الاستقرار العاطفي وتأثيره على الصحة النفسية
إن ظروف حياة البشر الحالية في العصر الحديث، والمتطلبات والضغوط التي تقع على كاهلنا، واقتحام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لحياتنا، وانعدام الخصوصية، جعلت منا أشخاصًا أكثر قلقًا على حياتنا وعلى مكانتنا في المجتمع، وانخفض الاستقرار العاطفي والنفسي بشكلٍ كبيرٍ، لذا من المهم التذكير بأهمية الحفاظ على السلامة النفسية واتباع الخطوات للحصول على استقرارٍ عاطفي لننعم بحياةٍ أكثر مرونة.
ما هو الاستقرار العاطفي؟
يُعرف الاستقرار العاطفي بأنه قدرة الإنسان على البقاء في حالة توازن، ورغم الأحداث التي تعصف بحياته يبقى مُستقرًا وقادرًا على الاستمرار في الإنتاج والتأقلم مع مختلف الظروف، يؤكد علماء النفس أن العواطف تؤثر بشكلٍ كبيرٍ في جميع قرارات البشر، وتحديدًا تلك التي تأتي على شكل دفعاتٍ قويةٍ مفاجئةٍ سواءً كانت إيجابيةً أم سلبيةً فقد يتبعها تصرفاتٌ غير مسؤولةٍ وهنا تكمن أهمية الاستقرار العاطفي.
من الجدير بالذكر أن الاستقرار لا يعني بالضرورة كبت المشاعر بكافة أنواعها، بل هو أقرب إلى الإقرار بوجودها وأهمية تفريغها بالطرق المناسبة، على سبيل المثال: يدعي الكثير من مرتكبي الجرائم أنهم ارتكبوا الجرائم في لحظاتٍ شعروا فيها أنهم لم يستطيعوا السيطرة على أنفسهم، ونظرًا لأهمية ذلك في القضاء، وسواءً اتفقنا مع عدالة هذا الأمر أم لا، عادةً ما تُسن قوانين خاصة بالجرائم التي حدثت نتيجة رد فعلٍ عاطفي مثل جرائم الشرف.
أهمية الاستقرار العاطفي
تكمن أهمية الاستقرار العاطفي في العديد من الميزات التي يتصف بها الأشخاص المتوازنون والمستقرون عاطفيًا مثل:
التركيز العالي
أحد أهم الصفات التي يتصف بها الأشخاص المتوازنون عاطفيًا هي قدرتهم الكبيرة على التركيز، فعادةً ما تؤثر المصائب والأحداث المفاجئة على قدرتنا على الاستمرار بفعاليةٍ في تحقيق أهدافنا، فتنال منا مشاعر القلق والخوف بسهولةٍ ونصبح مشتتين إلى درجةٍ كبيرةٍ، وهنا تكمن أهمية القدرة على ضبط النفس واحتضان المشاعر والسماح لها بالمرور بسلام، حيث يمنحنا الاستقرار العاطفي تحكمًا أفضل وقدرةً على رؤية الأمور من زوايا متعددةٍ وتقدير المواقف بناءً على حقيقتها وليس كرد فعلٍ على تأثير العواطف اللحظية.
الثقة بالنفس
إن النقد اللاذع والتنمر أمورٌ لا شك أن أغلب الناس قد مروا بها في إحدى مراحل حياتهم، لكن وكما يقول المثل “إرضاء الناس غايةٌ لا تدرك”.
يمنحنا الاستقرار العاطفي مرونةً إضافيةً وسلامًا نفسيًا، كما أنه يُخفف من جَلد الذات غير المبرر الذي عادةً ما يكون مصدره الأساسي هو الخارج والآخرين ونظرتهم المسبقة عنا، فالشخص المستقر عاطفيًا يمتلك تلك المرونة النفسية التي تسمح له بتقدير نفسه وتقدير غيره مما يُكسبه قدرةً إضافيةً على الإنتاج والاستمرار في أحلك الأوقات.
امتلاك النظرة الإيجابية
تضعنا الحياة في كثيرٍ من الأحيان بمواقف يتخللها الشك وتجبرنا على التصرف أو اتخاذ القرارات، وعادةً ما يترافق ذلك مع انطلاق مشاعر القلق والخوف من الآتي، حيث تبدأ الأفكار السلبية بالتغلغل وتحاول السيطرة على قراراتنا، لذا يمنحنا الاستقرار العاطفي فهمًا أعمق لتلك المشاعر باعتبارها ردة فعلٍ طبيعية، وعند حصولها يحاول الجسم حماية نفسه في المواقف المريبة وغير المفهومةٍ ويحاول إنذارنا لمصادر الخطر، لذا يستطيع الأشخاص المستقرون عاطفيًا التحلي بالإيجابية والنظر بمنطقيةٍ إلى الأمور والتحكم بخوفهم واتخاذ القرارات بناءً على ما هي عليه.
الحفاظ على الصحة الجسدية
تُثبت الدراسات يومًا بعد يومٍ الارتباط الوثيق ما بين الصحة النفسية والصحة الجسدية والعلاقة المتبادلة بينهما، ويوصي الخبراء دومًا بالحفاظ على كليهما، فعلى سبيل المثال: تكون أعراض الإصابة بفايروس كورونا عادةً على شكل ضيق تنفسٍ وتعبٍ وآلامٍ في العضلات والمفاصل وبذات الوقت هي أعراض القلق، انطلاقًا من ذلك فإن الاستقرار العاطفي أمرٌ بالغ الأهمية في الحفاظ على صحتنا النفسية التي بدورها تنعكس إيجابًا على صحتنا الجسدية.
كيف أُصبح مستقرًّا عاطفيًا؟
في البداية يجب عليك أن تعلم عزيزي بأن عدم الاستقرار العاطفي هو حالةٌ تَنتج عن محاولاتٍ دائمةٍ للسيطرة المفرطة على المشاعر والأحداث والمواقف وكبت المشاعر، وهو ما يُنتج حالةً من القلق والترقب الدائم، لذا عليك ربط أحزمتك والبدء برحلة إطلاق العنان للمشاعر والسماح لها بالخروج حتى نهايتها؛ لتنظيف نفسك من تلك المكبوتات العالقة داخلك بشكلٍ منتظمٍ.
في النهاية جميعنا نقع في لحظات ضعفٍ عندما تتسلل إلى داخلنا عواطف طارئةٍ ثم تبدأ بالتراكم وتخلق حالةً من عدم التوازن، هكذا حتى تصل إلى لحظةٍ تُصبح الأمور خارج السيطرة وتنتج السلوكيات غير المحببة التي تعود علينا بالضرر، لذا خذ وقتك الكامل ودع المشاعر تأخذ مجالها لتخرج بشكلٍ طبيعي، لا تحاول كبتها ولا تدعها تتكدس لتصبح في النهاية أشبه بقنبلةٍ مهددةٍ بالانفجار وهدم كل شيء.