10 حقائق حول الانتحار
الكاتب: د.ريان الصعب
الحقيقة الأولى:
تنبع فكرة كون الأشخاص المنتحرين ضعفاء أو جبناء من الجهل بما يدفع أو يزيد من مخاطر الانتحار. حيث تشمل العوامل المتعلقة بالانتحار: الصحة النفسية، كذلك الصحة الجسدية، ووجود عوامل وراثية، وضغوط الحياة. غالبًا ما ناضل الأشخاص الذين يموتون عن طريق الانتحار لفترة طويلة وبصعوبة للبقاء على قيد الحياة والعيش مع الألم النفسي و / أو الألم الجسدي، لذا لا ينبغي عزو الانتحار للضعف بنفس الطريقة التي لا مجال فيها لعزو وفاة شخص بسبب السرطان أو بسبب مرض آخر للضعف أو الجبن؛ حيث يمكن أن يموت المرضى نتيجة مشاكلهم الصحية الجسدية بعد “معركة قوية” مع مرضهم، كذلك هو الحال مع الأشخاص الذين يموتون منتحرين.
الحقيقة الثانية:
عوامل الانتحار متعددة ولا يعتبر ظاهرة ذات سبب واحد وفي حين أن الضغوط الخارجية هي الأكثر وضوحًا؛ فقد أظهر العلم بوضوح أن هناك دائمًا عوامل خطر متعددة تساهم في الانتحار. عوامل الخطر تشمل الاضطرابات النفسية (مثل الاكتئاب، ومشاكل الادمان، واضطراب ثنائي القطب، واضطراب الشخصية الحدية، والفصام، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، واضطرابات القلق الأخرى، واضطرابات الأكل) وهي من بين عوامل الخطر الأكثر شيوعًا. هذا بالإضافة إلى حدوث تغييرات في الدماغ والادراك أثناء هذه الفترة مثل تقييد الإدراك: حيث يصبح تطبيق استراتيجيات المسايرة أقل سهولة وذلك في وجود الرؤية النفقية.
الحقيقة الثالثة:
خطر الانتحار ديناميكي للغاية ذلك أن الأشخاص المعرضين لخطر الانتحار يمكن أن تتغير خطورة حالتهم يومًا بعد يوم وحتى من ساعة إلى ساعة. يأتي التفكير والتخطيط للانتحار من حاجة العقل البشري القوية لحل المشكلة وحل الألم واليأس. لكن غريزة البقاء والرغبة في العثور على الأمل تلعب دورًا قويًا أيضًا. لذلك؛ فإن التناقض هو جزء من عملية الانتحار. والفترات الشديدة التي ترتفع فيها مخاطر الانتحار هي في الواقع فترات قصيرة نسبيًا، وغالبًا ما تستمر من دقائق إلى ساعات. ونتيجة لذلك، فإن تقديم الدعم لشخص ما والحفاظ عليه آمنًا خلال هذه الفترة يكون غالبًا منقذًا لحياته.
الحقيقة الرابعة:
غالبية الأشخاص الذين نجوا من محاولات انتحار قوية تقريبًا يواصلون العيش بعد ذلك: يعد وجود محاولة سابقة للانتحار واحد من أقوى العوامل التي تنبئ بالسلوك الانتحاري في المستقبل. ومع ذلك؛ فإنّ الغالبية العظمى من الذين نجوا من محاولة انتحار لاينتحرون فالغالبية العظمى (85-95%) يواصلون عيش حياة طبيعية.
الحقيقة الخامسة:
أظهرت الأبحاث أن لدى كل من الأشخاص الذين حاولوا الانتحار، والأشخاص الذين لديهم تاريخ من إيذاء النفس غير الانتحاري خطورة عالية للانتحار على المدى الطويل. لذا “صرخة طلب المساعدة” هي مجرد إشارة إلى الضيق الذي يستدعي التدخل. لذا كن حذرًا من افتراض التلاعب أو مساوة أنماط السلوك المزمن مع نقص الخطورة.
الحقيقة السادسة:
يكشف الأشخاص الذين يتحدثون عن أفكارهم الانتحارية عن خطورة محتملة للانتحار، حيث تحدث أكثر من 50% من الأشخاص المنتحرين مع أحد أفراد أسرتهم أو أصدقائهم أو مقدمي الرعاية الصحية عن الانتحار في غضون أسابيع قبل وفاتهم. يعتقد البعض بشكل خاطئ أنه لاخوف على الأشخاص الذين يتحدثون عن أفكارهم الانتحارية؛ حتى الأشخاص الذين يحاولون الحفاظ على خصوصية محنتهم سيعطون في كثير من الأحيان بعض الأدلة اللفظية عما يجول في خاطرهم، والتي يتم التعبير عنها أحيانًا من خلال النكات أو غيرها من العبارات.
على سبيل المثال شكل خبر انتحار الشيف الشهير وصانع الافلام الوثائقية أنتوني بورداين في عام 2018 صدمة كبيرة على أصدقائه ومتابعي برنامجه الشهير” أماكن غير معروفة” على الرغم من حقيقة أنه وعلى مدار عدة سنوات ومن خلال أكثر من 15 مناسبة على الهواء أو من خلال المقابلات معه عبر خلالها عن يأسه وتفكيره بالانتحار، حتى أنه ذكر فكرة الانتحار بالطريقة المحددة التي استخدمها في النهاية.
