يمكن أن يكون قضاء الوقت بعيدًا عمن تحب أمرًا صعبًا، سواء كان أحد أفراد أسرتك أو صديقك أو شريكك العاطفي، ومن الطبيعي أن تشعر بالاشتياق عندما لا تكون بالقرب منهم، وتشعر بالوحدة وعدم الارتياح، ولكن عندما تتحول هذه المشاعر إلى قلق وتوتر مستمر فأنت تعاني من قلق الانفصال، الذي يؤثر بشكل سلبي على صحتك الجسدية والنفسية، ويعيق حياتك اليومية.

ما هو قلق الانفصال؟

يحدث قلق الانفصال عندما تشعر بخوف أو ذعر قوي بشكل غير عادي عند الانفصال عن شخص مقرب منك مثل: أحد أفراد أسرتك أو شريكك العاطفي، وقد يصبح من الصعب التركيز على أي شيء آخر حتى لحظة عودتكما معًا.

أوضحت a study أنه كان يُنظر إلى قلق الانفصال في القديم على أنه مشكلة تحدث فقط في مرحلة الطفولة، إذ عُرف قلق الانفصال عند الأطفال بأنه الخوف من الابتعاد عن مقدم الرعاية الأساسي وهو (الأب أو الأم)، وكانت الطريقة الأكثر شيوعًا عند الأطفال للتخلص من خوفهم من الانفصال هي نوبات الغضب والتشبث، ولكن في هذه الدراسة تم تحديث التشخيص ليشمل البالغين أيضًا، حيث أكدت على أن قلق الانفصال شائع جدًا، وهو موجود في معظم العلاقات بين البالغين.

ما هي سمات ومميزات اضطراب قلق الانفصال؟

هذه بعض أهم سمات قلق الانفصال، بحسب البروفيسور ديفيد لكليمانسكي أستاذ الأمراض العصبية في جامعة يال:

عادةً ما يكون متكررًا

باعتبار قلق الانفصال هو اضطراب نفسي فمن الشائع أن يحدث بشكل متكرر، ويتجلى على شكل ضائقة نفسية مفرطة عند توقع حدوث الانفصال، ويمكن أن يسبب قلقًا مستمرًا بشأن فقدان شخصٍ ما بسبب الأذى أو المرض أو الحوادث أو بسبب الخوف من الهجر. 

أكدت a study (Schoenfelder.2011) أن الخوف من الهجر مرتبط بمشاكل الصحة النفسية عند الشباب الذين عانوا من وفاة أحد الوالدين، وتناولت هذه الدراسة كيف تؤدي مخاوف الشباب بعد وفاة أحد الوالدين إلى ظهور أعراض اكتئاب لاحقة، وذلك بسبب الخوف من الهجر من قبل أقرانهم أو شركائهم العاطفيين. 

شارك في الدراسة 109 شخص من أعراق مختلفة، تتراوح أعمارهم بين 7-16سنة، (50% ذكور- 50% إناث)، تم تقييمهم 4 مرات خلال فترة 6 سنوات، وأكدت النتائج ارتفاع مخاوف الشباب من هجر الشريك بشكل ملحوظ، وارتبطت هذه المخاوف بأعراض الاكتئاب التي تم قياسها خلال 6 سنوات.

تتراوح الأعراض من خفيفة إلى حادة

يترافق قلق الانفصال عند البعض بأعراض خفيفة، بينما قد يعاني البعض الآخر من قدر كبير من القلق والضيق، ويعتمد ذلك على عوامل شخصية ونفسية واجتماعية وعائلية متنوعة.

شائع أكثر عند الأطفال

إن اضطراب قلق الانفصال أكثر شيوعًا عند الأطفال، ولكن قد يعاني منه المراهقون والبالغون أيضًا عندما يكونون بعيدين عن أطفالهم وأسرهم وشركائهم.

