياة المعاصرة، إن القلق هو استجابة طبيعية للعديد من هذه المواقف، لكن المشكلة إذا استمر هذا القلق لفترات طويلة وتداخل مع قدرتك على العمل وإنجاز مهامك اليومية.
تابع معنا بعض النصائح المفيدة لتقليل أفكارك السلبية بشأن المستقبل.
لماذا نقلق بشأن المستقبل؟
يعتبر التوتر استجابة الجسم الطبيعية للشعور بعدم اليقين، فمن الطبيعي أن يشعر الإنسان بالقلق بشأن ما قد يخبئه المستقبل، خصوصًا عندما يواجه موقفًا جديدًا أو ظروفًا مربكة بحياته. تساعد هذه المشاعر على تحفيز الفرد وتوقع كل ما هو آت، لذا يكون هذا التوتر مفيدًا بكمياته الصغيرة، لكن عندما يصبح هذا التوتر مزمنًا، نبدأ في رؤية آثاره السلبية على الصحة النفسية والجسدية، وقد يساهم القلق الشديد في تجنب الأشياء التي تجدها مرهقة، ما يؤدي إلى تفاقم الحالة.
قد ينظر الأشخاص المصابون بالقلق لفترات طويلة إلى الأشياء بطريقة مختلفة عن الآخرين، حيث يسيطر التفكير السلبي في توقع كل شيء، وقد تظهر استجابة متزايدة للتهديدات الحقيقية والمتخيلة. عادةً ما يعاني الذين يعانون من القلق بشأن المستقبل من أعراض أخرى، والتي يمكن أن تختلف من شخص إلى آخر، لذا يكون لكل اضطراب قلق أعراضه الخاصة، والتي يمكن أن تختلف من حيث الشدة والمدة.
تشمل أعراض القلق الشعور بالخوف والتوتر والضغط النفسي، بالإضافة إلى سرعة الانفعال وتوقع الأسوأ دائمًا، كما قد يعاني الشخص من أعراض جسدية مثل: تسرع القلب وضيق التنفس والصداع والتعب العام وصعوبة النوم، والتعرق الزائد ورجفة اليد، وتعتبر اضطرابات الجهاز الهضمي كالإسهال وتشنج القولون شائعة أيضًا.
ما هي العوامل التي تساهم في حدوث القلق من المستقبل؟
إن القلق من المستقبل هو استجابة إنسانية طبيعية وردّ فعل تجاه التوتر، لكنه يصبح مشكلة عندما يؤدي لمشاعر الخوف الشديد التي تؤثر على صحة الشخص ورفاهيته وعمله.
لا تزال الأسباب الدقيقة لاضطرابات القلق غير مفهومة بدقة، لكنها قد تنجم عن:
- أسباب وعوامل وراثية: غالبًا ما تحدث اضطرابات القلق في العائلات.
- تجارب الحياة الصادمة: يمكن أن تفاقم الأحداث المؤلمة أو المستويات العالية من التوتر في حدوث القلق.
- الأمراض المزمنة: يمكن أن تساهم بعض الحالات مثل: أمراض القلب أو اضطرابات الغدة الدرقية، في حدوث القلق.
- الأدوية: يمكن أن يكون القلق أحد الآثار الجانبية لأخذ أو إيقاف بعض الأدوية بشكل مفاجئ.
يمكن أن يكون القلق من المستقبل أحد أعراض اضطرابات القلق الأخرى، مثل:
- اضطراب القلق المعمم: يؤثر على 3.1٪ من السكان سنويًا، ويسبب قلقًا مستمرًا ومفرطًا بشأن الأنشطة والأحداث الحياتية المختلفة.
- اضطراب القلق الاجتماعي: يتميز هذا الاضطراب الذي يؤثر على ما يقارب 7.1٪ من البالغين، بالقلق الزائد وتجنب المواقف الاجتماعية بسبب الإحراج أو قلة الثقة بالنفس.
- الرهاب المحدد: يعاني الأشخاص المصابون بالرهاب من قلق وخوف شديد، عند مواجهة أو تخيّل شيء أو مكان أو موقف معين، ويعاني ما يقدر بنحو 9.1٪ من البالغين من رهاب محدد.
- اضطراب الهلع: يؤثر اضطراب الهلع على 2-3٪ من البالغين كل عام، ويسبب نوبات متكررة من الخوف والقلق الشديد الذي يبلغ ذروته في غضون بضع دقائق.
كيف تتعامل مع القلق الزائد من المستقبل؟
1- العناية بالاحتياجات الأساسية
تبدأ الرعاية الذاتية الجيدة بالاهتمام ببعض الحاجات الأساسية للجسم، ينصح بالابتعاد عن مصادر التوتر إذا أمكن ذلك، واتباع نظام غذائي متوازن مع التقليل من المنبهات والسكريات التي قد تزيد حالة القلق سوءًا. كما ينصح بممارسة الرياضة بانتظام، حيث تشير الدراسات إلى أنها تحسن الحالة النفسية وتقلل القلق. أظهرت a study (Anderson, 2013)، وجود أدلة قوية على التأثير الإيجابي للتمارين والنشاط الرياضي المنتظم على أعراض القلق والحالة النفسية والعاطفية للشخص.