الحقيقة السابعة:
في حين أننا لا نستطيع رؤية جميع عوامل خطر الانتحار بوضوح وذلك قبيل الانتحار، إلا أن خطر الانتحار يتراكم عادةً بمرور الوقت مع تغيرات في الصحة، والإدراك، والشعور بالأمل، والتواصل الاجتماعي. ولأن وصمة العار منتشرة وغريزة الإنسان هي الانسحاب والانعزال عند المعاناة ، يخفي الكثيرون هذه النوايا ، مما يجعل الانتحار يبدو “من فراغ” ولكن هذا ليس هو الحال عادة. لذا لا تكون حالات الانتحار بشكل عام اندفاعًا بحتًا دون وجود عوامل خطر أخرى.
الحقيقة الثامنة:
عندما يكون الوصول إلى الوسائل المميتة أقل، يتضاءل خطر الانتحار بشكل كبير. مجموعة من الأبحاث حول الأشكال المختلفة للوسائل المميتة التي تمت دراستها بما في ذلك الجسور والمبيدات الحشرية وأول أكسيد الكربون والأسلحة النارية، تروي نفس القصة باستمرار: عندما يقل الوصول للوسائل المميتة شائعة الاستخدام ينخفض معدل الانتحار ، حتى عندما تتوفر وسائل أخرى.
أحد الأمثلة التاريخية للعلاقة بين توافر الوسائل المؤدية للانتحار ومعدلات الانتحار حدث في النصف الثاني من القرن العشرين في إنجلترا مع إزالة السموم من الغاز المنزلي وذلك بتقليل مستويات أحادي أكسيد الكربون، والذي حدث كنتيجة طبيعية للشكل الجديد من الطاقة والتي تم استخدامها بدل من الفحم. لم ينخفض معدل الانتحار عن طريق استنشاق الغاز بشكل ملحوظ فحسب، بل انخفض المعدل العام للانتحار في إنجلترا بنسبة 40%. وهذه واحدة من العديد من الدراسات التي توضح الدور الحاسم لتقليل ومنع الوسائل المميتة في الحد من الانتحار، وتسلط الضوء أيضًا على النتائج التي مفادها أن غالبية الاشخاص اصحاب الميول الانتحارية لا ينتقلون بالضرورة إلى طريقة مختلفة للانتحار إذا لم يكن من الممكن الوصول إلى الطريقة الأولى.
الحقيقة التاسعة:
من خلال إجراء محادثة مهتمة والسؤال عن الأفكار الانتحارية؛ فأنت تقدم الدعم، والدراسات والخبرة السريرية تجد أن الناس يشعرون بالراحة عندما يُسألون عن مدى تأثير آلامهم عليهم، بما في ذلك السؤال عن الأفكار الانتحارية. لا يتأذى الناس من خلال سؤالهم عن الانتحار وعما إذا كانت لديهم أفكار انتحارية أم لا، خاصة عندما يُسألون بطريقة حانية وبدون اطلاق الاحكام عليهم. لذا لا تتجنب السؤال عما إذا كان شخص ما لديه ميول انتحارية وذلك خوفًا من أنك قد تزرع الفكرة أو تجعلها أسوأ.
الحقيقة العاشرة:
الانتحار ليس ببساطة خيار “عقلاني” وجدت مجموعة متنامية من أبحاث علم الأعصاب أن تغيرات دماغية مؤقتة، وغالبًا ما تكون عابرة، تحدث أثناء فترات الأزمة الانتحارية: قد تكون هناك ظروف نادرة جدًا يختار عندها الشخص أن يأخذ حياته وذلك دون أن يتأثر إدراكه بشكل كبير بمرض نفسي أو عوامل صحية أخرى (مثل الألم النفسية الشديدة، والألم، والذهان، واليأس) لكن الغالبية العظمى من محاولات الانتحار والموت عن طريق الانتحار ليست اختيارات كان من الممكن أن يتخذها الشخص في حالته الادراكية المعتادة. يوضح العلم أن العوامل الصحية وتغيرات الدماغ أثناء أزمة الانتحار تخلق عجزًا إدراكيًا مؤقتًا مانعًا الوصول إلى استراتيجيات المسايرة المعتادة.
المراجع :
- Cavanagh, J. T. 0., Carson, A. J., Sharpe, M., & Lawrie, S. M. (2003) Psychological autopsy studies of suicide: A systematic review. Psychol Med, 33(3): 395-405.
- Dombrovski, A. Y, & Hallauist, M. N. (2017) The decision neuroscience perspective on suicidal behavior: Evidence and hypotheses. Curr Opin Psychiatry, 30(1): 7-14.
- Ocluendo, M. A., Sullivan, G. M., Sudol, K., et al. (2014) Toward a biosignature for suicide. American J Psychiatry, 171(12): 1259-77.
- Hawton, K., Zahl, D., & Weatherall, R. (2003) Suicide following deliberate self-harm: Long-term follow-up of patients who presented to a general hospital. Br Psychiatry, 182(6): 537-42.
- Pompili, M., Belvederi Murri, M., Patti, S., et al. (2016) The communication of suicidal intentions: A meta-analvsis.Psycho/ Med, 46(11): 2239-53. doi:10.1017/50033291716000696
- Gunnell, D., & Miller, M. (2010) Strategies to prevent suicide. BMJ, 341: 157-58.
- Gould, M. S., Marrocco, F. A., Kleinman, M., et al. (2005) Evaluating iatrogenic risk of youth suicide screening programs: A randomized controlled trial. JAMA, 293(13): 1635-43. doi:10.1001/jama.293.13.1635