ما هي العلامات التي تدل على قلق الانفصال؟

فيما يلي أبرز العلامات التي تدل على أنك تعاني من قلق الانفصال:

• الخوف من أن تكون وحيدًا أو أن تُهجر من قبل من تحب.
• الخوف أو القلق عند مغادرة من تحب المنزل خوفًا من عدم العودة.
• القلق المفرط بشأن الضرر الذي قد يلحق بمن تحب نتيجة العلاقة التي تربطه بك.
• مواجهة صعوبات في التركيز أو النوم بسبب القلق المفرط.

كيف يمكن أن تتعامل مع قلق الانفصال؟

هناك عدة طرق للتعامل مع قلق الانفصال، خصوصًا في مراحله المبكرة، ومن أهمها:

التعرف على علامات وأعراض قلق الانفصال

بدايةً، من المهم التعرف على علامات قلق الانفصال من خلال التحدث مع العائلة أو الشركاء أو الأصدقاء أو الأشخاص الموثوق بهم.

الاعتراف بالمشكلة وتقبلها

إذا كان بإمكانك التعرف على أعراض قلق الانفصال، فالخطوة الأولى هي الاعتراف بالمشكلة، ومحاولة البحث عن أسبابها، والطرق المناسبة للتعامل معها.

مراقبة العلاقات الناجحة من حولك

قد يكون من المفيد مراقبة العلاقات الصحية الناجحة في محيطك، إذ تعطي هذه الأمثلة الدماغ نموذجًا لكيف يمكن أن تكون العلاقة الصحية التي تخلو من الأفكار غير الآمنة.

الإيمان بقدراتك

من المهم أن تضع في اعتبارك أن قلق الانفصال مؤقت ويمكن تخفيفه من خلال الإيمان بنفسك، على سبيل المثال: إذا كنت بعيدًا عن شريكك، ذكر نفسك أنك تعاملت مع هذا من قبل وأن اللقاء مجددًا سيكون قريبًا، كما ينصح الخبراء بإشغال الوقت إما بالعمل أو الدراسة أو أية أنشطة هادفة أخرى.

التركيز النفسي والعاطفي

عليك أن تقبل ما تشعر به في اللحظة الحالية، وأن تحتفظ دائمًا بتركيزك وبالسيطرة على مشاعرك وأحاسيسك. وجدت a study (Strohmaier.2020) شملت 71 مشاركًا، أن البرامج والتمارين التي تعزز التركيز واليقظة أدت إلى انخفاض الاكتئاب والقلق والتوتر بشكل كبير.

تدوين اليوميات 

يمكن أن يساعدك التدوين على التعامل بشكل أفضل مع أفكارك وعواطفك، ويمكن أن يمنحك مساحةً للتعبير عن مخاوفك وقلقك، ويتيح لك الوقت لتحدي أفكارك السلبية.

لا شك أن القلق بشأن الانفصال عمن تحب واحد من أكثر المشاعر السلبية التي تؤثر على سلامتك النفسية، لذا إن كنت تعاني من هذه الحالة، فقد يكون العلاج النفسي خيارًا مفيدًا، ولا تتردد في التواصل مع معالجك النفسي عبر تطبيق لبيه لمساعدتك على التعامل مع القلق والمشاعر السلبية الناتجة عن الانفصال.

الدراسات

Substance Abuse and Mental Health Services Administration. DSM-5 Changes: Implications for Child Serious Emotional Disturbance [Internet]. Rockville (MD): Substance Abuse and Mental Health Services Administration (US); 2016 Jun. Table 15, DSM-IV to DSM-5 Separation Anxiety Disorder Comparison. 

Schoenfelder EN, Sandler IN, Wolchik S, Mackinnon D. Quality of Social Relationships and the Development of Depression in Parentally-Bereaved Youth. J Youth Adolesc. 2011;40(1):85-96. doi:10.1007/s10964-009-9503-z

Strohmaier S, et al. (2020). Effects of length of mindfulness practice on mindfulness depression, anxiety, and stress: A randomized controlled experiment. link.springer.com/article/10.1007/s12671-020-01512-5