من المهم التركيز على جودة النوم عند الذين يشعرون بالقلق من المستقبل، يجب الحصول على قسط كافٍ من النوم لا يقل عن 6-8 ساعات، وتنظيم فترات النوم والاستيقاظ كل يوم، يمكن أن تساعد تمارين التنفس أو التأمل على النوم بسهولة أكبر، كما يجب على الأشخاص الذين يعانون من اضطراب النوم المزمن استشارة الطبيب إذا لم تساعد الإجراءات الأخرى على تحقيق ذلك.
2- ممارسة تمارين الاسترخاء والتأمل
يمكن لهذه التمارين أن تقلل من الشعور بالقلق مع مرور الوقت، بالإضافة لتحسين جودة النوم، وتشمل التقنيات المفيدة: التنفس العميق وتمارين استرخاء العضلات والتخيّل الموجه، يمكنك معرفة المزيد عن هذه التقنيات من معالجك النفسي. لا تعتبر هذه التقنيات علاجًا للقلق، لكن تساعد ممارستها في أوقات محددة على تخفيف الشعور بالقلق، كما يمكن للمعالج النفسي أن يساعد الشخص على دمج تقنيات الاسترخاء مع العلاج السلوكي المعرفي أو العلاج بالتعرض.
3- تجنب الأفكار السلبية
يمكن أن يساعد تغيير تفكير الشخص في تحسين مزاجه، ويمكن القيام بذلك من خلال التفكير في مصدر القلق والأفكار السلبية التي تعاني منها، ثم استكشاف مدى واقعية هذه الأفكار. في كثير من الأحيان، يتخيل الأشخاص الذين يعانون من القلق السيناريو الأسوأ، أما إذا استمر الشخص في تحدي الأفكار السلبية عند ظهورها، ستصبح أقل تكرارًا بمرور الوقت.
4- التعبير عن الامتنان
يمكن أن يكون التعبير عن الامتنان والشكر طريقة جيدة للتركيز على الحاضر، ويساعد في تخفيف القلق من المستقبل، كما يساعدك على البقاء إيجابيًا والتركيز على جوانب كل موقف. يمكن إنشاء قائمة بالأشياء التي تقدرها في حياتك، والاحتفاظ بمذكرات يمكن من خلالها التعبير عن الامتنان يوميًا، قد يكون من المفيد أيضًا التخطيط لاجتماع أسبوعي مع صديق أو أحد أفراد العائلة لتشاركه هذه المعلومات.
5- العلاج النفسي
تساعدك جلسات Psychotherapy في اكتشاف ومعالجة مصادر التوتر والقلق، وقد تكون بعض أنواع العلاج أكثر فعالية من غيرها في تخفيف القلق، يعتبر العلاج السلوكي المعرفي أكثر علاج فعال لاضطرابات القلق بأشكالها المختلفة، لأنه يعمل من خلال تغيير طريقة التفكير من أجل تحسين المزاج وتقويم السلوك.
أثبتت نتائج a study (Carpenter, 2018)، التي أجريت على أكثر من 2800 شخص، فعالية العلاج السلوكي المعرفي في تدبير القلق من المستقبل والأعراض المتعلقة به عند البالغين، بالمقارنة مع تأثير الدواء الوهمي.
توضح الدراسات أيضًا فعالية العلاج بالتعرض في التعامل مع القلق من المستقبل، ويتضمن العلاج التعرض التدريجي للمواقف المسببة للقلق لمساعدة الشخص على بناء الثقة بالمستقبل وتخفيف الأعراض.
يعتبر القلق من المستقبل جزءًا طبيعيًا من الحياة، لكن قد يؤثر القلق الزائد سلبًا على صحتك وحالتك النفسية، يمكن أن يساعد تعلم تقنيات تقليل التوتر والاسترخاء في السيطرة على أعراض القلق المزمن، كما تفيد التقنيات المعرفية مثل: استبدال الأفكار السلبية، والتعبير عن الامتنان في تحسين الحالة، ويمكن للاستشارات النفسية تقديم الدعم من خلال تعلم مهارات التأقلم الجديدة، وخيارات العلاج النفسي المختلفة.
الدراسات:
Anderson, Elizabeth, and Geetha Shivakumar. “Effects of exercise and physical activity on anxiety.” Frontiers in psychiatry vol. 4 27. 23 Apr. 2013, doi:10.3389/fpsyt.2013.00027
Carpenter, Joseph K et al. “Cognitive behavioral therapy for anxiety and related disorders: A meta-analysis of randomized placebo-controlled trials.” Depression and anxiety vol. 35,6 (2018): 502-514. doi:10.1002/da.22728.